الخلاف الحدودي بين الصين والهند... سباق دائم بين التهدئة والانفجار

الخلاف الحدودي بين الصين والهند... سباق دائم بين التهدئة والانفجار

17 يوليو 2023
قوات هندية قرب ممر زوجيلا الجبلي الذي يصل إلى لاداخ، 2021 (توصيف مصطفى/فرانس برس)
+ الخط -

"خطوة إلى الأمام، خطوتان إلى الوراء". هكذا لخّص "معهد الولايات المتحدة للسلام"، في مايو/ أيار الماضي، الخلاف الحدودي التاريخي بين الصين والهند، في منطقة الهيمالايا، والذي يعود الحديث عنه اليوم، في ظلّ دعوة وجّهتها بكين لنيودلهي للتهدئة وملاقاتها في منتصف الطريق، لنزع فتيل التوتر، فيما كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يوقع اتفاقات جديدة في فرنسا، أبرزها عسكرية، في دلالة مهمة وإضافية على حجم ما ترى فيه الهند تحديات جيوسياسية تواجهها، ومنها المعضلة الحدودية المتواصلة في الهيمالايا.

حدود طويلة متنازع عليها بين الصين والهند

ويدور الخلاف، بين أكبر دولتين في القارة الآسيوية، والقوتين النوويتين، حول حدود متنازع عليها في منطقة الهيمالايا بطول 3380 كيلومتراً، ويفصل قوات البلدين على هذه الحدود اليوم ما يعرف بـ"خطّ السيطرة الفعلية" (line of actual control)، وهو خطّ ترسيم غير رسمي وغير معترف به دولياً.

ويدور الحديث خصوصاً، حول منطقتين حدوديتين متنازع حولهما، هما أولاً "أكساي شين"، التي تسيطر حالياً عليها الصين، كجزء من إقليم شيجيانغ ومن التيبت، وتطالب بها الهند كجزء من إقليم لاداخ، أما المنطقة الثانية، فهي ما تسميّه الهند اليوم "أرانوشال براديش" (ولاية هندية في الشمال الشرقي من الهند ولها حدود مع بوتان وميانمار والحدود المتنازع عليها في التيبت مع الصين)، وتسيطر عليها الهند.

تواصل الصين عسكرة الحدود المتنازع عليها بشكل غير مسبوق

وفي الواقع، فإن لكلا المنطقتين أهمية استراتيجية بالنسبة للصين، وكذلك للهند، خصوصاً أن المنخفضات في "أكساي شين" ساعدت الصين على إنشاء طريق يربط إقليم التيبت بإقليم سنجان، فيما تعد كذلك الثورة المائية في الهيمالايا حيوية لبكين ونيودلهي، لا سيما أن النمو الاقتصادي والسكاني المتسارع لكليهما يشكل عامل ضغط قوي على مواردهما المائية.

ومن بين الأنهار المتنازع عليها في المنطقة، نهر براهمابوترا الذي ينبع من التيبت، ويعبر الحدود إلى "أرانوشال براداش" التي تقول الصين إنها أرض من جنوب التيبت. ويسود قلق في نيودلهي منذ عام 2020، مع ورود أنباء عن عزم الصين على بناء سدّ عملاق على النهر، في مشروع عملاق لإنتاج الكهرباء بقدرة تفوق بثلاثة أضعاف طاقة سدّ الممرات الثلاثة على نهر يانغتسي في الصين، أكبر سدود العالم.

وتعني "خطوة إلى الأمام، خطوتان إلى الوراء"، بحسب "معهد الولايات المتحدة للسلام"، أن الخلاف الحدودي بين الهند والصين، والذي اشتعل في يونيو/ حزيران 2020، بشكل أعاد الأزمة إلى الواجهة، مع مقتل 20 جندياً هندياً و4 جنود صينيين في مواجهات حدودية، يرابط حالياً بين الهدوء الحذر، ولقاءات عسكرية ثنائية، لكنها لا تفضي إلى شيء، فيما يعيد التوتر إلى الوراء ما أصبح أمراً واقعاً اليوم منذ أحداث عام 2020، والتي أسّست لمشهد عسكري مختلف على الحدود، ليس كما قبله.

