اعترافات زوج

اعترافات زوج

13 ابريل 2016

(بهرام حاجو)

+ الخط -

أصوات قصفٍ وانفجاراتٌ وغاراتٌ جوية وحركةٌ نشطةٌ غير عادية لسيارات الإسعاف والدفاع المدني، سمعها، قبل أيام، سكان مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة المحاصر، وبثت الرعب في قلوبهم، وأعادت إلى ذاكرتهم أحداث ثلاث حروب متتالية، مرّت على القطاع المكلوم، واعتقد الأهالي أن عدواناً جديداً قد بدأ في وضح النهار، خصوصاً أن كثيرين منهم لم يسمعوا ما نوّهت له وسائل الإعلام ومكبرات الصوت في المساجد عن مناوراتٍ قتاليةٍ، ستقوم بها وزارة الداخلية الفلسطينية التابعة لحركة حماس، هي الأولى من نوعها، حيث تم إعلان حالة الطوارئ ساعتين، في مناطق مختلفة من القطاع، وعلى فترات متباعدة، وخلال شهر من بدء أول مناورة انطلقت في شمال القطاع، وشارك فيها حوالي ألفين من عناصر الأمن والشرطة والدفاع المدني.

تهدف هذه المناورات الوهمية إلى فحص وضمان مدى استعداد الجبهة الداخلية في حالات الطوارئ وقت الحروب، وذلك حسبما قال الناطق باسم وزارة الداخلية الفلسطينية، منوهاً إلى أن الحرب المقبلة على غزة جزء من الأزمات المتوقعة.

وعلى ذلك، فتجربة جديدة ومفاجئة مرّ بها الأهالي الذين لم يستعدوا لهذه الحرب الوهمية التي بدت كأنها حرب حقيقية، واستغرق الأمر منهم وقتاً، حتى استوعبوا ما يحدث. ولكن، يجزم الجميع، سواءً من استعدوا أو من فوجئوا بأنهم شعروا بالخوف والقلق على أنفسهم وأحبتهم في تلك اللحظات، وأن شريطاً قاتماً قد مر بذاكرتهم النائمة، وأيقظ مواجع لم تنس، ولكن طوتها مشكلات الحياة الصعبة التي يعيشونها، فهمهم وهاجسهم اليومي هو تدبير لقمة العيش التي تقطعت سبلهم إليها.

وقد صادف أن بدأت الساعتان التدريبيتان، في وقتٍ كان موظفو السلطة الوطنية يصطفون في البنوك لتلقي رواتبهم، على الرغم من أنهم قابعون في بيوتهم، بعد الانقلاب الذي قامت به "حماس" في العام 2007. ولذلك، شعر الموظفون الذين يلتقون مع بعضهم مرة واحدة في الشهر، لوقت قصير، بالخوف والقلق على عائلاتهم، لأنهم تجمعوا من أماكن نائية. ومع إطلاق أصوات القصف المتبادلة من خلال تفجيرات وهمية، أو تسجيلات لقصف جوي سابق، ومع الاعتقاد بأن حرباً جديدة قد بدأت، أسرع أحد الأزواج بالاتصال بزوجته، ليخبرها أنه كذب عليها كذبة عمره، فراتبه لم يتعرّض لخصومات جائرة، كما يحدث لبعضهم، لكنه متزوج بأخرى، وأنجب منها طفلاً، ويرسل لها جزءاً من راتبه، حيث تعيش في مصر، وذلك قبل أن يطبق الحصار على غزة، ويمنع الغزيون من السفر عبر معبر رفح إلى مصر.

اتصل زوج آخر بزوجته، في بلدة خزاعة الحدودية، وطلب منها أن تهرب مع الجيران إلى قلب المدينة، لكنه فوجئ بها تخبره، وهي تبكي وتلهث، أنهم في طريقهم إلى الفرار، فسألها في لهفة: وهل حملت الدجاجات وديكهم معك؟ وكان سؤاله هذا كافياً لإغراق عملاء البنك حوله ساعات في الضحك، بعد انتهاء المناورة وعودة الأجواء إلى طبيعتها.

في مواقف الخوف، تظهر المشاعر الحقيقية للبشر، كما يؤكد علماء النفس، وتطفو النيات وخبايا النفوس عند الخوف والغضب أيضاً، وتتوقف آلة التصنع والادعاء عن العمل، ويتحرّك العقل الباطن، ليقوم بدوره في فضحنا أمام أنفسنا، وأمام الآخرين. وهذا ما حدث مع فؤاد المهندس، حين أوشكت طائرته التي تقله مع زوجته في الفيلم والحقيقة، شويكار، أن تسقط، فأدلى  باعترافه الذي كان سبباً في دمار حياته الزوجية، وهو اعتراف لا يساوي شيئاً أمام اعترافات الزوجة المحبة بأنها كانت تعد له طبق العجة بدون بيض، وكان اعتراف المهندس عن قبلة قبلها لجارتهم الحسناء في الحلم، وسرعان ما كبر الحلم، وأصبح في خيالها علاقة آثمة، وطفل خطيئة في الطريق.

في الفيلم الواقعي الهزلي، أخيراً، وهو "اختطاف الطائرة المصرية". وفي لحظات الخوف، أبلغ زوج زوجته اسم البنك الذي يخفي فيه أمواله من دون علمها، وكانت متلهفةً للتأكد من سماعها اسم البنك جيداً أكثر من اهتمامها بسلامة زوجها.

سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.