13 فبراير 2022
عن التعايش مع السقوط العربي
لا أمل في نهوض عربي جاد في الأمد المنظور. ولا يبدو أن ثمة مخرجاً يلوح في الأفق للأزمة السياسية التي تعيشها الدولة العربية في حالتها الراهنة، وهي التي تقاوم السقوط باجترار مزيد من مسبباته. حقيقة يؤكدها تداعي الأحداث من المحيط إلى الخليج. ليس بالضرورة أن يكون النهوض جماعياً، في ظل سقوط مشاريع الوحدة والأمة واحدا تلو الآخر، ولكن أيضا لا أمل في نهوض فردي على مستوى الدول والمجتمعات. بل على العكس، فلربما نشهد سقوط دول وتفكّك مجتمعات جديدة خلال الأمد نفسه. وهو سقوط في أغلبه حرّ، أي يحدث بأيدي العرب، ونتيجة قرارت من بيده أمرهم، من دون تقليل من دور العامل الخارجي بالطبع.
وعلى الرغم من أن السقوط العربي، والذي نعني به فشل المشروع السياسي والاجتماعي للدولة العربية "الحديثة"، قد بدأ منذ ولادة هذه الدولة ذاتها، وبفعل تناقضاتها التي بدأت أوائل القرن العشرين، إلا أنه قد انكشف وتعرّى بشكل كبير، خلال العقد الأول من الألفية الثانية. فقد انتهى المشرق العربي كما عرفناه طيلة القرن العشرين، بدءاً بسقوط بغداد عام 2003 بفعل الغزو الأميركي، وبالدعم، أو الصمت، العربي الذي لازمه، مروراً بسقوط غيرها من الحواضر والعواصم العربية التي ظلت تقاوم التغيير والإصلاح عقودا طويلة، فكان السقوط هو البديل الوحيد لمداواة جمودها وعناد من يحكمونها. والآن، يصل السقوط إلى محطة جديدة، وهي المحطة الخليجية التي ظلت متماسكة، بحكم التاريخ والتقاليد والأعراف والروابط القبلية، قرونا، فتدخل دولها في صدام وجودي، تُسل فيه السيوف ضد بعضها بعضا، وتتسابق قياداتها الجديدة باتجاه التقارب والتحالف مع أطراف إقليمية كانت، حتى وقت قريب، تُصنّف في خانة المنافسين والأعداء. بل ويجري الحديث علناً، ومن دون مواربة، عن تغيير أنظمة سياسية بالقوة، وإطاحة عائلات حاكمة، والتنصّل من روابط الدم والقربى. في حين تتأرجح عواصم كبرى، كالقاهرة، بين سقوط حرّ واستبداد خانق يستحضر كل الإرث السلطوي الفرعوني ولكن من دون إنجاز يُذكر.
لم تصمد هذه الدولة العجوز أمام موجة متعثرة من الربيع العربي، فقاومتها بالقوة العارية المنفلتة من كل قيد ولو شكليا، فكان مصيرها السقوط السياسي والأخلاقي المريع. ولا تزال هذه الدولة تحاول مقاومة الزمن، وإطالة عمرها الافتراضي الذي انتهي، فيزداد معدل سقوطها، وتغرق في أزماتها السياسية. وبينما تفعل ذلك، تستدعي معها كل مسببات سقوطها، من إشاعة الخوف والفوبيا وتغذية الانقسامات الطائفية والمذهبية وافتعال أزمات إقليمية، بغرض القفز إلى الأمام والهروب من استحقاقات الإصلاح والتغيير.
ومن المفارقات أنه بينما تقاوم هذه الدولة سقوطها، فإنها تدفع، ربما من دون أن تدري، إلى الواجهة كل ما يعجّل بهذا السقوط، ويرفع فاتورته. ولمعرفة عواقب عناد هذه الدولة، انظر فقط إلى ما جرى في العراق ويجري الآن في سورية وليبيا واليمن. وهو ما يذكّرنا بالدول الأوروبية أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر التي سقطت، ليس بفعل ضعفها وتراجعها العسكري، فقد كانت متطوّرة بمعايير تلك الفترة، وإنما بفعل فشلها في الاستجابة لمطالب الإصلاح والتغيير الداخلية. لا تكترث الدولة العربية باتساع رقعة الرفض لها، خصوصا بين الأجيال الجديدة، ولا تعباً كثيراً بمطالبهم وطموحاتهم باتجاه التغيير. وهي تنطلق في علاقاتها بهم من منطق الوصاية السياسية، والأبوية المصحوبة بجهاز أمني قمعي، لا يتورع عن الفتك والتخلص من كل الشباب المعارضين.
علينا إذا أن نتعايش مع حالة السقوط العربي الراهنة، وأن نجهّز أنفسنا سنوات مقبلة، إن لم تكن عقودا، من الصراع مع هذا النوع من الدول الساقطة أخلاقياً، والفاشلة سياسياً والمتوحشة أمنياً. علينا أن نتعايش، وأن نوّطن أنفسنا مع مآسي الدولة العربية التي تنضح بها كل يوم. وعلى الشباب العربي الذي يؤمن بالتغيير، ويرغب به، أن يقاوم هذه الدولة سلمياً من خلال الوعي بأزماتها والتعرّف على نقاط ضعفها. وأن يلتحم بالمجتمع الذي يمكنه أن يقدّم قوة موازنة لقوة الدولة الباطشة. نقول هذا مع إدراكنا بصعوبة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية ومأساويتها في بلداننا. ومع يقيننا بأن فاتورة التغيير لن تكون سهلة، وأن إنجازه لن يكون سريعاً، لكنه حتماً قادم. وهي معركة بحاجة إلى نفس طويل، وأجيال وعقول جديدة قادرة على حماية (وتحصين) نفسها أمام تغوّل الدولة، وغلقها المجال العام، بما لا يسمح بمتنفس، ولو صغيرا، خوفاً من مطالب التغيير.
