استعراض قوة للمتظاهرين في بغداد

استعراض قوة للمتظاهرين في بغداد

26 مايو 2021
استقدمت الحكومة قوات من الجيش لتأمين التظاهرات (مرتضى السوداني/الأناضول)
+ الخط -

نجح المحتجون في العراق، أمس الثلاثاء، في تنظيم ما يمكن اعتباره عرض قوة شعبياً، أمام القوى السياسية والفصائل المسلحة والسلطات العراقية عموماً، بعد تحشيدهم لآلاف المتظاهرين في وسط العاصمة بغداد، على الرغم من كلّ المحاولات الحكومية والسياسية والأمنية لعرقلة ذلك. وقتل متظاهر وأصيب آخرون بعد قيام قوات مكافحة الشغب باستخدام الرصاص الحي والعصي وقنابل الغاز المسيل للدموع، لتفريق التظاهرات الحاشدة التي شهدتها ساحة التحرير وسط بغداد مساء الثلاثاء. 

وأكد متظاهرون أنّ الرسالة الأهم من وراء تحركهم هي أن عودة وتيرة الاحتجاجات العراقية، التي كانت انطلقت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، إلى سابق عهدها، ممكنة جداً، في حال عدم حصولهم على حقوقهم ومطالبهم، واستمرار مماطلة الأحزاب والسلطة. كما أن فكرة عودة الاعتصامات، عبر المبيت بالخيم في الميادين والساحات، وتحديداً ساحة التحرير، الكبرى والأشهر في العاصمة، واردة أيضاً، في حال استمرت الحكومة بتجاهل المطلب الأساسي للمتظاهرين، وهو الكشف عن قتلة المحتجين والناشطين والصحافيين خلال العامين الماضيين.

تصدّر التظاهرات شعارا "من قتلني" و"فسادكم يقتلنا"

وتجمع متظاهرو المحافظات العراقية الجنوبية والوسطى، فضلاً عن العاصمة بغداد، أمس، في ساحتي الفردوس في جانب الرصافة (أحد قسمي بغداد) والنسور في جانب الكرخ، رافعين شعار "من قتلني؟". واختار قسم من المحتجين التوجه إلى ساحة التحرير، ما جعل بغداد تشهد احتجاجات في ثلاثة أماكن حتى مساء أمس، حضر فيها آلاف المتظاهرين، وسط نداءات تم توجيهها لأبناء العاصمة، من أجل مدّهم بالمساعدات الأساسية، ومنها المأكل ومياه الشرب، في إشارة إلى احتمال استمرار التظاهرات خلال الأيام المقبلة، أو تحولها إلى اعتصام شعبي مفتوح.

طلاب وشباب
التحديثات الحية

هذا الاحتمال لا ينفيه أو يؤكده عدد من المتظاهرين، إذ تبدو الأمور متجهة لمواكبة أيّ تطورات، في سيناريو مشابه لما حصل قبل أقل من عامين، حين انطلقت التظاهرات بعفوية شعبية، ومن دون قيادات واضحة، لكنها استمرت من خلال الانسجام والمساندة المجتمعية، لتمتد إلى مساحة نصف العراق تقريباً.

وبدا لافتاً أمس مشاركة متظاهرين من محافظات صلاح الدين والأنبار ونينوى ومناطق حزام بغداد وديالى، بعدما وفدوا إلى العاصمة في حافلات كبيرة، ما مثّل دلالة جديدة على شمولية التظاهرات، التي خلت من أيّ صور أو شعارات دينية، ما شكّل نجاحاً آخر يُحسب لها، إضافة إلى المشاركة النسائية المهمة فيها.

وتصدرت شعارات عدة تظاهرات أمس، أبرزها "بعدنا نريد وطن"، و"العدلين رجعوا"، وتعني باللهجة العراقية أنّ الناشطين الأحياء الذين لم يقتلوا في التظاهرات السابقة عادوا مجدداً. ومن بين الشعارات التي رُفعت أيضاً "من قتلني" و"أنعل أبو إيران لأبو أميركا"، و"فسادكم يقتلنا"، و"باسمك يا علي سرقونا"، و"نحن تربية عاشوراء لا نقبل الظلم".

