استشهاد الأسير الفلسطيني ناصر أبو حميد في سجون الاحتلال

استشهاد الأسير الفلسطيني ناصر أبو حميد في سجون الاحتلال نتيجة الإهمال الطبي

20 ديسمبر 2022
تدهور بشكل واضح الوضع الصحي للأسير أبو حميد منذ شهر أغسطس 2021 (تويتر)
+ الخط -

أعلنت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، فجر اليوم الثلاثاء، عن استشهاد الأسير والقيادي الفتحاوي ناصر أبو حميد (50 عاماً)، من مخيم الأمعري، قضاء رام الله، في مستشفى "أساف هروفيه"، جرّاء سياسة القتل الطبي المتعمد التي تتبعها إدارة سجون الاحتلال بحق الأسرى المرضى.

ونقلت إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الثلاثاء، جثمان الشهيد الأسير إلى مركز متخصص بالتشريح، بعد ساعات من إعلان استشهاده.

وأكدت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية، نقلاً عن محاميها كريم عجوة، أن الاحتلال نقل جثمان الشهيد من أساف هروفيه إلى معهد الطب العدلي (أبو كبير).

ويأتي استشهاد أبو حميد بعد ساعات قليلة من سماح الاحتلال لعائلته بزيارته بشكل طارئ، وذلك بعد دخوله في غيبوبة وتدهور حالته الصحية ونقله إلى مستشفى إسرائيلي.

وكانت سلطات الاحتلال قد نقلت الأسير أبو حميد، ظهر أمس الإثنين، وبشكل عاجل من سجن "الرملة" إلى مستشفى "أساف هروفيه"، بعد تدهور خطير جداً طرأ على حالته الصحية.

وتدهور الوضع الصحي بشكل واضح للأسير أبو حميد منذ شهر أغسطس/آب عام 2021، حيث بدأ يعاني من آلام في صدره، إلى أن تبين أنه مصاب بورم في الرئة، وتمت إزالته وإزالة قرابة 10 سم من محيط الورم، ليعاد نقله إلى سجن "عسقلان"، مما أوصل حالته الصحية إلى هذه المرحلة الخطيرة، ولاحقاً وبعد إقرار الأطباء بضرورة أخذ العلاج الكيميائي، تعرض أبو حميد مجدداً للمماطلة في تقديم العلاج اللازم له، إلى أن بدأ أخيراً بتلقيها بعد انتشار المرض في جسده.

يُذكر أن الشهيد الأسير أبو حميد كان محكوماً بالسجن المؤبد سبع مرات و(50) عاماً. وتعرض للاعتقال الأول قبل انتفاضة الحجارة عام 1987، وأمضى أربعة أشهر حينها، وأُعيد اعتقاله مجدداً وحُكم عليه بالسجن عامين ونصفاً، وأُفرج عنه ليعاد اعتقاله للمرة الثالثة عام 1990، ويحكم عليه بالسجن المؤبد، بعد ذلك أمضى أبو حميد أربع سنوات من حكمه قبل أن يتم الإفراج عنه مع فوج الأسرى الذين تم الإفراج عنهم في إطار المفاوضات، إلا أن الاحتلال أعاد اعتقاله لاحقاً وحكم عليه بالسجن المؤبد مدى الحياة. 

وحمّل رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين اللواء قدري أبو بكر، في بيان صحافي وصلت إلى "العربي الجديد" نسخة منه، "حكومة الاحتلال الإسرائيلي وأجهزتها العسكرية وإدارة السجون، المسؤولية الكاملة عن جريمة استشهاد الأسير أبو حميد، مطالباً العالم والمجتمع الدولي بوقف المجزرة الإسرائيلية المتواصلة بحق الأسرى الفلسطينيين في ترك الأمراض القاتلة تنهك أجساد الأسرى بلا حسيب أو رقيب".

في السياق، أعلن الأسرى الفلسطينيون، صباح اليوم الثلاثاء، الحداد على استشهاد الأسير المريض بالسرطان ناصر أبو حميد، فيما ساد التوتر كافة سجون الاحتلال الإسرائيلي.

