"لا أحد حرٌّ حتى يتحرّر الجميع"

"لا أحد حرٌّ حتى يتحرّر الجميع"

11 نوفمبر 2023

في احتجاج في واشنطن ضد الحرب على غزّة (4/11/2023/Getty)

+ الخط -

صدر، قبل أيام، بيان مهم جدا صاغته مجموعة من المثقفين اليهود في أميركا (كتّاب وموسيقيين ومغنين وممثّلين ومخرجين وصحافيين وأكاديميين)، وقع عليه آلاف من اليهود في العالم، وحمل شكل رسالة موجهة إلى المجتمع الدولي والعالم وإسرائيل، ويتحدّث عن نقطة مهمة جدا، وهي سعي إسرائيل، ومعها المجتمع الدولي، إلى تحويل أي انتقاد لإسرائيل إلى معاداة للسامية، معتبرين ذلك نوعا من التكتيك الخطابي الذي يحمي إسرائيل من المساءلة عن جرائمها، ويعطي التبرير لأميركا لإنفاق ملايين الدولارات لدعم الجيش الإسرائيلي المحتل وإنكار السيادة الفلسطينية واعتبار مقاومة الاحتلال فعلا إرهابيا واقعا تحت بند معاداة السامية، ويتم من خلاله قمع كل انتقاد لما تفعله إسرائيل، ما يضع حرية التعبير في أميركا والعالم في مكان خطر جدا. ويتحدّث البيان أيضا عن أن معاداة السامية تحوّلت إلى مظلوميةٍ، يتم الاستثمار بها لتبرير المشروع الصهيوني المخالف أساسا للتعاليم اليهودية التي يراها كاتبو الرسالة تقوم على فكرة إصلاح العالم ونقد السلطة والتشكيك بها والدفاع عن المظلومين ضد الظالم. ومن هذه النقطة، يرى كاتبو البيان أن واجب كل يهودي اليوم دعم الفلسطينيين في الحرب الظالمة التي تشنها دولة الاحتلال، والتنبيه إلى خطورة ما يحدُث، والدعوة والضغط لوقف الحرب فورا.

تتحدّث الرسالة الطويلة أيضا عن الآلية التي جرى بها في الذاكرة الجمعية الشعبية الخلط بين اليهودي والإسرائيلي الصهيوني، ما سهل على إسرائيل كل اعتداءاتها وجرائمها ضد الشعب الفلسطيني، ومنحها الذرائع لتكون دولة فصل عنصري، ينظر كل من يؤيدها إلى الفلسطينيين والعرب والمسلمين بوصفهم مشتبها بهم أو إرهابيين، من دون الأخذ بالاعتبار كتلة العنف الرهيبة التي مورست ضدهم عبر عقود بسبب المشروع الصهيوني.

تتحدّث هذه الرسالة الطويلة عن مواضيع، مثل المشروع الصهيوني والاحتلال ومعنى أن تكون يهوديا، وعن العرب وعن السلام العالمي وعن حرية التعبير وعن القمع، بمنطق علمي وثقافي وإنساني وسياسي جاد في وقته تماما. وعرّى حقيقة ما يحدُث، ووضع النقاط على الحروف من حيث المسؤولية القانونية والسياسية والإنسانية، من دون أي التباس أو خلط بين الضحية والجلاد. وربما يجب القول إن إحدى الصحف الأميركية لم توافق على نشر الرسالة خشية عواقب جرأتها، فتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، ليسارع إلى التوقيع عليها آلاف اليهود في العالم.

ليست هذه الرسالة التضامن الدولي الوحيد مع فلسطين في الحرب الجارية على قطاع غزّة، ذلك أنه رغم محاولات النظام الحاكم في العالم الأول اتّخاذ كل الإجراءات التي تمنع أي نوع من التضامن مع غزّة (منع مظاهرات واعتقالات وتسريح من العمل ومحاكمات وترحيل وتهديد بسحب الجنسية)، إلا أن شعوب هذا العالم لا تتوقّف عن التعبير عن التضامن، إذ شهدت مدن عديدة في الغرب مظاهرات حاشدة وضخمة رفعت فيها الأعلام الفلسطينية رغم قرارات بعض الدول منع هذا، وعلت فيها هتافات ضد إسرائيل، رغم اتهامات معاداة السامية. ولم يتوقف النشطاء في العالم لحظة واحدة في كل مناسبة أو اجتماع دولي عن الحضور ورفع العلم الفلسطيني والتنديد بجرائم إسرائيل بكل الطرق الممكنة. وتعجّ أيضا وسائل التواصل بفيديوهات لمشاهير "السوشال ميديا" في العالم تندد بالاحتلال أو تسخر منه. كما أن كثيرين من مثقفي العالم وأهم نجومه أعلنوا تضامنهم مع فلسطين وتنديدهم بالحرب، واعتبار نتنياهو والنظام العالمي المؤيد له مجرمي حرب ويجب محاكمتهم.

أعادت الحرب الوحشية على غزّة الاعتبار للقضية الفلسطينية بعد وقت طويل من تجاهلها أو تناسيها؛ وفضحت حقيقة النظام العالمي الحاكم وآلياته ونظم تفكيره؛ فإذا كان التضامن مع غزة ضد الحرب المحرّك الأول لهذا النشاط الشعبي والنخبوي العالمي، فثمّة سببٌ مضاف أيضا لذلك، وهو التمرّد على محاولات قمع حرية التعبير ورفض الهيمنة السلطوية على الشعوب، والاحتجاج الصارخ على التكتيك المستخدم لفرض الاستبداد في مجتمعاتٍ لطالما كانت تتباهى بحريتها.

في إعلانها تضامنها مع غزّة، تقول الممثلة اليسارية المشهورة سوزان ساراندون: "ليس من الضروري أن تكون فلسطينيا حتى تهتم بما يحدُث في غزة، أنا أقف مع فلسطين، إذ لا أحد حرٌّ حتى يتحرّر الجميع". أفكر وأنا أقرأ ما قالته ساراندون وغيرها من نجوم العالم ومثقفيه، وأرى المظاهرات، بكيف يمكن أن نجعل كثيرين من العرب، لا الشعوب فقط، بل أيضا النخب الثقافية والفنية، يفهمون فعلا ماذا تعني مفردة الحرية.

BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.