عسكرة متزايدة في الهيمالايا

فمنذ ذلك التاريخ، تواصل الصين عسكرة الحدود المتنازع عليها بشكل غير مسبوق، وهو ما تفعله الهند كذلك، لكن الصين بشكل خاص عمدت إلى تطوير البنية التحتية اللازمة لتثبيت وجودها في المنطقة، ليس فقط على الصعيد العسكري، بل الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، بحيث إنها تعلن بين كل فترة وأخرى مثلاً عن تسمية مناطق وأنهار وجبال بأسماء جديدة، وهو توجه أكدّته في تصريحاتها الرسمية، واعترضت عليه الهند. وبشكل مختصر، فإنه منذ مواجهات 2020، أصبحت الهند متحضرة لوجود عسكري صيني دائم على حدود "أكساي شين" وهو ما لم يكن من قبل. وتتخوف الهند من بناء الصين "قرى نموذجية" على الحدود، وتوسعة الوجود السكاني.

ويجمع مراقبون، على أن الصين، تملك في النزاع اليد الطولى عسكرياً، بينما تحظى الهند بدعم غربي استخباري، ومن وجهة نظر عسكرية، فهي قادرة على القتال في المناطق الجبلية المرتفعة، بشكل أكثر كفاءة من الصينيين، بحسب خبراء، بينما يملك الجيش الصيني أفضلية من حيث القدرات التكنولوجية، وامتلاكه المسيّرات، وهو ما تحاول الهند اللحاق به بصفقات تسليح كبرى.

يملك الجيش الصيني أفضلية من حيث القدرات التكنولوجية، وامتلاكه المسيّرات، وهو ما تحاول الهند اللحاق به

ولكل من البلدين، حالياً، حوالي 50 ألف جندي على الحدود المتنازع عليها، يرابطون منذ 2020، تاريخ تراجع العلاقات بشكل دراماتيكي، بعد اشتباكات يونيو التي وقعت حينها في وادي غالوان، في لاداخ.

وشهد شهرا يناير/ كانون الثاني 2021، وديسمبر/ كانون الأول 2022، كذلك، اشتباكات بين الطرفين، أسفرت عن وقوع إصابات في صفوف قواتهما، علماً أن اشتباك 2020، كان المواجهة الدموية الأولى بين الطرفين على الحدود منذ 45 عاماً. وكانت حرب قد اندلعت بين الصين والهند في عام 1962 حول مسألة الحدود الطويلة المتنازع عليها بينهما.

وعلى هامش اجتماع منتدى رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان" في جاكرتا، التقى كبير الدبلوماسيين الصينيين، وانغ يي، أول من أمس السبت، وزير الشؤون الخارجية الهندي سوبراهمانيام جايشانكار، حيث حثّ وانغ يي، الهند، على التركيز على "المصالح المشتركة"، وملاقاة بلاده عند "منتصف الطريق"، لـ"إيجاد حل لمشكلة الحدود يكون مقبولاً من الجانبين"، وفق الخارجية الصينية. وأكد وانغ أنه "يتعين على الجانبين دعم بعضهما البعض بدلاً من أن يشكك أحدهما بالآخر"، فيما أشار بيان الخارجية الصينية إلى أن الجانبين اتفقا على عقد جولة من المحادثات على مستوى القادة العسكريين لبحث قضية الحدود "في أقرب وقت ممكن".

وعلى الرغم من أن الاشتباكات بين الطرفين، غالباً ما تتبعها محادثات ثنائية، وإجراءات أخرى لتنفيس الاحتقان، فإن زيادة العسكرة على طول "خط السيطرة الفعلية"، وتشبّث بكين ونيودلهي بموقفيهما، يصعّب إمكانية التوصل إلى اتفاق حدودي كامل ونهائي، ويجعل الوضع على الحدود مشدوداً دائماً.

وفيما تعد الصين ثاني أكبر شريك تجاري للهند، على الرغم من العلاقات المتوترة، تسعى نيودلهي منذ فترة إلى تقييد الأعمال والاستثمارات الصينية داخل الهند، وتوسيع وتنويع شراكاتها، لا سيما مع أوروبا والولايات المتحدة، مع فرض إجراءات مشدّدة على حصول رجال الأعمال الصينيين على تأشيرات دخول للهند. وأكد وانغ السبت، أن بلاده "قلقة للغاية بشأن الإجراءات التقييدية التي اتخذتها الهند أخيراً ضد الشركات الصينية"، وحثّ نيودلهي على توفير "بيئة أعمال عادلة وشفافة، ولا تنطوي على تمييز".

(العربي الجديد)

المساهمون