وقالت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية في إفادات مقتضبة، إن "الأسرى في كافة سجون الاحتلال يعلنون الحداد ثلاثة أيام مع إرجاع وجبات الطعام".

وأضافت الهيئة، أن "التوتر بدأ داخل السجون والمعتقلات، بالتكبيرات والطرق على الأبواب، رداً على جريمة إعدام الأسير ناصر أبو حميد".

وقالت هيئة الأسرى، إن "وحدات قمع مدججة يرافقها جيش وشرطة الاحتلال، تتوافد إلى العديد من السجون تحسباً لانفجار حقيقي، رداً على استشهاد الأسير القائد ناصر أبو حميد".

عائلة أبو حميد: لا تعازيَ حتى تسليم جثمانه

ولاحقاً، أكدت عائلة الشهيد أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي ستحتجز جثمان ابنها، وأنها ستبقى بحالة حداد وتمتنع عن استقبال التعازي حتى تسليم جثمانه.

وقالت عائلة أبو حميد في بيان لها، "وبهذا يكون ناصر قد ترجل روحاً، ولم يترجل جسداً، بحيث لن يتسنى لنا إكرامه بالدفن، وذلك بحسب قانون الاحتلال البغيض، وليفهم هذا الاحتلال أن لدينا قوانيننا، نحن القابضين على الجمر المحتسبين أمرنا لله عز وجل".

‏وأضافت العائلة: "نؤكّد أننا سنظل بحالة حداد مستمرة إلى أن يتحرر جسد ابننا الطاهر ومعه سائر جثامين شهدائنا الأبرار المحتجزة في مقابر الأرقام، وداخل ثلاجات العدو".

‏ونعت عائلة أبو حميد ابنها ناصر، وقالت: "بقلوب يعتصرها الألم، ولكن بهامات مرفوعة، نزف لكم في عائلة أبو حميد نبأ استشهاد ابننا الغالي القائد الكبير أسد فلسطين، وابنها البار الذي صعدت روحه لباريها فجر هذا اليوم 20/12/2022، وبهذا تكون روحه حرّة طليقة، ويبقى جسده أسيراً لدى الاحتلال الغاشم الذي هو الوجه الآخر للنازية".

وتابعت: "وإننا في عائلة ناجي (أبو حميد) إذ نسلم أمرنا لله عز وجل، فإننا مؤمنون بقضائه وقدره، وفي نفس الوقت نعاهد أبناء شعبنا الصابر، على أنّ نكون كما كنّا دائماً صابرين، بصبر شعبنا، أقوياء مستمدين قوتنا وعزيمتنا من تضحيات شهدائنا الأبرار، وإننا لن نتقبل العزاء بابننا القائد إلا حين يتحرر جسده الطاهر ومعه سائر جثامين الشهداء العظام المحتجزة لدى الاحتلال الفاشي".

من جانب آخر، أعلنت حركة فتح وكافة القوى والفصائل الوطنية في رام الله اليوم، الإضراب العام والحداد الشامل في كافة مناحي الحياة، تشمل المؤسسات التعليمية والمحال التجارية، لاستشهاد ناصر أبو حميد، وسط دعوات لمسيرات وتصعيد على نقاط التماس مع الاحتلال.

كذلك، عمّ الإضراب والحداد كلّ محافظات الضفة الغربية اليوم الثلاثاء، حداداً على روح الشهيد أبو حميد.

وقال نادي الأسير الفلسطينيّ: "اليوم يترجل فارس من فرسان فلسطين، ننعى لأبناء شعبنا في الوطن والمهجر القائد الشهيد أبو حميد، بعد رحلة نضاليّة طويلة؛ لقد أمضى الشهيد ناصر ما مجموعه في سجون الاحتلال أكثر من 30 عاماً، وكان اعتقاله الأخير الممتد منذ عام 2002 حتّى اليوم، أطول فترة اعتقال يقضيها في سجون الاحتلال، وهو محكوم بالسّجن المؤبد 7 مرات و50 عاماً، وله أربعة أشقاء آخرين يقضون أحكاماً بالسّجن المؤبد، وله شقيق آخر شهيد، وهو عبد المنعم أبو حميد". 

