الجزائر: هل يجد نداء "مفتي القاعدة" صدى لدى المسلحين؟

الجزائر: هل يجد نداء "مفتي القاعدة" صدى لدى المسلحين؟

08 ابريل 2022
جنود جزائريون في بوفاريك، إبريل 2018 (فاروق باطيش/الأناضول)
+ الخط -

يمثّل النداء الذي وجّهه القاضي الشرعي لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" لسلوس مدني، المعروف باسم عاصم أبو حيان، بعد أسبوعين من اعتقاله في الجزائر، والذي تضمن دعوة للمسلحين لوقف النشاط والاستسلام للسلطات الجزائرية، نقطة تحوّل مهمة في المعركة التي تخوضها السلطات ضد المجموعات المسلحة.

وتكمن أهمية النداء في صدوره عن "المفتي العام" للجماعات، أعلى سلطة معنوية وروحية في التنظيم، في ظرف تشهد فيه الجماعات المسلّحة أضعف مراحلها، وهو ما يرجح أن يلقى صدى لدى المسلحين.

ووجّه أبو حيان، أول من أمس الأربعاء، نداء إلى كل المجموعات لوقف العمل المسلح وإنهاء حالة التمرد على الدولة وتسليم نفسها وأسلحتها إلى السلطات الجزائرية.

وأكد أبو حيان في أول ظهور له منذ اعتقاله من قبل قوات الجيش قبل أسبوعين، في اعترافات بثها التلفزيون الرسمي، أنه يعلن رسمياً توبته وندمه على 28 عاماً قضاها في النشاط المسلح، موضحاً أن هذا الإعلان نابع من قناعة شخصية تشكّلت لديه قبل فترة من توقيفه.

وقال: "قضيت 28 سنة في العمل المسلح، وظهر لي أن العمل المسلح ستكون له عواقب وخيمة، وها أنا أعلن توبتي من العمل المسلح وأبرأ منه وأطلب من الله أن يغفر لي".

وشدّد على أنه "ليس هناك أي إكراه عليّ، وأنا من طلبت من الأجهزة الأمنية أن أوجه هذا النداء إلى المسلّحين، وهذه شهادة مني لكل عناصر تنظيم القاعدة الذين أدعوهم إلى وقف العمل المسلح".

نداءات سابقة لقادة من تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"

ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتوجه فيها قيادي بارز في الجماعات المسلحة وتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" بإعلان التوبة مرفقاً بنداء إلى رفاقه السابقين من المسلحين لتسليم أنفسهم ووقف العمل المسلح.

ففي يناير/ كانون الثاني 2009، نشر الأمير السابق، مؤسس "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" في الجزائر حسان حطاب، الذي أعلن عن وقف العمل المسلح منذ 22 سبتمبر/ أيلول 2007، بياناً بعنوان: "بيان التوبة والبراءة"، تضمن إبطال الجهاد في الجزائر، ودعوة عناصر التنظيمات المسلحة إلى التوبة وقف العمل المسلح والعودة إلى حضن عائلاتهم والاستفادة من تدابير قانون المصالحة الوطنية.

وتلت مراجعة حطاب مراجعة ثانية، أصدرها أربعة من القادة السابقين لـ"القاعدة" سبق أن سلّموا أنفسهم إلى السلطات، وهم المسؤول السابق للجنة الإعلامية للتنظيم أبو عمر عبد البر، والمسؤول السابق للجنة الطبية أبو زكريا، وأمير المنطقة التاسعة للتنظيم مصعب أبو داود، والأمير السابق لـ"كتيبة الجند" أبو حذيفة عمار.

ووجّه القادة السابقون نداءً إلى المسلحين لوقف العمل المسلح، جاء فيه: "كنا بالأمس رفاقكم وكنا قادة لكم، وندعوكم للحاق بنا والعودة إلى حياتكم في كنف أسركم التي تنتظركم".

وفي مايو/ أيار 2009، أصدر القيادي البارز في التنظيم عماري صايفي، المعروف بعبد الرزاق البارا، الذي قاد عملية خطف 33 سائحاً ألمانياً في الصحراء الجزائرية عام 2003، من داخل السجن مراجعة شرعية بعنوان "براءة واستنكار"، بعد سلسلة التفجيرات الانتحارية الدامية التي عصفت بالجزائر في عامي 2007 و2008، أعلن فيها اقتناعه بعدم شرعية الجهاد في الجزائر، ودعا مسلحي "القاعدة" إلى "وقف العمل الإرهابي والنزول من الجبال وتسليم السلاح".


تفاوتت نِسَب الاستجابة لنداءات قادة سابقين

وخلال التجارب السابقة لمثل هذه النداءات التي كان يوجهها قادة التنظيم، خصوصاً بعد تسليم أنفسهم طواعية للسلطات، كانت الاستجابة متباينة من قبل المسلحين، لأن بعض المعلومات التي سردها تائبون لاحقاً، كشفت أن قيادات التنظيم والمجموعات كانت تبدي قلقاً فعلياً من هذه النداءات، بالنظر إلى موقع وسلطة القيادات التي أطلقتها.

