"طالبان" توسع خريطة سيطرتها في أفغانستان: مناطق البشتون أولاً

"طالبان" توسع خريطة سيطرتها في أفغانستان: مناطق البشتون أولاً

09 اغسطس 2021
تستسلم القوات الأفغانية بشكل واسع لمقاتلي "طالبان" (وكيل كوهسار/فرانس برس)
+ الخط -

تستعر المعارك في أفغانستان بين القوات الحكومية والمليشيات المحلية والقبلية المساندة لها، وبين حركة "طالبان"، في طول البلاد وعرضها، حيث باتت خريطة السيطرة لكلا الفريقين عرضة للتبدل يومياً، مع استمرار تمدد الحركة، الذي بدأ يطاول المدن الرئيسية، ومراكز الإقليم، بما يعني السيطرة الكاملة على أقاليم بعينها، بعد إخضاع مقارها الرسمية. وبالمقارنة مع عام 2017، توسعت حركة "طالبان" كثيراً خلال الأشهر الأخيرة، في الأرياف، إذ بات التقدير العام بأنها حتى بداية يوليو/تموز الماضي، أصبحت تسيطر على أكثر من 50 في المائة من مساحة البلاد، وهي أعلنت في 9 يوليو الماضي، أنها تسيطر على 85 في المائة من مساحة البلاد. ويبقى التقدير الحقيقي لمساحة سيطرة كل من الحكومة و"طالبان"، غير واضح، علماً أن الحركة لا تزال في إطار التمدد في المناطق ذات الكثافة السكانية البشتونية، مع تمددها كثيراً أيضاً على طول الحدود التي تراقبها دول الجوار. وتبدو خريطة السيطرة أيضاً غير نهائية، حتى مع التقدم، نظراً إلى أن الحكومة، التي تقضم الحركة تدريجياً من مناطق سيطرتها، تحاول حماية بؤر لا تزال موضع صراع مسلّح بين الطرفين. إلا أن الحكومة، التي لم تقيّم جيداً قوة الحركة في وقت سابق، لا تزال تبدو وكأنها في حالة إنكار، مع استمرار حديثها عن خطة لمواجهة "طالبان" واستعادة ما فقدته من أراض وولايات. وفيما تهدم المعارك المستعرة كل ما بنته أموال المجتمع الدولي، وفيما تستعيد "طالبان" أراضي استثمرت فيها دول الغزو في بنى تحتية هائلة، تراقب إيران وروسيا وباكستان تقدم "طالبان"، التي تقاتل في هرات وقندوز وقندهار، فيما ليس واضحاً مدى اهتمامها في التوجه صوب كابول، أو إلى معاقل الأقليات.

أعلنت "طالبان" أخيراً السيطرة على إقليمين مهمين في شمالي وشمال غربي البلاد، هما قندوز وسربل

ولايتان جديدتان
وبعد يوم من إعلانها السيطرة على شبرغان وزرنج، عاصمتي ولايتين في الشمال وفي جنوب غربي البلاد، هما نمروز وجوزجان، أعلنت حركة "طالبان"، أول من أمس السبت، السيطرة على إقليمين مهمين في شمالي وشمال غربي البلاد، هما قندوز وسربل، كما تحدثت عن دخول مسلحيها إلى مدينة تالقان، مركز إقليم تخار المجاور لقندوز، وكسر جميع الخطوط الأمامية للقوات الأفغانية في المنطقة.
وشهدت مدينة قندوز، عاصمة الولاية التي تعرضت لحصار طويل من الحركة، قبل سقوطها، معارك طاحنة بين مقاتلي "طالبان" والقوات الأفغانية، فيما لم يشهد إقليم سربل أي معارك، بحسب المعطيات المتوفرة. وقال المتحدث باسم "طالبان"، ذبيح الله مجاهد، إن مسلحي الحركة تمكنوا من السيطرة على إقليمي قندوز وسربل بشكل كامل، بعد السيطرة على مقرات الحكومات المحلية، والمقرات الأمنية، ومراكز الاستخبارات. وأضاف أن مسلحي الحركة صادروا كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة والمعدات العسكرية، محذراً من أن مقاتلي الحركة يلاحقون قوات الأمن الأفغانية والمسؤولين المحليين، ومن أن هؤلاء إذا لم يستسلموا، فإن الحركة "ستتعامل معهم بقوة". ودعا مجاهد هذه القوات إلى الانضمام إلى "طالبان"، لأن ذلك "يصب في صالحهم وصالح أفغانستان".