ولم تقتصر التظاهرات على بغداد، إذ نظّم ناشطو الجنوب والوسط ممن لم يتمكنوا من الوصول إلى العاصمة احتجاجات في مدنهم أيضاً. وأغلق متظاهرون في محافظة البصرة بوابة مقر الحكومة المحلية في المدينة، فيما أقفلت حكومة النجف المحلية مدخل دار الضيافة التابع للمحافظة بالكتل الخرسانية، عقب انتشار العشرات من المتظاهرين في أكثر من حي من أحياء المدينة القديمة. وشهدت مدينة الحلة مركز محافظة بابل والناصرية مركز محافظة ذي قار التطورات ذاتها.

ينادي البعض في تنسيقيات الحراك بتفعيل تظاهرات بغداد

وحتى مساء أمس، لم يصدر عن الناشطين وعن أعضاء في تنسيقيات التظاهرات في العاصمة أي توجه بشأن خطوتهم التالية، خصوصاً في ظلّ المشاركة الكثيفة للوفود من محافظات الجنوب والوسط، واستعادة السيطرة على ساحة التحرير بعد أشهر من فرض الأمن أطواقاً حولها، حالت دون ممارسة أي نشاط احتجاجي داخلها.

وقال علي أبو غدير، وهو عضو في تنسيقيات تظاهرات بغداد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المتظاهرين الوافدين من المحافظات ينوون البقاء في العاصمة، ليوم الأربعاء (اليوم) أو ما بعده. لم يتم الاتفاق على شيء محدد لغاية الآن"، موضحاً أنّ "هناك رأياً يقول بإعادة تفعيل التظاهرات في بغداد قبل الانسحاب منها والعودة للجنوب". وأكد أبو غدير أنّ المطالب هي "ذاتها ولا تغيير فيها"، آملاً حصول "موقف دولي في إلزام الحكومة بحماية المتظاهرين وتلبية مطالب الإصلاح".

في المقابل، بدت حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أكثر حذراً في التعامل مع المتظاهرين، خصوصاً بعدما كشفت مصادر سياسية عن تحذيرات من التيار المدني والحزب الشيوعي العراقي تتعلّق بصدور موقف جديد لهما، في حال تم استخدام القمع مع المتظاهرين، قد يصل إلى إعلان الدعوة للتظاهر، ومقاطعة الانتخابات المقبلة. وكشف مصدر أمني عراقي، لـ"العربي الجديد"، عن سحب الحكومة قوات مكافحة الشغب المعروفة بسجلها السيئ مع المتظاهرين، والدفع بقوات الجيش، للتعامل مع المحتجين، كما تم نشر عناصر أمن واستخبارات خشية دخول مليشيات أو ما يعرف بـ"الطرف الثالث"، لضرب المتظاهرين والاعتداء عليهم، على غرار ما حصل في مرّات سابقة. وأكد رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، في بيان، أنه وجّه القوات الأمنية بحماية المتظاهرين، وتأمين الأجواء الاحتجاجية لممارسة حقوقهم الدستورية، لكن كل ذلك لم يمنع من مقتل متظاهر فضلاً عن إصابة آخرين بعد قيام قوات مكافحة الشغب باستخدام الرصاص الحي والعصي وقنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق التظاهرات.

