ماذا يفعل إسلامي سوري عام 1984؟

ماذا يفعل إسلامي سوري عام 1984؟

10 مارس 2018
+ الخط -
طرح السؤال الصديق بلال علاء في مقال له في موقع "مدى مصر" عن الخيارات المتاحة حين تحل "الهزيمة البنيوية"، وهي هزيمةٌ "لا تخفف منها الشجاعة، ولا يردّها الذكاء السياسي  وسعة الحيلة".
تذكّرت سؤاله بينما أقرأ بيان الخارجية المصرية رداً على المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، حيث وصفت تصريحاته بأنها سرد لوقائع مختلقة، وتتجاهل ما تحقق على صعيد حقوق الإنسان، وجرؤ البيان على القول إنها "محاولة النيل من مصداقية ونزاهة الانتخابات"، بل اعتبرها "دعماً مبطناً للإرهاب"!
لكن هذه هي الحقيقة اليوم: إذا كان بشار الأسد، بعد نصف مليون قتيل، ما زال حاكماً، وله داعمون، وإذا كان قرار مجلس الأمن لم يوقف مذبحة الغوطة، فمن يعبأ بالنظام المصري الحمل الوديع قياساً له؟
خارجياً، راكم النظام المصري أوراق قوة عديدة، سواء بشراكته الأمنية مع إسرائيل وأميركا، أو باستثمارات روسية وصينية ضخمة جديدة، أو بداعميه الإقليميين، إلى جانب اعتماد أوروبا عليه في منع الهجرة، ثم حالياً في ملف الغاز.
وداخلياً، نشهد للمرة الأولى حالة التوحد لكل مؤسسات الدولة التي تنتهي في مكتب رئيس الجمهورية. وهكذا يمر القبض على مرشحي الرئاسة، كما مرت قرارات اقتصادية لم يجرؤ أحد على اتخاذها منذ عهد أنور السادات.
إذن، ماذا يفعل إسلامي سوري عام 1984، بعد أن سحق حافظ الأسد تمرّد حماه؟ ماذا يفعل شيوعي ألماني عام 1938 بعد وصول هتلر إلى الحكم؟ وماذا يفعل معارض مصري عام 2018؟
أولاً، على أصغر مستوى فردي، سيكون من المفيد الاستثمار في تنمية القدرات الشخصية العلمية والمالية، ولعل موجات السفر أخيراً تكون مساهماً في ذلك. حين تأتي فرصة تاريخية أخرى، يجب وقتها أن نجد من بيننا الكفاءات لتولي المناصب، وأن نجد تمويلنا بأيدينا.
ثانياً، على المستوى الجماعي، الخطوة الأهم هي أن نحافظ على وجود روابطنا الداخلية، ولو اجتماعياً. حكى مدير مركز أندلس، أحمد سميح، أنه حين بدأ حياته السياسية في حزب الوفد في الثمانينيات، سأل أحد قادته: كيف عاد الحزب قوياً على الرغم من انقطاع عمله نحو ثلاثين عاماً، فقال له إنه كان لا يفوّت حضور زفاف أو جنازة. وأضيف أيضاً إن حالة "الوفد" اعتمدت أيضاً على روابط اقتصادية بين أصحاب الأملاك القدامى.
الأولوية التالية هي العمل على كسر "الانقطاع الجيلي"، بمعنى أنه، بعد مرور سبع سنوات على الثورة، أصبح شبابها كباراً، واليوم في الجامعات والمدارس جيل جديد لم يشهدها، وتدريجياً تتحول إلى حدث تاريخي لا أكثر، كما كان جيلنا يسمع من بعيد عن "أحداث الأمن المركزي" و"أحداث 72".
قد يحدث ذلك على مستوى العمل الفردي من أفراد لاجتذاب أفراد، أو على مستوىً أكبر بتطوير خطاب المعارضة المصرية، والحرص على مصداقيته وتوازنه، أو على مستوى تالٍ بالمشاركة في جولاتٍ سياسية، وهي أفضل وسيلة لصناعة الكوادر، بوضعهم في احتكاك مباشر مع الواقع، كما حدث في اكتساح الطلاب المستقلين لانتخابات الاتحادات الطلابية قبل عامين، ما أدى إلى معارك طلابية، انتهت باستبعاد المرشحين من المنبع هذا العام، أو كما حدث في الانتخابات الرئاسية بوجود بارز لمتطوعين بفئة (16 - 20 سنة) بحملة خالد علي في أول مشاركة سياسية في حياتهم، كما أن هذه المشاركات قد تمثل تمهيداً لما بعدها، ولولا مسار المعارضة الذي بدأ في 2005 لم نكن سنصل إلى 2011.
لكن أمثال تلك القرارات تتطلب موازنةً حساسةً للغاية بين منافع وخسائر كل مشاركة، وأيضاً موازنة بين التصعيد والتهدئة، فأحياناً تكون مكاسب التهدئة سياسياً أفضل من مكاسب التصعيد غير المتوازن.
بالتوازي مع المسار العملي، مسار فكري للمراجعات وأيضاً للتوثيق، كتب وأعمال أدبية، اجتماعات ولقاءات.
وكما دارت الدنيا لتنتج وضعاً داخلياً وخارجياً مواتياً للموجة الاستبدادية الجديدة، فقد لا تمضي سنوات كثيرة، لتتكرّر دورة عكسية، أياً كانت أسبابها. وحينها يجب أن نكون هنا.