وفيما تواصل المقاتلات الجوية الأميركية قصف مواقع للحركة، آخرها ما أعلنته وزارة الدفاع الأفغانية، أول من أمس، عن استهداف أميركي لتجمع للحركة في جوزجان، قال مجاهد إن "العدو يروج لادعاءات لا أساس لها"، مشيراً إلى أن "الطائرات الحربية الأميركية والأفغانية قصفت ممتلكات للمواطنين، ولم تلحق أي أذى ملحوظ" بالحركة.
بدورها، أكدت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد" سيطرة "طالبان" على مدينتي قندوز وسربل. كما أكدت أن القصف الجوي للقوات الأفغانية أدىّ إلى اشتعال حرائق في قندوز، فضلاً عن إلحاقه خسائر بشرية في صفوف المدنيين ومقاتلي الحركة. وقالت المصادر إن مسلحي "طالبان" اتخذوا من منازل المواطنين في مدينة قندوز ثكنات عسكرية لهم، حيث كانوا يطلقون النيران منها على القوات الأفغانية. وأكد عضو في المجلس التشريعي لقندوز، التي كانت قد وقعت ثلاث مرات بأيدي الحركة منذ 2015، لوكالة "رويترز"، سيطرة "طالبان" على المدينة، فيما قال محمد حسين مجاهد زاده، عضو مجلس ولاية سربل، إن "طالبان حاصرت كتيبة عسكرية على مشارف المدينة"، مؤكدا أن "كل الأجزاء الأخرى للمدينة أصبحت تحت سيطرة الحركة".
خريطة السيطرة
بعد السيطرة على 180 مديرية من أصل 388 مديرية أفغانية، أي بعد السيطرة على نصف الريف الأفغاني، ومن دون قتال لافت، إثر استسلام مئات العناصر من الجيش والأمن الأفغاني لمقاتلي الحركة، توجهت "طالبان" نحو المدن الكبرى، حيث كانت مدينة هرات، مركز إقليم هرات (غربي أفغانستان، قرب الحدود الإيرانية)، ومدينة لشكر كاه مركز إقليم هلمند (جنوبي أفغانستان)، ومدينة قندهار مركز إقليم قندهار (جنوبي أفغانستان)، أولى محطاتها. وبداية، تمكنت الحركة من السيطرة على مناطق عدة داخل تلك المدن، إلا أن قادة "الجهاد" السابقين ومليشيات شعبية، حالوا دون تمكنها من السيطرة على كامل تلك المدن. وكان لافتاً في هذا الإطار، تحرك القائد "الجهادي" السابق في هرات، الجنرال إسماعيل خان، حيث تمكن مسلحوه ومسلحون من "الجمعية الإسلامية" التي تتبعه، من الوقوف في وجه زحف "طالبان" على مدينة هرات الاستراتيجية. كذا كان الحال في مدينتي لشكر كاه وقندهار، حيث حال القصف العنيف للطائرات الحربية الأميركية والأفغانية دون سيطرة الحركة على المدينتين، لكن هذا القصف، الذي ألحق أضراراً كبيرة بالمدينتين وأدى إلى سقوط قتلى من مقاتلي الحركة، لم ينجح في إخراجها بالكامل منها، وتقول الحكومة إن المقاتلين يتحصنون داخل منازل سكنية ويتخذون من المواطنين دروعاً بشرية. ويجعل هذا الوضع، مدن هرات وقندهار ولشكر كاه، منقسمة حتى اللحظة بين سيطرة "طالبان" القوات الأفغانية، وهي تشهد جميعها معارك ضارية بين الطرفين. وفي لشكر كاه، جرى قصف المحال التجارية والأسواق والمنازل السكنية، وحتى المنشآت الحكومية، بعد سيطرة "طالبان" عليها، بحسب ما تظهر مقاطع مصورة نشرت على منصات التواصل الاجتماعي، وبحسب ما تؤكد مصادر قبلية.