من جهته، بيَّن عضو حركة "نازل آخذ حقي الديمقراطية" في بغداد، عمّار النعيمي، أن "هناك دعوات مستمرة من قبل المتظاهرين لأهالي بغداد للخروج ومساندة المتظاهرين عبر الاحتجاج أو تقديم الدعم، وهذه الدعوات تشرح توجه بعض الناشطين إلى مواصلة الاحتجاجات التي تمارس طقوسها بعفوية مدروسة". وأضاف النعيمي في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ "هناك تفهّماً من قبل القوات الأمنية للدور الاحتجاجي لمعالجة أخطاء الحكومة، ودور الشعب في الإصلاح، ولذلك فإن الناشطين يواصلون بالتالي التأكيد على أهمية الالتزام بمفردات الاحتجاج السلمي".

يؤكد المتظاهرون على أهمية الالتزام بمفردات الاحتجاج السلمي

وحظيت التظاهرات في بغداد بتأييد سياسي عبر أكثر من زعيم حزب وكيان سياسي، كان أولهم رئيس تيار "الحكمة" عمار الحكيم، الذي دعا إلى حماية المتظاهرين، إضافة إلى زعيم ائتلاف "الوطنية" أياد علاوي، الذي عبرَّ في تغريدة عن مساندته للمحتجين. وأشار علاوي إلى أنّ "العجز الحكومي إزاء تلبية المطالب يثير الشكوك حول قدرة السلطة على ضمان الأمن الانتخابي وإجراء انتخابات نزيهة".

ويُشارك في الاحتجاجات الأخيرة معظم قادة الكيانات السياسية الناشئة أخيراً، وهي الكيانات المدنية والعلمانية التي بادرت بالأصل إلى عقد سلسلة اجتماعات لترتيب أمور التظاهرات، إضافة إلى أعضاء الحزب الشيوعي العراقي، الذي أقدم هو الآخر على توجيه أوامر جادة لاستمرار كوادره بمساندة المتظاهرين دون رفع أي شعارات للحزب، وتبني خيار مواصلة الاحتجاج بالطرق السلمية.

وقال سكرتير الحزب الشيوعي العراقي، رائد فهمي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الفعالية الشعبية الكبيرة التي انطلقت في 25 مايو/ أيار (أمس) لا بد أن تستمر في سبيل تحقيق مطالبها المشروعة، لأنّ الانسحاب المبكر للمتظاهرين يؤدي إلى نتائج محدودة جداً". وبيّن فهمي في اتصالٍ مع "العربي الجديد" أنّ "تركيز المتظاهرين ينصبّ حالياً على ملف الكشف عن قتلة المتظاهرين والناشطين". ووصف التظاهرات الأخيرة بأنّها "متطوّرة من ناحية الطرح والتنظيم والنضج السياسي والوعي والرؤية، كما أنّ المتظاهرين يستخدمون حالياً تكتيكات جيدة تنسجم مع الحالة الاجتماعية، ويعرفون التمييز بين المطالب الآنية والمستقبلية". ورأى أنّه "مع بقاء المطالب من دون تحقيق، مع أنها غير تعجيزية ويمكن للحكومة التعكز على المتظاهرين واستثمار وجودهم من أجل تحقيقها، لا بدّ من مواصلة الاحتجاج، كما أنّ على الجهات السياسية التي تمتلك أذرعاً مسلحة متهمة بتعنيف المتظاهرين وقمعهم أن تتنازل من أجل تحقيق مطالب الشعب".

بدوره، رأى المحلل السياسي والباحث العراقي أحمد الشريفي أنّ "القوى المسلحة، وتحديداً المتورطة بقتل الناشطين والصحافيين، لا تملك أيّ خيار غير التنازل أمام الجماهير التي يتصاعد غضبها ووعيها وفقرها في الوقت ذاته"، مشيداً بقدرات المتظاهرين "الذين باتوا على مستوى عالٍ لناحية ترتيب صفوفهم أكثر، مقارنة بالسنوات السابقة". وأكد الشريفي، لـ"العربي الجديد"، أنّ "المتظاهرين والقوى المدنية وحتى الحكومة يعرفون القتلة والجهات التي ينتمون إليها، لكنّ الحكومة ضعيفة في الإعلان عن أسمائهم ومعاقبتهم".

المساهمون