مدخل العرب للعودة إلى العراق

مدخل العرب للعودة إلى العراق

23 مايو 2014
+ الخط -
منذ غزو العراق في العام 2003، تراجع الدور العربي في العراق بشكل محسوس، أمام تصاعد النفوذ الإيراني على المستويات جميعا، من الأمن إلى الاقتصاد إلى السياسة إلى الثقافة إلى السياحة الدينية.
إسقاط نظام صدام حسين والوجود العسكري الأميركي أعطى لأميركا يداً عليا في إدارة الشأن العراقي، لكن التأثير الإيراني في العراق تطور بانتظام، منذ تولي إدارة أوباما مقاليد الأمور عام 2009، فعلى عكس إدارة الغزو بقيادة بوش، سعى أوباما إلى الخروج من العراق، والإبقاء على حد أدنى من الضغوط الأميركية على الساسة العراقيين.
وسط هذه المتغيرات، حققت إيران غاية استراتيجية، بتحييد الخطر العراقي الذي كان يؤرقها عقوداً، أما الدول العربية فساهمت في إطاحة صدام، لتتخلص من تهديداته على النظام الإقليمي العربي، لكنها خسرت ركناً أساسياً في معادلة التوازن العربي الإيراني، ولا مجال في هذا الصدد بالنسبة لها أن نقارن المكسب المحقق من احتلال العراق بالأضرار الكارثية المنبثقة عنه، كانت هذه نقطة انعطاف في العلاقة العربية العراقية، إذ بات العرب أمام خيارات أحلاها مر.