تحاصر "طالبان" مدينة هرات، مركز إقليم هرات، ولشكر كاه مركز إقليم هلمند، وقندهار مركز إقليم قندهار

وبالتوزاي مع ما يجري في هرات ولشكر كاه وقندهار، فتحت "طالبان" جبهة جديدة حيث باغتت قواتها مدينة زرنج مركز إقليم نمروز، الواقع على الحدود مع إيران، لتتمكن يوم الجمعة الماضي، من الاستيلاء على أول إقليم أفغاني بشكل كامل. في اليوم ذاته، تمكن مسلحو الحركة من السيطرة على معظم مناطق مدينة شيرغان، مركز إقليم جوزجان ومعقل القائد الأوزبكي الشهير والنائب السابق للرئيس الأفغاني، الجنرال عبد الرشيد دوستم، لكن المليشيات الأوزبكية التي وصلت بتعزيزاتها إلى المدينة، جعلت مقاتلي الحركة يتراجعون مؤقتاً، إذ أعادت الحركة هجومها في اليوم التالي (أول من أمس السبت)، وتمكنت من السيطرة على كامل المدينة، والإفراج عن جميع السجناء في سجنها المركزي.
وبالإضافة إلى الولايات الأربع التي أصبحت بكاملها تحت سيطرتها، فإن الحركة أحكمت قبضتها أيضاً على سبعة معابر رئيسية هي: معبرا إسلام قلا وأبو نصر فراهي مع إيران (غرب أفغانستان، أولهما في إقليم هرات والثاني في إقليم فراه)، معبر تور غوندي مع تركمانستان (شمالاً)، معبرا سبين بولدك ودند بتان مع باكستان (الأول يقع في منطقة سبين بولداك الحدودية، بين بلدة شامان الباكستانية وبلدة وش الأفغانية، جنوب مدينة قندهار الجنوبية في أفغانستان، والثاني في إقليم بكتيا، جنوب شرقي أفغانستان)، معبر أي خانم مع أوزبكستان، ومعبر شير خان بندر مع طاجكستان (الاثنان في شمالي أفغانستان). ونتيجة ذلك، توقفت إلى حد كبير الأنشطة التجارية على تلك المعابر، ما جعل الحكومة الأفغانية توقف جميع المشاريع التنموية، بسبب الخسائر المالية التي منيت بها إثر سيطرة "طالبان" على تلك المعابر.
وعن المناطق الحدودية بشكل عام مع دول المنطقة، تقول "طالبان" إنها تسيطر على 90 في المائة من منها، الأمر الذي تنفيه كابول. وكان المتحدث باسم الرئاسة الأفغانية، ومدير المركز الإعلامي في الحكومة، دوا خان مينه، الذي اغتالته "طالبان" يوم الجمعة الماضي في كابول، قد أكد أن ادعاء الحركة، لا صحة له، وأنها لا تسيطر على الحدود، بل على مناطق تخطط الحكومة لاستعادتها قريباً.
يذكر أن السيطرة على إقليم نمروز (غرب) الذي تربطه حدود طويلة مع إيران، يوسع رقعة سيطرة "طالبان" على الحدود. وكان لافتاً، تعامل حرس الحدود الإيراني بشكل قاس مع آلاف الأفغان الذين فروا من الإقليم باتجاه الأراضي الإيرانية، مع سيطرة "طالبان"، بحسب ما أفاد سكان من مدينة زرنج، إذ لم يسمح سوى لبعض المسؤولين الأفغان، بالعبور إلى الأراضي الإيرانية.
وفي ما يتعلق بالعاصمة الأفغانية كابول (وسط البلاد)، فإن الحركة لا تسيطر على أي منطقة فيها، لكنها تتمتع بوجود قوي في بعض مديرياتها، مثل مديريات بغمان وشكردره وقره باغ وكل دره وسروبي. غير أن تحركاتها ازدادت بشكل لافت في المنطقة، تحديداً في مديرية سوربي، الواقعة على امتداد الطريق الرئيسية بين شرقي البلاد وكابول، ما دفع الحكومة إلى نصب حواجز أمنية على امتداد هذه الطريق قبل يومين. أما سيطرة "طالبان" بالقرب من العاصمة، فتشمل مديريتي شينواري وسياغرد، اللتين تبعدان عن كابول نحو 40 كيلومتراً فقط، في إقليم بروان المجاور للعاصمة لجهة الشرق. كما تسيطر على مناطق واسعة في إقليمي ميدان وردك (وسط أفغانستان) ولوجر (جنوب شرقي كابول) المجاورين للعاصمة، من دون أن يشكل ذلك على الأرجح خطراً حالياً على كابول.