وكانت المجموعات تلجأ إلى فرض رقابة مشددة على عناصرها، لمنعهم من تسليم أنفسهم، لكن ذلك لم يمنع عدداً كبيراً من المسلحين من الاقتناع بالنداءات، حتى أن عائلات بأكملها سلّمت نفسها إلى السلطات، على غرار حادثة استسلام عشرة عناصر في مايو 2018، فضلاً عن استسلام العديد من المسلحين في منطقة الجنوب.

أهمية نداء أبو حيان

وحول أهمية النداءات واحتمالات الاستجابة لها، اعتبرت الإعلامية نائلة برحال، التي تتابع ملف الجماعات المسلحة منذ إقرار قانون "الوئام المدني" عام 1999 وقانون "المصالحة الوطنية" عام 2005، أن النداء الذي وجّهه مفتي "القاعدة" مهم، وتوقعت في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن يلقى النداء استجابة لدى المسلحين لاعتبارات تتعلق بموقع مُطلق النداء في هرم التنظيم.

وتطرّقت برحال إلى أهمية النداء بالقول إن "هناك نوعاً من الترابط المعنوي بين عناصر الجماعات ونداء مفتيهم"، وأشارت إلى أنه "مهم لجهة امتلاكه سلطة معنوية على عناصر الجماعات الإرهابية التي أشرف عليها، تحديداً في وسط وغرب الجزائر، مثل المدية وعين الدفلى. والمسلحون هناك يعرفونه جيداً".

وأضافت أن أبو حيان حاول أن يقنع العناصر بتسليم أنفسهم وأن تكون هناك مفاوضات مع الأمن والسلطات، معتبراً أن الأمر يبقى أفضل من القضاء عليهم، خصوصاً أن قوات الجيش الآن في موقع قوة مع وجود أبرز العناصر والقيادات في قبضتها، والذين يمثلون "الصندوق الأسود" للجماعات، وتستطيع السلطات من خلالهم معرفة كل المعلومات وتحركات وتمركزات الجماعات.

وأبدت برحال اعتقادها بأن "نداء أبو حيان يمكن أن يؤثر على العناصر، تحديداً في هذا الظرف الذي تعيش فيه الجماعات الإرهابية حالة ضعف شديدة وسط تشرّد عناصرها في الجبال".

ولفتت إلى ملاحظتها "في تسجيل أبو حيان، أنه تحدث عن تسليم نفسه مركّزاً على المعاملة الجيدة لمصالح الأمن"، معتبرة أن ذلك "يهدف إلى تبديد مخاوف المسلحين وترددهم".


تعيش العناصر المسلّحة حالة ضعف شديدة

وتشير هذه المعطيات إلى متغير مهم في التوقيت والظروف بالنسبة لنداء مفتي "القاعدة" عاصم أبو حيان، مقارنة مع النداءات السابقة نفسها لقيادات التنظيم. وإذا كانت النداءات السابقة للقادة قد بدت في الغالب كرد فعل على تصاعد النشاط المسلح وتفاقم التفجيرات كما حدث عام 2007، وفي ظروف كان فيها "القاعدة" نشطاً وقادراً على الاستقطاب، فإن النداء الجديد يأتي في ظرف مغاير تماماً. ففي هذه الأيام، تعمّ حالة من الضعف الكبير والنزيف الحاد في صفوف الجماعات التي فقدت أبرز قياداتها تحت ضربات الجيش وحصاره لها في الجبال، وسط الجوع والبرد وضعف التموين، ما منعها من تنفيذ أي عمليات خلال السنوات الثلاث الأخيرة في الداخل الجزائري. وهنا يُمكن وضع نداء أبو حيان في إطار محاولة إنقاذ عناصر التنظيم وفتح باب لإنهاء حالة التمرد.

وهذه النقطة يُشير إليها الضابط المتقاعد في الجيش العقيد رمضان حملات، الذي قاد سابقاً عمليات مكافحة الإرهاب. ويرى حملات في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "عناصر الجماعات الإرهابية المتبقين في الجبال تائهون بعد فقدان القيادات، لذلك فإن الاستجابة لمثل هذه النداءات التي تكشف هزالة أفكار هذه الجماعات ربما تكون فردية في المرحلة المقبلة، لأن هذه العناصر تواجه مصيراً محتوماً ولم تعد تملك أي ظروف مساعدة للاستمرار في نشاطها الإجرامي"، ويعتبر أن النداء يعطي أيضاً صورة عن مراوحة السلطات الجزائرية والجيش والأجهزة القائمة على ملف مكافحة الإرهاب، بين استخدام الوسائل العسكرية في مواجهة الجماعات بالحزم اللازم حتى القضاء الكامل على الظاهرة، وبين استخدام النداءات والأدلة على ضلال وانحراف الفكر الإرهابي لإقناع المسلحين بالنزول من الجبال".

المساهمون