فالاعتراف بالوضع الجديد يعني استسلاما لحقيقة خروج العراق من فلكهم، أما الرفض فسيعتبر عداءً لخيار الشعب العراقي، وفي ذلك زيادة لحجم الانعزال عن المحيط العربي. هذه الحيرة، الممزوجة بغياب الأفق، جعلت كل دولة عربية تتعامل مع العراق، وفق ما تقتضي مصلحتها، للحفاظ على الدكتاتورية القائمة، بأن لا تكون التالية في السلسلة مع عجزها في آن واحد، عن معارضة السياسات الأميركية، ويمكن إجمال التعاطي العربي في ثلاث محاور :
١-دعم العمل المسلح ضد القوات الأميركية والحكومات العراقية المتعاقبة، أو التغاضي عنه، أملا في إفشال التجربة العراقية، أو التأثير على مجرياتها، ولعبت أنظمة عدة، مثل سورية والسعودية، على هذا الحبل، بالموازاة مع إيران، ولكن بدرجة أقل فاعلية منها.
٢-القبول جزئيا بالأمر الواقع، والتعامل مع النظام السياسي الجديد في العراق، المبني على أساس المحاصصة الطائفية، ومع اندلاع الصراع الأهلي، وجدت بعض الدول العربية نفسها مسؤولة عن مصير العراقيين السنّة، المحسوبين على النظام السابق، وأكثر المتضررين من الاحتلال، مع محاولة إشراك تركيا لتقديم السند، فيما لعبت إيران كل أوراقها، لتعزيز قوة الأحزاب الشيعية الموالية لها، للهيمنة على المشهد السياسي، إذ انتقلت من السعي إلى الفيدرالية والتقسيم إلى الرغبة في بسط سيطرتها على العراق كاملاً.
٣-  حاولت بواسطة النفوذ الأميركي أن تقارع إيران في الداخل العراقي، ضمن إطار أشمل لصراع المحاور في الشرق الأوسط، محور الاعتدال (مصر السعودية الأردن). محور الممانعة (سوريا إيران)، ومن هذا المنطلق، أعادت بعض الدول، مثل مصر، افتتاح سفارتها في بغداد، وباتت تسعى إلى سحب الحكومة العراقية من أحضان إيران.
لم تنجح هذه الاستراتيجيات في استعادة العراق ضمن وعائه العربي، والنتائج المحدودة التي حققتها سرعان ما تآكلت، مع الانسحاب الأميركي، حيث اكتشف العرب مع انتخابات 2010 أن الكلمة الأخيرة كانت لإيران.
الآن أمام التحديات الجديدة والتغيرات التي عرفتها المنطقة، من المهم أن تعيد الحالة العربية مراجعة سياستها تجاه العراق، بتجنب الأخطاء السابقة والاستثمار في عمق "الحقيقة العراقية" بطريقة مختلفة.
سيبقى الطريق مسدوداً باستمرار المراهنة على النظام الطائفي، وبعض منتجاته، مثل التقسيم أو على معادلة نفوذ إيران بإدخال تركيا في المشهد العراقي، وعليه، من المهم أن تتسع دائرة الاهتمام العربية، لتشمل الساحة الشيعية بنظرة أشمل، لصناعة نخب عراقية، قادرة على مواجهة النفوذ الإيراني والحد منه.
صحيح أن شيعة العراق محكومون بعلاقة دينية وعقائدية وثيقة مع إيران، لكنهم أثبتوا تاريخياً قدرتهم على الاستقلالية بقرارهم عنها، في لحظات معينة، وفي ظل التنافس بين مرجعيتي النجف وقم، اللتين تعتمدان وجهتي نظر مختلفتين في العلاقة بين الدين والدولة.
المشهد الشيعي في العراق تنتظره تحديات عدة، في مقدمتها خلافة آية الله السيستاني في مرجعية النجف، حيث تسعى إيران إلى فرض مرشحها، بينما يرفض مراجع النجف منذ زمن طويل أن يخضعوا لهيمنة ولاية الفقيه، وبعيداً عن النظرتين العقائديتين التقليديتين،  ظهرت نظرة جديدة في التسعينيات، مثلتها مرجعية محمد صادق الصدر، القائمة على التسليم بنوع من ولاية الفقيه، لكن بنكهة عراقية خالصة، لا تقبل بالنفوذ الإيراني، ولذلك قام صدام في السنوات الأخيرة من حكمه بتقريب المرجع محمد صادق الصدر، في محاولة منه لصناعة مرجعية شيعية عربية موالية له، لكنه تخلص منه لاحقاً، في ظروف غامضة لا يعرف الكثير عنها.
وبعد مقتله، أصبح تراثه أساسا للحركة الصدرية في العراق، والتي تمتلك واحداً من أكبر الأوعية الجماهيرية، بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر، جمعت هذه الحركة بين معارضة النظام العراقي السابق ومعارضة الوجود الأميركي، وهي تعارض اليوم حكم رئيس الوزراء الحالي، نوري المالكي، ولطالما اتهمته بالدكتاتورية، على الرغم من أنها ساهمت في تجديد ولايته، حينما لم تجد سنداً للتحلل من الضغوط الإيرانية.
وهي كلها مواصفات تعطي التيار الصدري مكانة أوسع، ليكون ربما أفضل بديل، بعد عشر سنوات لحزب البعث المنحل، آخر من حكم العراق باستقلالية، بما يجعله عمود الثقل لإعادة العرب إلى العراق ولتحقيق نقلة في العمل السياسي داخله، بشرط أن يتحول كياناً واضحاً ببرنامج شامل، يتعامل مع كل الحساسيات، وينفتح على جميع الطوائف، لتحقيق مشروع جامع لإخراج العراق من أزمته. أمام العرب فرصة تاريخية للعودة من أوسع الأبواب، واستعادة التأثير في العراق في المدى البعيد، فحينما يحظى تيار قوي بدعمهم، فإنهم يساهمون، بطريقة غير مباشرة، في رسم المستقبل العراقي، بطريقة هادئة وفعالة.
ليست المسألة بتلك السهولة أو التلقائية، لأن إيران لن تتخلى بسهولة عما بنته في العراق، إذا فشل حليفها الآخر بشار الأسد في البقاء، فذلك يعني قطعاً لمحور نفوذها في بلاد الشام نحو البحر المتوسط، فالتعويض عبر العراق. لكن، إذا كانت البوصلة العربية هي الديمقراطية ومصلحة الشعوب، فإن أي تسوية مستقبلية لصراعات الشرق الأوسط ستراعي المصلحة العربية في معظم الأوقات.

 
المثنّى - القسم الثقافي
المثنّى - القسم الثقافي
سرحان أبو وائل
مدون مغربي.
سرحان أبو وائل