وعلى الرغم من أن السقوط العربي، والذي نعني به فشل المشروع السياسي والاجتماعي للدولة العربية "الحديثة"، قد بدأ منذ ولادة هذه الدولة ذاتها، وبفعل تناقضاتها التي بدأت أوائل القرن العشرين، إلا أنه قد انكشف وتعرّى بشكل كبير، خلال العقد الأول من الألفية الثانية. فقد انتهى المشرق العربي كما عرفناه طيلة القرن العشرين، بدءاً بسقوط بغداد عام 2003 بفعل الغزو الأميركي، وبالدعم، أو الصمت، العربي الذي لازمه، مروراً بسقوط غيرها من الحواضر والعواصم العربية التي ظلت تقاوم التغيير والإصلاح عقودا طويلة، فكان السقوط هو البديل الوحيد لمداواة جمودها وعناد من يحكمونها. والآن، يصل السقوط إلى محطة جديدة، وهي المحطة الخليجية التي ظلت متماسكة، بحكم التاريخ والتقاليد والأعراف والروابط القبلية، قرونا، فتدخل دولها في صدام وجودي، تُسل فيه السيوف ضد بعضها بعضا، وتتسابق قياداتها الجديدة باتجاه التقارب والتحالف مع أطراف إقليمية كانت، حتى وقت قريب، تُصنّف في خانة المنافسين والأعداء. بل ويجري الحديث علناً، ومن دون مواربة، عن تغيير أنظمة سياسية بالقوة، وإطاحة عائلات حاكمة، والتنصّل من روابط الدم والقربى. في حين تتأرجح عواصم كبرى، كالقاهرة، بين سقوط حرّ واستبداد خانق يستحضر كل الإرث السلطوي الفرعوني ولكن من دون إنجاز يُذكر.
لم تصمد هذه الدولة العجوز أمام موجة متعثرة من الربيع العربي، فقاومتها بالقوة العارية المنفلتة من كل قيد ولو شكليا، فكان مصيرها السقوط السياسي والأخلاقي المريع. ولا تزال هذه الدولة تحاول مقاومة الزمن، وإطالة عمرها الافتراضي الذي انتهي، فيزداد معدل سقوطها، وتغرق في أزماتها السياسية. وبينما تفعل ذلك، تستدعي معها كل مسببات سقوطها، من إشاعة الخوف والفوبيا وتغذية الانقسامات الطائفية والمذهبية وافتعال أزمات إقليمية، بغرض القفز إلى الأمام والهروب من استحقاقات الإصلاح والتغيير.
ومن المفارقات أنه بينما تقاوم هذه الدولة سقوطها، فإنها تدفع، ربما من دون أن تدري، إلى الواجهة كل ما يعجّل بهذا السقوط، ويرفع فاتورته. ولمعرفة عواقب عناد هذه الدولة، انظر فقط إلى ما جرى في العراق ويجري الآن في سورية وليبيا واليمن. وهو ما يذكّرنا بالدول الأوروبية أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر التي سقطت، ليس بفعل ضعفها وتراجعها العسكري، فقد كانت متطوّرة بمعايير تلك الفترة، وإنما بفعل فشلها في الاستجابة لمطالب الإصلاح والتغيير الداخلية. لا تكترث الدولة العربية باتساع رقعة الرفض لها، خصوصا بين الأجيال الجديدة، ولا تعباً كثيراً بمطالبهم وطموحاتهم باتجاه التغيير. وهي تنطلق في علاقاتها بهم من منطق الوصاية السياسية، والأبوية المصحوبة بجهاز أمني قمعي، لا يتورع عن الفتك والتخلص من كل الشباب المعارضين.
علينا إذا أن نتعايش مع حالة السقوط العربي الراهنة، وأن نجهّز أنفسنا سنوات مقبلة، إن لم تكن عقودا، من الصراع مع هذا النوع من الدول الساقطة أخلاقياً، والفاشلة سياسياً والمتوحشة أمنياً. علينا أن نتعايش، وأن نوّطن أنفسنا مع مآسي الدولة العربية التي تنضح بها كل يوم. وعلى الشباب العربي الذي يؤمن بالتغيير، ويرغب به، أن يقاوم هذه الدولة سلمياً من خلال الوعي بأزماتها والتعرّف على نقاط ضعفها. وأن يلتحم بالمجتمع الذي يمكنه أن يقدّم قوة موازنة لقوة الدولة الباطشة. نقول هذا مع إدراكنا بصعوبة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية ومأساويتها في بلداننا. ومع يقيننا بأن فاتورة التغيير لن تكون سهلة، وأن إنجازه لن يكون سريعاً، لكنه حتماً قادم. وهي معركة بحاجة إلى نفس طويل، وأجيال وعقول جديدة قادرة على حماية (وتحصين) نفسها أمام تغوّل الدولة، وغلقها المجال العام، بما لا يسمح بمتنفس، ولو صغيرا، خوفاً من مطالب التغيير.