أوروبا... خشية من الترامبية

أوروبا... خشية من الترامبية

13 نوفمبر 2020
تتزايد هواجس ديمقراطيات أوروبا من انعكاسات المشهد الترامبي (فريدريك جيه براون/فرانس برس)
+ الخط -

من الواضح أن ثقافة الهزيمة الإسكندنافية تختلف عن الأميركية. ففي الأولى، يُربى الصغار على ألا يلقوا لعبهم على رأس الرابح، كخاسرين سيّئين. في الأميركية يبدو أن "عودة البطل"، وعكس الهزيمة إلى فوز، باتت تشكّل وعي ملايين الأميركيين الرافضين لهزيمة رئيسهم المثير للجدل، دونالد ترامب، الحاصل على 70 مليون صوت، حاملين صوراً وشعارات تقدّمه بمشاهد سينمائية مثل أفلام "رامبو"، بانتظار عودته مظفراً.

تحولات الأعوام الماضية الشعبوية، بهذه الحدة، في الغرب عموماً، تثير مخاوف ديمقراطيات أوروبية، خصوصاً في الوسط والشمال، حيث شقّ الخطاب القومي المتعصب طريقه. فترامب شكل هاجساً ثقافياً وسياسياً، ليس عند المعسكر الليبرالي واليسار ويسار الوسط فحسب، بل حتى في أوساط يمين الوسط والتيار المحافظ التقليدي، خصوصاً أنه يجد جمهوراً مصفقاً كلما يوغل في شعبويته، بسبب علاقة وتداخل الديمقراطيتين على جانبي المحيط، وتملق بعض الساسة الأوروبيين لتيار اليمين المتطرف.

منذ تفشي وباء كورونا، ربيع العام الحالي، واستهتار ترامب به، حذّر البعض مما سماه "فاشية أميركية". وفي الواقع، باتت تأثيرات حقبة ترامب مقلقة في تأسيسها لـ"الترامبية الأوروبية"، وبالأخص مع شيوع تثقيف سياسي يمارسه شعبويوها ومتطرفوها حول "المنقذ"، والتخويف من "الاندثار"، بتبنٍ ضمني لنظرية المؤامرة على العرق الأبيض. وعليه، لم يكن غريباً مشهد غبطة وأمنيات رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، بفوز الديمقراطي جو بايدن.

وتتزايد أكثر هواجس ومخاوف ديمقراطيات أوروبا من انعكاسات وأثر المشهد الترامبي وإرثه، على مستقبل نماذج حكمها المؤسساتي، والتعددي الديمقراطي السلس. اللافت أيضاً مخاوف بعض الأوروبيين من انعكاسات نشوء ما يشبه حرباً أهلية أميركية باردة، مع تواتر مشاهد مليشيات تؤيد النهج الترامبي، المؤمنة بعمق بوجود مؤامرات، وفي بالهم تاريخ مليشيات فرانسيسكو فرانكو في إسبانيا وبينيتو موسوليني في إيطاليا وأدولف هتلر في ألمانيا، والعدوى التي سرت في أنحاء القارة آنذاك.

باختصار، العلاقة الجدلية والسجال حول ما يجري على ضفتي الأطلسي، ولا سيما بالنسبة لمن يحرصون على ما حققته عقود الحريات الديمقراطية، لا تقوم على منطلقات علاقة ترامب بديكتاتورييه المفضّلين في عالمنا العربي، الذين يتلمّسون التصرف بحسب رياح ساكن البيت الأبيض، بقدر ما تعبّر عن خشية الأوروبيين على أسس ديمقراطيتهم. هؤلاء العقلانيون في أوروبا يخشون على مستقبل مجتمعاتهم من هيجان وفوران شعبوي، لا يُبقي شيئاً من المبادئ التي أُسست عليها مجتمعاتهم الحديثة.