أحكمت الحركة قبضتها أيضاً على سبعة معابر رئيسية

ردّ على الأميركيين
يقول القيادي في "طالبان"، عبد الوهاب منصور، لـ"العربي الجديد"، أن توجه مقاتلي الحركة إلى المدن الكبرى، هو ردّ على القصف العشوائي الجوي الأميركي، والذي يطاول معاقل الحركة والمواطنين في جنوبي البلاد. وبحسب ما يؤكد، فإنه "لولا ذلك، فإن الحركة لم تكن ترغب في الاستيلاء على المدن في الوقت الراهن، خصوصاً أن اتفاق الدوحة (بين الولايات المتحدة وحركة طالبان)، يمنع طالبان من الهجمات على المدن". ويبدو من تصريحات هذا القيادي، ومن تطورات الميدان، أن اتفاق الدوحة لم يبق من معالمه سوى انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، وإفراج كابول عن خمسة آلاف من معتقلي الحركة، وإفراج "طالبان" عن ألف أسير للحكومة. ويرى المحلل الأمني، والمتحدث السابق باسم وزارة الدفاع الأفغانية، الجنرال دولت وزيري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن كل ما نص عليه توافق الدوحة، لم تلتزم به أطراف الحرب في أفغانستان، فالمفاوضات الأفغانية – الأفغانية، التي كانت إحدى النتائج الحتمية لهذا الاتفاق، لم تحرز أي تقدم، كما أن "طالبان" كانت قد تعهدت بخفض وتيرة العنف من خلال تجنب الهجمات على المدن، لكنها اليوم تقوم بعكس ذلك، وتحرز تقدماً لافتاً. أما عن علاقات الحركة، بالمسلحين الأجانب وبتنظيمات مسلحة معينة، فهي لا تزال قائمة، وفق ما تؤكده الحكومة الأفغانية والمسؤولون الأميركيون، ويثبته ما يجري في الميدان، على حدّ قوله.
وحول تقدم الحركة السريع على الأرض، في ظل عدم جدوى الضربات الأميركية والأفغانية، باتت الحكومة تلتزم الصمت، وجل ما تفعله هو تعداد أرقام ضحايا "طالبان"، وإفشال بعض هجماتها، من دون أي حديث عن خططها للحفاظ على مناطق سيطرتها، سوى قولها إن الأمور سوف تتغير خلال الأشهر الستة المقبلة، بحسب الرئيس الأفغاني أشرف غني.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأفغانية، فواد أمان، السبت الماضي، إن الجيش الأفغاني أحبط هجمات "طالبان" على مدينة قندوز ومدينة فيض أباد، مركز إقليم بدخشان، ليل السبت – الأحد، وكبّدت الحركة خسائر كبيرة، معلناً أيضاً مقتل 358 من عناصر "طالبان"، من بينهم حاكم "الظل" للحركة في نمروز، المولوي عبد الوهاب.
دعوات لفرض حالة الحرب
وقال المتحدث باسم مكتب الزعيم الأوزبكي، عبد الرشيد دوستم، كنشكا تركستاني، في بيان، أول من أمس، إن الأخير التقى الرئيس الأفغاني أخيراً، وقدّم له اقتراحات من أجل ضبط الوضع واستعادة السيطرة على المناطق التي استولت عليها الحركة أخيراً، مع الحفاظ على المناطق الشمالية، وإجراء تغييرات في أمن العاصمة، علاوة على طلبه من غني فرض حال الحرب في البلاد، مؤكداً أن الرئاسة الأفغانية قبلت بتلك المقترحات. وأضاف: "سنشهد خلال الأيام المقبلة تغيراً في الوضع الأمني".
وفي تناقض مع كل ما يؤشر إليه الوضع في الميدان، يعتبر مسؤول في الرئاسة الأفغانية، فضّل عدم الكشف عن اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الوضع ليس مخيفا، وهو تحت إدارة الحكومة، وسيتبدل في القريب العاجل". وبحسب ما أوحى به حديث المسؤول وفق روايته، فإن الحكومة تعمدت دخول مقاتلي الحركة إلى بعض المدن، من أجل القضاء على قادة "الجهاد" السابقين وأمراء الحرب، مثل دوستم وإسماعيل خان وعطاء نور، وغيرهم، وهو ما عجزت هي والقوات الأميركية عن فعله.
لكن المحلل الأمني إسماعيل وزيري، الذي يعمل في وزارة الدفاع، لا يتفق مع هذا الرأي، إذ يرى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة لم تكن لديها خطط لما بعد الانسحاب الأميركي، وهي لم تزن قوة "طالبان" جيداً، وبالتالي فإنها اليوم تعيد دراسة الأوراق من جديد، وهي حالة من الهلع، وتتعرض لضغوط دولية وداخلية كبيرة، خصوصاً بعد استسلام قوات الأمن إلى "طالبان" وعدم مقاومتهم زحف الحركة.

المساهمون