وأكد نادي الأسير أنّ الاحتلال قتل الأسير أبو حميد عبر مسار طويل من المماطلة المتعمدة في متابعته صحياً، كما العشرات من شهداء الحركة الأسيرة، الذين واجهوا جريمة الإهمال الطبيّ، وكان أبرز ما تعرض له أبو حميد هو التشخيص المتأخر بالسّرطان، رغم الأعراض الصحيّة الخطيرة التي كانت ظاهرة عليه حين كان يقبع في سجن "عسقلان"، قبل شهر أغسطس/ آب من العام الماضي، حيث أعلن عن إصابته بسرطان الرئة في حينه.

واستمر الاحتلال باعتقاله في ما تسمى بـ"عيادة سجن الرملة"، رغم المرحلة الصحيّة الحرجة التي وصل لها، حيث شكّل سجن "الرملة"، محطة أخيرة للعديد من شهداء الحركة الأسيرة.

وعلى مدار الشهور الماضية، فشلت جميع المحاولات القانونية في سبيل تحقيق حريته، ورفض الاحتلال عبر عدة جلسات محاكمة عُقدت، طلب الإفراج المبكر عنه.

وكان الشهيد أبو حميد قد رفض مقترحاً تقدم به محاميه، لطلب "عفو" من رئيس حكومة الاحتلال في سبيل الإفراج عنه، تأكيداً منه على الحقّ في الاستمرار بمقاومة الاحتلال، واحتراماً لمسيرة الشهداء، ورفاقه الأسرى. 

وتابع نادي الأسير أنّ "الحركة الوطنية مدعوة اليوم لأن تعتمد استراتيجية عمل وخطة تكفل وقف مسلسل قتل الأسرى في سجون الاحتلال، وهذه مسؤولية أخلاقية، إذ لم تعد تكفي البيانات والتنديد أو التهديد بالمقاضاة، دون أن يكون إلى جانبها فعل حقيقيّ وجهود تحمل معاني الكفاح والنضال"، مضيفاً أن الوقت قد حان لـ"تُعيد الحركة الوطنية الفلسطينية، والفصائل كافة، مسار قضية الأسرى على طريق تحريرهم، وكذلك تحرير جثامين الشهداء المحتجزة في ثلاجات ومقابر الأرقام، فلقد فقدنا اليوم مناضلاً صلباً، أمضى حياته في سبيل حرية وطنه وشعبه، ونخشى اليوم أن يحتجز الاحتلال جثمانه كما العشرات من شهداء فلسطين، من بينهم عشرة شهداء من الأسرى يواصل الاحتلال احتجاز جثامينهم، وذلك قبل الإعلان عن استشهاد ناصر اليوم. 

وكان الأسير أبو حميد قد نشر رسالة أخيراً، قال فيها: "أنا ذاهب إلى نهاية الطريق، لكني مُطمئن وواثق بأنني أولاً فلسطيني وأنا أفتخر، تاركاً خلفي شعباً عظيماً لن ينسى قضيتي وقضية الأسرى، وأنحني إجلالاً وإكباراً لكل أبناء شعبنا الفلسطينيّ الصابر، وتعجز الكلمات عن وصف هذا المشهد وما فيه من مواساة، وأنا (مش زعلان) من نهاية الطريق، لأني في نهاية الطريق أودع شعباً بطلاً عظيماً، حتى التحق بقافلة شهداء فلسطين، وجزء كبير منهم رفاق دربي، وأنا سعيد بلقائهم".

وأشار نادي الأسير إلى أنّه وباستشهاد القائد ناصر أبو حميد، يرتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة، إلى (233) شهيداً منذ عام 1967، منهم (74) شهيداً ارتقوا نتيجة لجريمة الإهمال الطبيّ (القتل البطيء)، وكانت من بينهم هذا العام بالإضافة إلى الأسير أبو حميد، الأسيرة سعدية فرج الله التي استشهدت كذلك جراء الإهمال الطبي المتعمد. 

ويبلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال اليوم نحو 4700، من بينهم نحو (150) طفلاً، و(33) أسيرة، فيما يبلغ عدد الأسرى المرضى في سجون الاحتلال 600 أسير على الأقل، بينهم 25 مصابون بالسرطان.