مآلات خريطة الطريق السودانية

17 اغسطس 2016

مالك عقار وآركو مناوي وجبريل إبراهيم والصادق المهدي

+ الخط -
ينال المجتمع السوداني جزءاً من سوء إدارة قادته، حكاماً ومعارضة، قضايا الوطن. الحاضر دوماً هو مغامرات الاختلاف والائتلاف بمبرّراتٍ واهيةٍ في كل مرة. والمغامرة لا تعني غياب الوطنية عن هذه القيادات، وإنّما هي سوء التقدير وعدم القراءة الجيدة للمتغيرات وعدم التعامل معها بحكمة، بدلاً من الوقوع في مصيدة إغراءات النظام الحاكم للتوقيع والتنازل، ثم الظفر بمناصب سياسية، بينما الحال على ما هو عليه.
اتفاقية خريطة الطريق وَقّعَتْ عليها في الثامن من أغسطس/ آب الجاري، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أربع من قوى المعارضة (حزب الأمة القومي بقيادة الصادق المهدي، الحركة الشعبية قطاع الشمال بقيادة مالك عقار، حركة تحرير السودان جناح منّي أركو مناوي، حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم)، من دون تعديل أو إضافة عليها، كما هي معلنة في 21 مارس/ آذار الماضي. تتضمن هذه الخريطة التي قدمتها الوساطة الأفريقية إجراءاتٍ لوقف العدائيات، يمهّد لوقفٍ دائم لإطلاق النار في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، وإيصال المساعدات الإنسانية والحل السياسي والحوار الوطني.
وقّعت الحكومة السودانية في مارس/ آذار الماضي منفردةً مع وسيط الآلية الأفريقية الرفيعة، بقيادة ثابو أمبيكي، وسط مقاطعة المعارضة السودانية، بما فيها هذه القوى. وبعد رفضها ذاك، علّق رئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، أنّ الوسيط أمبيكي اعتبر نفسه الطرف الآخر في النزاع، ووقّع مع الحكومة السودانية.
ويبدو أنّ قادة قوى "نداء السودان" المعارضة، الذين تخلفوا عن توقيع الخريطة حينها، باتوا يرون في ملامح الخارطة الحالية غير ما بدا لهم. تقوم الخريطة على مكونين رئيسيين، هما وقف العدائيات ووقف إطلاق النار الشامل، وتفاوض سياسي حول القضايا المتعلقة بالمنطقتين، جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور، بينما المكون الثاني قائم على عملية الحوار الوطني الخاصة بالمؤتمر الوطني. كما تقول الخريطة إنّه، فور الاتفاق على وثيقتها، يجب الانتقال مباشرةً إلى اتفاقٍ لوقف العدائيات في المناطق الثلاث (دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق)، ومنها مباشرة إنجاز اتفاقٍ على وقف شاملٍ لإطلاق النار، يعقبه مباشرةً اتفاقٌ على الحلول السياسية لدارفور والمنطقتين، وبعدها مباشرة الاتفاق مع آلية (7+7) في أديس أبابا على ترتيبات الالتحاق بمؤتمر الحوار الوطني في الخرطوم عبر الجمعية العمومية.
ولكن، لا يبدو أنّ التبرير، في سياقه بإيمان هذه القوى الأربع من المعارضة، بالانتقال من
