من ينقذ مصر

من ينقذ مصر

24 اغسطس 2016
+ الخط -
مصر على حافة الانهيار، مصر على أبواب الفوضى، مصر تغرق في أزمة اقتصادية خانقة، هذه بعض خلاصات تقارير صدرت الأسبوع الماضي في أميركا (وكالة بلومبرغ) وبريطانيا (مجلة الإيكونوميست) وجريدة لوموند الفرنسية، وكلها صحف ومجلات تقدّم أرقاماً ومعطيات وحقائق، لا يريد أن يسمعها النظام الحاكم في مصر، إلى درجة أنه يشن حملات (عبيطة) على هذه الصحف في إعلامه المحلي الذي لم يعد يلتفت إليه أحد.
كتبت "الإيكونوميست" في ملف نُشر قبل أسبوعين بعنوان "انهيار مصر" "برهن الجنرال عبد الفتاح السيسي الذي استولى على السلطة سنة 2013، على أنه أكثر قمعاً وقسوة من حسني مبارك الذي سقط خلال الربيع العربي، وأكثر سوءاً في تدبير الاقتصاد من محمد مرسي، الرئيس الإسلامي المنتخب الذي انقلب عليه السيسي". وبالأرقام، تقول أعرق مجلة في أوروبا: "النظام المصري عموماً شبه متوقف، لا يكاد يمشي إلا بحقن مالية من دول الخليج، وبدرجة أقل من أموال المساعدة العسكرية الأميركية. وعلى الرغم من مليارات البترودولار التي تتدفق على النظام، فإن البطالة وصلت إلى معدل 40%، وعجز ميزانية مصر وحسابها الجاري مستمران في الارتفاع، على التوالي، بـ12٪‏ و7٪‏ من الناتج الداخلي الخام. وعلى الرغم من خطابات السيسي التي يتغنى فيها بالسيادة والوطنية، فقد ذهب يتسوّل قرضاً من صندوق النقد الدولي بـ 12 مليار دولار".
لم تأت التفريعة الجديدة التي افتتحها الجنرال السنة الماضية في قناة السويس بمداخيل جديدة للخزينة المصرية، لأن حركة الملاحة البحرية تراجعت، ولأن المشروع لم يخضع لدراسة علمية دقيقة، فكل ما فعله المشروع أنه امتص السيولة التي كانت في البنوك، وأتى على نسبة كبيرة من ادّخار المصريين الذين صدّقوا حكاية الأسهم الرابحة للقناة. يريد الجنرال شرعية إنجاز بسرعة كبيرة، ولم يجد إلا توسيع قناة السويس، والعاصمة الجديدة التي أعلن بناءها في الصحراء، على غرار دبي، لن ترى النور، ومساعدات الخليج خفّت، وستشح مستقبلاً، ومؤشرات فشل الانقلاب في تصاعد.
استولى الجنرال السيسي على قطار مصر بالحديد والنار، وطرد سائقه الشرعي، واحتجز الركاب، وسجن المعارضين، لكنه لم يستطع أن يحرّك القطار ولو متراً، والنتيجة أن الجميع أصبحوا رهائن في بلاد الفراعنة. الذي قاد الانقلاب، والذي سقط ضحيته، والذي وقف يتفرج.. الجميع في ورطة الآن.
رائحة الدم تنبعث من مصر كل صيف، تذكّر بمجزرة "رابعة" وأخواتها، والنظام يزداد قمعاً مع ازدياد فشله في إدارة البلاد التي تواجه أزماتٍ بلا حصر، في حين أن الإعلام يلعب دور الساحر الذي يوظف الخدع البصرية لإلهاء الناس، ظناً منه أن هذا هو المسكّن الفعّال لشعبٍ قاد انتفاضة على نظام مبارك، ليجد نفسه أمام نظام أسوأ.
لا ينتظر الواقعيون ثورة جديدة في مصر قريباً، فالشعب أنهكت قواه، ولا ينتظر العارفون بخبايا الجيش انقلاباً عسكرياً ضد السيسي، لأن الأخير ورّط جل قيادات العسكر في الحرب على معارضي النظام، وفي الانقلاب على العملية السياسية، حتى إن الدم طال شرف الجيش الذي تفرّغ للتجارة والصناعة والبناء والخدمات، حتى صار يسيطر على ثلث اقتصاد البلد. لكن، في الوقت نفسه، لا بد أن يمدّ العالم يد المساعدة لمصر، لأن انهيارها سيصيب المنطقة كلها بزلزال كبير، لا يعرف أحد أين سيقف، ولا ماذا سيخرج منه. لا بد من الضغط على السيسي، من أجل إعلان عدم ترشحه لولاية أخرى، ولا بد من الضغط على نظامه، لكي يفرج عن آلاف المعتقلين السياسيين في سجونه، وأن يطلق عمليةً سياسيةً جديدة لإعادة فتح النظام لمشاركة كل المصريين. عرب الخليج الذين قدموا الرعاية كاملة للانقلاب، وما تبعه من مجازر، عليهم المسؤولية الكبرى، مع أميركا وأوروبا، للضغط على الجنرال، من أجل الرجوع إلى الخلف، والتخلي عن سياسة إرهاب الشعب، وتدمير مقدّرات البلد في مشاريع فاشلة، وفي سلسلة من دورات الفساد لا تنتهي.
لم يكن مرسي رئيساً نموذجياً لمصر، كانت له ولجماعته أخطاء كبيرة، وسذاجة لا توصف، لكنه كان يسمع نبض الشارع، ويضرب حساباً لغضب المواطن. اليوم، الجنرال لا يسمح لأحد بانتقاده، ولا حتى بنصحه. ببساطة، لأنه لم يأتِ بصناديق الاقتراع، ولا يشعر بأن في عنقه ديناً لأحد… لكن لمصر ديناً في عنق الجميع، وهي لا تستحق ما يفعله أبناؤها بها اليوم.

A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.