ما يشبه الرئيس لما يشبه الدولة

ما يشبه الرئيس لما يشبه الدولة

06 مايو 2016

وما يشبه الإنسان

+ الخط -


لعلها من المرّات النادرة التي يصدُق فيها عبد الفتاح السيسي، حين وصف مصر بأنها "أشباه دولة". بالفعل، شاهت معالم مصر، منذ أن استولى على السلطة فيها، فلم تعد تعرف نفسها، ولا أهلها، ولم يعد مواطنوها يعلمون لها كياناً يمكن تعريفه بسهولة.

هي لا دولة، ولا حتى معسكر، كما وصفتها قبل أكثر من عام، إذ تكاد تتلاشى معالم الدولة، وتشيب ملامح المعسكر في الوقت نفسه. 

مصر تغيب عنها مقومات الدولة على نحو فادح. فالدولة، في التعريف السياسي البسيط، تبدأ بالعقد الاجتماعي الذي تنبثق منه دولة القانون. ولو قارنت بين ما هو معرّف نظرياً وما يدور على أرض مصر الآن، ستجد أن القوانين غائبة أو مُغيّبة، وأن المعيار الحاكم لإدارة الحياة داخل حدودها هو القوة وليس الحق، وأن القيمة السائدة هي البطش وليس العدل. وبذلك، تبتعد مصر تماماً عن مفهوم الدولة، وترتد إلى حالة ما قبل اختراع القوانين.

ولو حاولت أن تقيّم مصر بمعايير "المعسكر"، ستكتشف أنها في حالة من الرخاوة والبلادة الأمنية التي تجعلها عرضةً لضربات موجعة هنا وهناك، على الرغم من كل هذا البطش الذي تمارسه سلطاتها قضائياً وشرطياً وعسكرياً، حتى إنها تضرب في المكان نفسه مرتين وثلاثاً، ولا تتعلم أبداً.

تلك هي الحالة التي وصلت إليها مصر على يد عبد الفتاح السيسي، المسكون بالدجل والخرافة، والذي يستبدّ به العداء لكل ما يحول دون هيمنته على أدمغة المطحونين، بسلاحي الخوف والجوع. ومن هنا، يمكن تفسير ما يجري ضد نقابة الصحافيين الآن.

لا يريد الرجل أن تبقى على الأرض بؤرةً لإيقاظ الوعي، أو فتحة في جدار جمهورية الخوف والشعوذة. لذا، كانت الحملة المسعورة على نقابة الرأي، والتي استخدمت كل أرشيف الدولة البوليسية العسكرية في هجومها، خلال الأيام الماضية، ليُزاح الستار عن الحقيقة الساطعة: غزوة النقابة كانت بتكليفٍ من السيسي، وبعلمه وموافقته ومباركته.

كان السيسي، أمس، يتوجّه بالخطاب إلى الجماعة الصحافية "ما بخافش"، فيتهلل وجه وزير داخليته، وينتعش في مكانه.. الحقيقة نفسها التي عبّر عنها مصطفى بكري، عقب التوصيات والقرارات الصادرة عن عمومية الصحافيين، أول من أمس.

تدعم هذه الحقيقة، أيضا، هتافات الذين صفّقوا للسيسي في أثناء خطابه، حيث الوجوه والشعارات نفسها التي شاهدها الجميع في الحصار المسلح المفروض على نقابة الصحافيين، في مشاهد أصابت كل محب لمصر، عارف بحجمها، بالهم والغم، على ما فعله الجنرال في مجموعة من المواطنين البسطاء.

حسم السيسي، أمس، الجدل بشأن الجهة التي تقف وراء شحن ضحايا التوحش، وأدواته أيضا، من كائنات الفضاء السيسي لمحاصرة نقابة الصحافيين.

لم يعد مفيداً، هنا، الاستغراق في اختبار الفرضيات، وتقليب الاحتمالات، والاجتهاد في البحث عن إجابات لأسئلة من نوعية:
1- هل هم سيساويون حقيقيون؟

2- أم  مدفوعون ومدفوع لهم، على طريقة موقعة الجمل. وهنا، تفرض نفسها أسماء نواب وإعلاميين، هي نفسها التي ارتبطت بمشاهد الرقص المهينة في تظاهرات الجزيرتين.

3- أم مغلوب على أمرهم، تراقصوا وتباذؤوا وتحرّشوا بالصحافيين بالأمر، وإلا عادوا إلى الأقفاص الحديدية، لمواجهة العقاب من "الباشا"، كما تذهب الشهادة الموجعة التي نشرها الصحافي الشاب عبد الرحمن مطر، والتي استقاها من تجربة اعتقاله السريع، إذ يسجل هذا المشهد الذي وقع في أثناء إخلاء سبيله، بقوله "دخل علينا أكثر من 10 أفراد وغادروا، ثم أكثر من 30 فردا. أكاد أقسم بالله أن جميعهم مصابٌ بعاهةٍ مستديمةٍ تستقيم وتخطو بطول وجهه.. وقال ضابط المباحث لأكثر من فرد فيهم: سماح النهارده وبكره من المراقبة.. تفاجأت بأنْ نظر ضابط الأمن الوطني لي بابتسامة صفراء، وهمس لي قائلاً هؤلاء هم المواطنون الشرفاء إيه رأيك يا ثورجي... !".

كل هذه الاحتمالات واردة، غير أن المؤكد أن هؤلاء هم وقود ماكينة القمع والاستبداد، فيما يشبه دولة مصر التي يحكمها بالقوة، ما يشبه الرئيس. ولذلك، هو الأحرص، طوال الوقت، على أن يكون محكوموه منتمين إلى ما يشبه البشر، وما يشبه المواطنين، أو قل يريدهم بشراً ملعوب في فطرتهم، بقصد تحويلهم إلى مسوخٍ في دولة الهستيريا.

وائل قنديل
وائل قنديل
صحافي وكاتب مصري، من أسرة "العربي الجديد". يعرّف بنفسه: مسافر زاده حلم ثورة 25 يناير، بحثاً عن مصر المخطوفة من التاريخ والجغرافيا