أسئلة بشأن الانتخابات الرئاسية المصرية

03 سبتمبر 2017
+ الخط -
ساهم قرار إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والذي يقضي بإلغاء (وتأجيل) جزء من المساعدات المقدمة لمصر بقيمة نحو 291 مليون دولار، وذلك لعدم إحراز مصر تقدمًا على صعيد احترام حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية، في مفاجأة الحكومة المصرية، كون القرار جاء على عكس سير التطورات التي شهدتها العلاقات المصرية الأميركية منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
شكل ذلك حالةً من الجدل بين أوساط الناشطين المصريين، ورأى بعضهم أن الإدارة الأميركية جادةٌ في توجيه عقوبة للحكومة المصرية، نظرًا لعدم تحقيقها أي تقدم في هذا الملف، وأعاد آخرون القرار إلى صدور قانون الجمعيات الأهلية الجديد، والذي رفضه الحقوقيون المصريون، نظرًا لمخاوفهم من تأميم نشاط المجتمع المدني في مصر. ويعتقد أن القرار يعود إلى وجود شبهات حول استخدام أسلحة أميركية في عملياتٍ في شبه جزيرة سيناء، أدت إلى وقوع قتلى من المدنيين. ورجّح آخرون أن العلاقات العسكرية بين مصر وكوريا الشمالية حفزت على اتخاذ القرار. إلا أن ترجيحات ترى أن القرار الأميركي قد حسم نسبيًا إجراء الانتخابات الرئاسية المصرية، المزمع عقدها في يونيو/ حزيران من العام المقبل، بعد أن انتابت الشكوك حول عقدها متابعين ومهتمين كثيرين بالشأن العام المصري. وكما أفصح أعضاء في مجلس النواب المصري (المحسوبين على الأجهزة الأمنية)، ومن أبرزهم إسماعيل نصر الدين، عضو مجلس الشورى عن الحزب الوطني في انتخابات 2010، عن نيته التقدم بمشروع قانون لتعديل الدستور، مفاده تمديد فترة حكم الرئيس من أربع سنوات إلى ست، وفتح مدة الترشح لأكثر من دورتين، ما يُلغي ما تبقى من المكاسب الشكلية لدستور 2014. وإن كانت فرص التعديلات المزمع إجراؤها باقية لما بعد الانتخابات.
ظلت حالة السيولة والضبابية المسيطر الأبرز على المشهد السياسي المصري، من قوى المعارضة المدنية تحديدا، والتي ترى أنها متعثرةٌ في اتخاذ قرارٍ تغلب عليه صفة الإجماع بشأن المشاركة في العملية الانتخابية أو مقاطعتها. لهذا ثمّة سؤالان في حال قرّرت هذه القوى مقاطعة الانتخابات: هل تمتلك القوى المدنية المصرية رؤية منظمة وواضحة إزاء حالة التصلب السياسي التي أصابت المجتمع المصري؟ وما هو العمل والخطوات المقبلة لإعادة الفاعلية إلى المجال العام مرة ثانية؟
على الجهة المقابلة، في حال قرّرت هذه القوى المشاركة بما يطلق عليه الاستحقاق الانتخابي، فإنها ستواجه خيارًا أصعب بلا أدنى شك. لهذا، من المهم التوقف عند حزمة من الأسئلة الصعبة هنا، والتي لن تحسم الإجابة هنا عنها إلا في حال قرّرت المشاركة؛ وهي، هل تستطيع القوى المدنية تحقيق ما فشلت فيه سابقًا من الاصطفاف وراء مرشّح واحد؟ كيف توفر أكبر قدر من الحماية لأعضاء حملتها الانتخابية؟ هل تمتلك من الأوراق ما يؤهلها لإيجاد مراقبة دولية للانتخابات؟ كيف تُطوّر القوى المدنية خطابا قويا ملهما لمواجهة خطط التقشف الاقتصادي؟ هل المشاركة من الممكن أن تعمل على حلحلة حالة جمود (موات إن جاز التعبير) المشهد السياسي؟
ويبقى السؤال مفتوحا حتى لما بعد الانتخابات، بشأن ماهية التفاعل مع قوى الإسلام السياسي (الاخوان المسلمين)؟ فبعد مرور أكثر من أربع سنوات من الانقلاب، ظل الموقف الغالب للقوى المدنية قبل "30 يونيو" كما بعده، وكما استمر عقل الجماعة متوقفًا في أغلبه، وكأن ثمّة شللا دماغيا قد أصابه، ثم تكرار الخطاب وتجمّدا في المواقف، حتى بات لدى أي متابع القدرة على توقع مواقفهم إزاء القضايا المختلفة قبل صدورها، وكأنهم لم يسمعوا مطلقًا عن مقولةٍ تستخدم لحسابات اقتصادية بحتة (المكسب والخسارة) تقول "غياب العلاج قد يصلح حجةً لعدم سلامة التشخيص".
وأخيرًا، يظهر بوضوح أن حالة السعار التي انتابت السلطة تجاوزت كل الخطوط الحمراء، وأن مشروع الثورة يعيش أضعف لحظاته لأسباب عديدة، منها اعتقال الآلاف ممن وقفوا في وجه الانقلاب، وإحباط القطاع الأوسع من جمهور الثورة بالسياسة وعزوفه عنها، وتراجع كبير (باستثناءات) لصوت المقاومة الاجتماعية أو المطلبية، جراء الهجوم المباشر عليها بجانب غياب الثقة في القدرة على العودة إلى فرض إرادة ورؤية مغايرتين لما هو قائم، ربما تجيب الأسابيع المقبلة عن بعض هذه الاسئلة، لأن حالة التجمد من الصعوبة بمكان أن تظل على حالها، وليس أمامنا مسلك للخلاص إلا بالسير في كل السبل التي ربما تمثل ولو مجرد إمكانيةٍ لمخرج أو مفتاح لتغيير الوضع الراهن. وهنا يُستذكر ما قاله محمود درويش في قصيدته يُنقب عن دولة نائمة "نفعل ما يفعل السجناء والعاطلون عن العمل/ نربي الأمل". يبدو أن الفرصة مواتية الآن للأخذ بزمام المبادرة، أيّاً كان اتجاهها، وذلك للانتقال إلى خانة الفعل والتأثير.