مرحلة الحرب إلى مرحلة السلم، مُقنعاً. ويجيء عدم الوجاهة في التخطيط للمرحلة المقبلة، وهي التحاق قوى المعارضة بالحوار الوطني من الداخل، وهذا مقبول ويمكن تصديقه. أما الانتقال مباشرةً إلى مفاوضات وقف إطلاق النار، أو وقف العدائيات والقضايا الإنسانية، فهذه هي العقبة التي يمكن أن يقف عندها المتفاوضون طويلاً. والسبب أنّه يفترض أن يكون هؤلاء ممثلين عن المناطق المشتعلة بالحروب، التي يدّعون التحدّث باسمها. الحوار الواقعي الذي من المفترض أن يتم هو البحث في أسباب حمل هؤلاء السلاح في الأساس، وماذا حدث الآن ليقنعهم بوضعه. وهل هذه القرارات بوقف العدائيات هي قرارات شعوب المناطق، أم متحدثين عنهم آتين من كوكب آخر. هذا إلّا إذا كانت الحرب الدائرة وتهجير المواطنين من مناطقهم وتشريدهم في رحلة اللاعودة مجرد حربٍ عبثيةٍ ودائرةٍ جهنميةٍ يقف عند طرفيها النظام الحاكم والوساطة الأفريقية الموسومة بتبعيتها، وهذه الحركات في تبادلهم جميعاً الأدوار من اندماج وانفصال.
أما البلد الذي نفى الدخول إليه منّي أركو مناوي، بقوله إنّ التوقيع على الخريطة لا يعني الذهاب إلى الخرطوم! فهو يعني أنّه أكثر الذين خبِروا الخرطوم وقصرها الجمهوري، فهو صاحب تجربة سابقةٍ في توقيع الاتفاقات التي أوصلته إلى القصر الجمهوري كبيراً لمساعدي رئيس الجمهورية، غير أنّه آثر الخروج مجدّداً، متعلّلاً بأنّ التنفيذ لم يكن كما تم التوصل إليه في مفاوضات واتفاقية أبوجا.
ما يجمع هذه الحركات المسلحة الثلاث مسؤوليتها أيضاً عن حالة الحرب التي يُزعم أن توقيع خريطة الطريق هو إيقافها. أما حزب الأمة القومي فيكرّر المشهد الذي تم في أواخر سبعينيات القرن الماضي، ولعل سعيه الدؤوب بالتوقيع على نداء السودان، ثم حوار الوثبة، هو نسخة من اتفاقية المصالحة الوطنية التي وقعها مع نظام الرئيس الأسبق، جعفر النميري، عام 1977. حيث دخل المهدي ورفاقه في تفاوضٍ معلن، وآخر غير مباشر مع نظام مايو الذي خلص إلى توقيع اتفاقية المصالحة الوطنية في 7/7/1977 في مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر. نصت اتفاقية المصالحة على ضرورة إحداث إصلاحاتٍ سياسيةٍ في البلاد، بالإضافة إلى وضع قاعدة جديدة لممارسة العملية الديمقراطية. وبتوقيعها فتحت الطريق، وجعلته سالكاً أمام المهدي لعودته إلى البلاد. عادت الأوضاع إلى سابق عهدها، بعد وقوع محاولةٍ انقلابيةٍ فاشلةٍ من مجموعةٍ من ضباط الجيش، اتهمت فيها حكومة نميري جماعة المعارضة، بقيادة المهدي، بتدبيرها والتخطيط للانقلاب على السلطة. ولكن، آثر الصادق المهدي وقتها البقاء في السودان، بعد خلافات وصراعات مع النظام المايوي.
أما هذه المصالحة الحالية فهي بالنسبة للشعب لا تعدو أن تكون محاولة لإطالة عمر النظام، لتحقيق مكاسب وتنازلات خاصة، وبالنسبة لحزب الأمة القومي، ممثلاً في قائده، هي تمهيد لسقوط النظام مثلما حدث لنظام نميري الذي سقط بعد سبع سنوات من توقيع المصالحة. والسيناريو أن يتسنّم الصادق المهدي الحكم، مثلما حدث بعد النميري، في آخر حكومة منتخبةٍ، تقع بين فترتي نظامين عسكريين.
نرى في هذه الخريطة ما رآه الشريف حسين الهندي، رئيس الجبهة الوطنية المعارضة ضد نظام النميري عن اتفاقية المصالحة الوطنية: شابت وشاب مِن حولها الزمان، واستعمالها الآن هو كما يراد، استعمال كلمة حقّ يُراد بها باطل.
8615DCBC-E386-43F8-B75E-8FF0C27360A3
منى عبد الفتاح

كاتبة صحفية من السودان. حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية. نالت دورات في الصحافة والإعلام من مراكز عربية وعالمية متخصصة. عملت في عدة صحف عربية. حائزة على جائزة الاتحاد الدولي للصحفيين عام 2010، وجائزة العنقاء للمرأة المتميزة عام 2014.