بايدن وتزامن غارة سورية وتقرير مقتل خاشقجي: الرسائل والتوقعات

بايدن وتزامن غارة سورية وتقرير مقتل خاشقجي: الرسائل والتوقعات

27 فبراير 2021
جاء ردّ بايدن الرئيس أخف بكثير من وعود بايدن المرشح (سول لوب/فرانس برس)
+ الخط -

بعد أقل من 24 ساعة على قصفها "منشآت لمليشيات تدعمها ايران" في شرق سورية، كشفت إدارة جو بايدن عن تقرير وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" الموعود، حول تصفية الصحافي جمال خاشقجي، والمحرج للسعودية. كان من المتوقع أن تفرج عنه يوم الأربعاء الماضي، لكن الموعد تأجل إلى الخميس، ثم إلى الجمعة، ليصدر في أعقاب الغارة بصيغة خلاصة من أربع صفحات محذوف منها بعض المعلومات.

التزامن بين الاثنين بدا أنه مصمَّم لتوجيه رسالة مزدوجة للمعنيين بهذين التطورين: أن إدارة بايدن متمايزة عن إدارة سلفه دونالد ترامب، وأنها تتعامل مع تحديات الخارج بقاعدة المحاسبة. لكن في التطبيق، بدا أنها حرصت على أن تأتي محاسبتها في الحالتين وسطية، "نسبية" أو ملتوية، بحيث تكون أقلّ من تصعيد وأقرب إلى أداة تفعيل ودفع لدبلوماسيتها التي تعتمدها كنهج لتسوية الخلافات والنزاعات مع الغير، خصوصاً في حرب اليمن والملف النووي الإيراني.

الواضح أنه على الجبهتين، جاء ردّ بايدن الرئيس أخف بكثير من وعود بايدن المرشح، وبالتحديد في قضية خاشقجي، إذ يتهم تقرير الاستخبارات، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بأنه "وافق على قتله" (عبارة مخففة للقول إنه أمر بقتله). وهذا متوقع، فأهمية العلاقة مع الرياض تفرض ذلك، وكذلك "أولوية" النووي لدى الإدارة قضت بمحدودية الغارة الجوية. ومع أن هناك تفهماً لهذه الاعتبارات، إلا أن سياسة النصف عصا – نصف جزرة، أثارت ردوداً متباينة تراوحت بين النقد والتفهم والخيبة.

النقد في غالبيته جاء من الكونغرس، خصوصاً من الديمقراطيين، في ما يتعلق بالعملية العسكرية. كثيرون من بينهم أخذوا على البيت الأبيض عدم التشاور المسبق مع الكونغرس، مع أنه جرى إبلاغ "قياداته" بها قبل حصولها. كما طالبوا بكشف المزيد من المعلومات عنها، وكأن هناك فيها ما يدعو إلى الريبة، كما دعوا إلى وجوب حصول الإدارة على موافقة مسبقة من الكونغرس في المستقبل، مع أن الرؤساء تجاوزوا هذا الإجراء منذ الحرب العالمية الثانية ودخلوا حتى في حروب من دون إذن الكونغرس. لكن إجمالاً، بقيت الغارة في خانة المقبول، بل الترحيب، وبالأخص من بعض الجمهوريين والعسكريين السابقين، على أساس أنها عقوبة في محلها، وأنها "سوف تساعد على تحريك عملية التفاوض" مع إيران.

وفي كلّ حال، سرعان ما تراجع الحديث عنها بعد صدور تقرير الاستخبارات حول مقتل جمال خاشقجي. فور إعلانه، خطف الأضواء واحتل العناوين الرئيسية المرئية والمقروءة، وبشبه إجماع في التعبير عن السخط، ليس فقط من دور ولي العهد السعودي في القضية، بل أيضاً من ردّ إدارة بايدن الرمادي، خصوصاً وأنه "لا يتناسب مع الثمن" الذي سبق وتوعّد به الرئيس بايدن. وازدادت الدهشة عندما قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن في مؤتمره الصحافي، إن التقرير "يتحدث عن نفسه"، مع التنويه بعقوبات فردية خفيفة، والاكتفاء بالإشارة إلى أن الإدارة عازمة على مراجعة العلاقات مع السعودية وإعادة "وضع معايير جديدة" لها، وهو مطلب مزمن يكاد يحظى بشبه إجماع في الكونغرس، الذي يشدد على وجوب وقف التعامل مع المملكة بعد الآن بطريقة "إعطاء الشيكات على بياض" لها.

في الحصيلة، وفي أحسن الأحوال، لا يبدو كما تشير الردود أن بايدن حقق التمايز النوعي المرغوب في أول اختبارين خارجيين. الخطوات التي اتخذها "رمزية"، وفق توصيف أحد المراقبين. فهي في النهاية "لا تخرج عن المعتاد: كلام كبير وغارات عسكرية وعقوبات". ممارسات منقوصة أو عاجزة، لم تسفر عن تغييرات في أوضاع المنطقة وأزماتها، بل فاقمتها وعززت ديمومتها. وربما يكون هذا هو المطلوب في حسابات الممسكين بخيوط اللعبة.

المساهمون