لا يتوقف الجدل والنقاش في إسرائيل حول طبيعة الأخطار الحقيقية التي تهدد أمنها، مقابل السبل القتالية الأفضل الواجب اتباعها، إذ بعد سيل من كتابات محلّلي الشؤون العسكرية في مختلف الصحف الإسرائيلية، حول العِبَر من الحرب على غزة والتغييرات الإقليمية، أدلى رئيس "سلطة تطوير الوسائل القتالية في إسرائيل"، يديديا يعاري، بدلوه في مقابلة مطوّلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت".
وأول ما يشير إليه يعاري في مقابلته، هو اعترافه بأنه "لا يؤمن بطريقة مسح غزة"، عبر ما أُطلق عليه مصطلح "عقيدة الضاحية"، نسبة إلى الدمار الشامل الذي خلّفه العدوان الإسرائيلي على لبنان في عام 2006، وخصوصاً في الضاحية الجنوبية من بيروت. ويعترف بأن "هذه العقيدة لم تثبت نفسها في الحرب الأخيرة على غزة، ومن شأن مواصلة اتباعها أن يلحق بإسرائيل ضرراً أكبر من الفائدة المرجوة منها".
ويرسم يعاري، الذي شغل عام 2003 منصب قائد سلاح البحرية الإسرائيلية، خريطة واضحة المعالم، تبرز فيها أكثر من أي شيء آخر، الترسانة الصاروخية المتوفّرة لدى أعداء إسرائيل، باعتبارها الخطر الأساسي القادر فعلاً على اختراقها والوصول إلى عمقها الاستراتيجي وخاصرتها الضعيفة، ألا وهي الجبهة الداخلية.
وخلافاً لتنبؤات كثير من المحللين والعسكريين، خصوصاً في قيادة المنطقة الشمالية والجنوبية، يُسقط يعاري من خريطة التهديدات، خطر الأنفاق الهجومية "على الرغم من الأثر المعنوي والضربات العسكرية التي ألحقتها في الحرب على غزة بإسرائيل".
ويرى أن "حماس كانت قد استعدت قبل الحرب على غزة، وأعدّت القطاع جيداً، تحسباً لسيناريو توغّل عسكري في عمق القطاع، ووضعت الكمائن وزرعت الألغام وفخخت المنازل، وبالتالي فقد أحسنت إسرائيل صنعاً عندما تجنبت الوقوع في فخ إيقاع البيوت على جنودها، بالرغم من تفوقها العسكري".
ويؤكد في سياق الحديث عن التفوق العسكري، أنه "لا يجوز الاستهزاء إطلاقاً بالقدرات الإيرانية، وقد جربناها في مواجهة الولايات المتحدة". مع ذلك يدّعي أن "إسرائيل لا تزال أكثر تفوقاً من إيران في مجال الحرب الإلكترونية، على الرغم من كل الموارد المتوفرة لها، وضخامة الصناعات الأمنية الإيرانية".
وحاول يعاري الدفاع عن إنجازات منظومة القبة الحديدية "علماً بأن موقع والا كشف أمس أن إسرائيل فشلت في تسويقها في الأسواق العالمية". وادّعى أنه "بدون هذه المنظومة فإن الصواريخ التي أطلقتها المقاومة، كانت ستسبب لإسرائيل وبنيتها التحتية أضراراً تعيدها 20 إلى 30 سنة إلى الوراء".
ويرى أن "القذائف قصيرة المدى تشكل خطراً يستوجب أولوية تسبق خطر الأنفاق". ويعتبر أن "الحرب الأخيرة على غزة أثبتت الحاجة إلى تغيير عقيدة القتال الإسرائيلية، بعد أن توقفت تل أبيب عن مواجهة دول في ميادين الحروب، وانصرفت بدلاً من ذلك إلى محاربة تنظيمات شبيهة بالدول، مثل حزب الله وحماس، وهي تحمل نمط قتال مختلفاً".
ويوضح أن تلك التنظيمات "تختفي بسرعة ولا تبقى في ميدان واحد وثابت. وبناء عليه، فإن عقيدة القتال السابقة يجب أن تختفي لتحل محلها عقيدة جديدة، لا تقوم على تجميع القوات البرية في مكان محدد، وإنما هناك حاجة لتشبيك كل الجهود البرية والجوية والبحرية، وفي حال انتقلنا إلى أسلوب القتال الدقيق والمحسوب يمكننا أن ننتصر". ويضيف أنه "لا حاجة بعد الآن لإسقاط قنبلة بزنة طن لهدم بيت، يمكن تحقيق الهدف ذاته بواسطة أسلحة أكثر دقة وأكثر فاعلية".
ويفاجئ يعاري القراء عندما يقول إنه خلافاً للآخرين لا يرصد عند الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، الخوف والردع من إسرائيل بعد الحرب الثانية، بقدر ما يقرأ عنده إدراكاً لواجب الاستعداد بطرق أفضل للمواجهة المقبلة، بدليل أنه تزوّد بكميات أكبر من السلاح وأكثر تطوراً.
ويعلن عن تشكيكه في التفسير الإسرائيلي لأحد تصريحات نصر الله، بأنه لو كان يعرف حجم الدمار الذي خلّفته الحرب على لبنان لكان الحزب أعاد حساباته. ويشير في هذا السياق، إلى أنه "خلال الحرب على غزة، فإن إغراء مهاجمة إسرائيل كان موجوداً، لكن انشغال الحزب في الحرب في سورية، حال بينه وبين الانضمام للحرب، فلم تكن اللحظة التاريخية مواتية لذلك".
وفي تعقيبه على مسألة الخلاف حول الميزانية اللازمة للأمن الإسرائيلي، يعتبر أنه لا يمكن توفير الأمن بالاعتماد على انعدام اليقين الاقتصادي، وهو الوضع السائد حالياً. مع ذلك يكشف أن بمقدور إسرائيل إيجاد حل، من خلال توسيع نطاق أذونات تصدير السلاح، أي بيع أسلحة يمنع حالياً بيعها "بسبب قيود أميركية، كما في حال صفقة الفالكون للصين"، علماً بأن تقارير إسرائيلية رسمية كانت قد أفادت الأسبوع الماضي بأن الصادرات الإسرائيلية من الأسلحة تراجعت في عام 2013 بنحو مليار دولار مقارنة بعام 2012.