إيران والتضامن العربي

24 مايو 2019
+ الخط -
تتصدّر الأزمة بين الإدارة الأميركية والنظام الإيراني منصّات الصحافة والإعلام، على اختلاف مستوياتها، وبشكل واسع في العالم، وتأخذ زخماً خاصّاً في منطقتنا العربية، بسبب تبعاتها الهائلة التي ستتحمّل هذه المنطقة الجزء الأكبر منها. ويبدو أن الصراع العربي – الإيراني، والذي كان غير مباشرٍ حتى الآن، سيأخذ أشكالاً أكثر مباشرة في المرحلة المقبلة. ستتسع ساحات الصراع التي امتدّت من اليمن إلى سورية، مروراً بالعراق ولبنان، لتشمل ربّما المياه الدافئة في الخليج العربي وخليج عمان والبحر الأحمر وبحر العرب، وقد تشمل أيضاً الأراضي الأكثر دفئاً في العالم، بفعل الموقع الجغرافي والمناخ من جهة، وبفعل مخزونات الطاقة الدفينة في ترابها من نفط وغاز، من جهة ثانية.
رفعت دعوة العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، إلى عقد قمتَين عربية وخليجية في مكّة المكرّمة يوم 30 مايو/ أيار الحالي من مستوى الاستعدادات والتجاوب مع متطلّبات هذه الأزمة، وقد جاءت هذه الدعوة على خلفية الهجوم التخريبي الذي تعرّضت له السفن التجارية في المياه الإقليمية لدولة الإمارات يوم 12 مايو/ أيار الحالي، والهجوم بطائرات مسيّرة الذي تعرضت له محطتا نقل النفط في المنطقة الشرقية من المملكة، بعد يومين من الهجوم السابق.
يشي الهجوم الصاروخي الذي تعرّضت له المنطقة الخضراء في بغداد، وعلى مقربة من السفارة الأميركية هناك، بتوسّع قاعدة المواجهات المحتملة. ومن خلال هذه العمليات، ترسل إيران رسائلها إلى الجميع بأن أذرعها طويلة، ويمكنها أن تستهدف المصالح الأميركيّة في المنطقة، إضافة إلى مصالح حلفائها بالطبع.
قد تتسع دائرة المواجهات أيضاً، وقد نشهد إطلاق صواريخ من غزّة، أو من جنوب لبنان في 
المرحلة المقبلة، كما قد نشهد عملياتٍ أكثر جرأة مما جرى. يبدو أنّ النظام الإيراني يحاول شدّ القوس إلى منتهاه، ضمن سياسة متدرّجة بالتصعيد والاستفزاز، فهو يحاول انتزاع عصى سلاح التهديد باستعمال الخيار العسكري من يد الرئيس الأميركي، من خلال إحراجه المستمر بالتحرّش بحلفائه بوسائل عسكرية. هي سياسة الوقوف على حافّة الهاوية التي يتقنها الإيرانيّون، فهم يتقاسمون الأدوار بين جناحين، متشدّد يقوده رموز الحرس الثوري الإيراني، ومعتدل يقوده رئيس الدولة ووزير خارجيته، على الرغم من أنّ القرار الحاسم لا يتّخذ إلّا عند المرجع النهائي، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي.
يستتبع ذهاب السعودية والإمارات إلى تصعيد المواجهة الإعلاميّة وإلحاقها بتصعيد سياسي، وربّما لاحقاً أمني أو عسكري، ردّاً على التصعيد الإيراني، بالضرورة، فتح باب الانفراج بين أبناء الجدّ الواحد وأصحاب المصلحة المشتركة. لا يمكن أن ينجح التضامن العربي، وهناك 
بذور شقاق بين دول مجلس التعاون الخليجي، ولا يمكن تصوّر وجود وحدة في المواجهة ووحدة في الصف العربي، ما دام لسان الأخ لا يجري على لسان أخيه، وقلبه لا ينبض بدمه.
ما ينقص المشهد الذي تحاول العربية السعودية رسمه، للتضامن معها في هذه الأزمة، ضرورة تجاوز الخلافات البينيّة العربيّة بشكل كامل لا مُجتزأ. فالأوْلى من دعوة موريتانيا في سواحل المحيط الأطلسي أن تتم دعوة قطر في قلب الخليج العربي. ومن الأولويات اللازمة لإيجاد جدار صدّ عربي متين وشامخ أن يتمّ البدء بإجراءات رفع الحصار الجائر عن الأشقاء القطريين، وبادرة لحسن النوايا بحيث يمكن البدء بتسهيل أمور الحجّاج والمواطنين العاديين الذين لا ذنب لهم على كلا جانبي دول الحصار ودولة قطر.
اللجوء إلى الحوار هو الطريق الأسلم لحلّ المشكلات بين الدول، والأحرى أن يكون هو الأوحد لحلّ الخلافات بين الأشقّاء. لقد أضر الحصار المفروض على قطر ليس بها وحدها، وإنّما أيضاً بالدول التي فرضته، وكان أثره الأكبر على الشركات والتعاملات التجارية، وعلى المواطنين من كلا الجانبين. وإن كان لكلّ شيء بداية ونهاية، ولكل أزمة بالنتيجة حلٌّ ما، فلم لا تكون المبادرة ممن فرض هذا الطريق، ولم لا نقول لبعضنا كما قال أجدادنا سابقاً "ربّ ضارة نافعة"، ونتوجّه بأيادٍ مبسوطة، وبقلوب مفتوحة، إلى أهلنا في قطر؟
الكرة الآن في ملعب الشقيق الأكبر، وعلى الحكماء هناك أن يُعملوا منطق المصالح المشتركة، إن لم نقل منطق الأخوّة ووحدة المصير. لقد فرضت دول الحصار شروطاً مجحفة على قطر، لا يمكن بأي حال أن تقبلها. والمتمنّى أن تتراجع عنها، وأن تعود إلى المنطق، في طرح رؤيتها أسباب الخلاف وأساليب الانتهاء منه مرّة وإلى الأبد. .. الوقت الآن والمتحدّثون أنتم، فماذا تقولون؟

56B14126-91C4-4A14-8239-0C25A8235D5D
56B14126-91C4-4A14-8239-0C25A8235D5D
حسان الأسود

كاتب ومحامٍ وحقوقي سوري، المديرالسابق للهيئة السورية للعدالة والمحاسبة، مقيم في ألمانيا.

حسان الأسود