عادل إمام وبركات "دسوقي أفندي"

23 مايو 2024
+ الخط -

في عيد ميلاده الـ 84، يكون "دسوقي أفندي"، وعادل إمام أيضاً، في كامل بهائه الشعبي خفيف الظلّ، البسيط بساطة الناس التي تريد أن تنحت لها اسماً وشأناً، في سماء عمله مساعداً في مكتب محاماة، هذا الدورالذى مَشى مع إمام بشكل ما، مع المبالغات، بالطبع، كما في "المنسي" عاملَ تحويلَة، وخروجه عن سياق البساطة كما في "الهلفوت"، نزولاً إلى بهارات السوق، أو محافظةً على ذلك الهامش البسيط بمصداقية الفنّ مع محمد خان، كما في "الحرّيف" و"كراكون في الشارع"، وإن تغلّب على "كراكون" الجانب الهزلي كثيراً مع السخرية المُرّة، الذي يمسخ لك القضية الأصلية من الأصل، ويُبقي الجانب الضاحك.

في عيد ميلاده الـ 84، يكاد الواحد أن يقول إنّ ضغط السلطة أكبر بكثير من حساسية الفنّان ووحدته، وأمواله أيضاً، وإن كثرت، لأنّ السلطة تمتلك أحابيل الإنتاج والمواضيع التي تفرضها بطرق خفيّة، وبهارات السوق أيضاً، وإمام، خرج بمعادلة معقولة كي يحافظ لاعبَ سيرك على معادلة أكبر منه بكثير، معادلة تضبط إيقاعاتها السلطة من بعيد، والأموال أيضاً، ودهاليز السياسة، وتوجيهاتها المباشرة وغير المباشرة، وحتّى المواضيع المطروحة ومن يكتبها، ومن يرشّ عليها البهارات، فهل استطاعت ضحكات إمام أن تخفّف، إلى حد كبير، من ضغوطاتها، خاصّة أنّ رحلة عادل إمام استمرّت ستّين سنة، فكيف بعيال صغيرة، الآن، تستلم الأوراق جاهزة من الأمن كي تقول ما تريده السلطة، ومن دفاترها وحدها، إذاً لرحلته الصعبة، والمُمتدّة، ولمعادلته، التي حاول أن يجعلها معقولة لصورته، وللسلطة أيضاً، خلال ستّين سنة، لم تكن هيّنة أبداً، ولا نستهين بها أيضاً.

يظلّ عادل إمام على خطى "دسوقي أفندي"، بشكل ما، وإن اختلفت المواضيع، أو المخرج، أو المادة المكتوبة، أو الحقبة الزمنيّة لنشاطه في السبعينيات (الفترة الساداتية)، والثمانينيات أو التسعينيات، وما بعدهما، وهي "الفترة المباركية"، حتّى أفلام الضحك للضحك، كأفلام "رجب فوق صفيح ساخن" أو "شعبان تحت الصفر"، إلى آخره، كان ظِلَّ "دسوقي أفندي" هو قماشته التي نسج عليها نسبة كبيرة من شخصياته في أفلامه، سواء كان مغلوباً على أمره كما في "الهلفوت"، اللهم بعض أفلام سنواته الأخيرة، حينما جعل من المُمثّلين الشباب حوله بطانةً تخدمه، مع وجود بطلة تُسيّل اللعاب مثل الممثلة اللبنانية نيكول سابا، أو غيرها، واجهةً أنثوية للشُبّاك، وحتّى بعض ثيمات مسرحياته، فيها ظِلّ "دسوقي أفندي"، باستثناء زعامته الواضحة لمدرسة المشاغبين، التي اعتبر المخرج جلال الشرقاوي أنّ الغلبة الفنّية وانطلاق الموهبة كالصاروخ ستكونان من نصيب سعيد صالح، إلا أنّ ذكاء عادل إمام بمفرده، وبساطته، جعلاه يقود سفينته الفنّية بنجاح لأكثر من نصف قرن.

فترة عادل أمام "المباركية"، من 1981 حتّى ثورة يناير (2011)، كانت هي تلك السنوات التي جمّع فيها عادل إمام معظم غلاله الفنّية من أفلام ومسرحيات ومسلسلات، لما يقرب من ثلاثين سنة، ولم تحدث له أيّ مضايقات تُذكَر، وكانت غمزات عادل إمام مع النظام المباركي هيّنة وليّنة وشبه محفوظة وضاحكة، ومن عصب النظام الحيّ، وقد تركت له مساحات الضحك السياسي (أو الزغزغة)، خلفيةً للتنفيس فقط، وليس أعمالاً فنّية مُربِكَة للسلطة، والدليل على ذلك، سلسلة أفلام عادل إمام عن الإرهاب كلّها ظهيرٌ فنّي للسلطة المباركية، حتّى وصل به الحال إلى السفر بمسرحه إلى أسيوط، وأيضاً، عدم إدلاء عادل إمام بأيّ تصريح قبل ثورة يناير أو خلالها أو بعدها. وأتذكّر أنّ عصام سلطان، وهو يصول ويجول مع بقايا نظام مبارك قضائياً، وخاصّة قضية أرض الطيارين، إذا بعادل إمام يخرج إلى القناة التلفزيونية، التي تُجري حواراً مع عصام سلطان، ويقول له ساخراً: "ما تقعد يا أخي وتهمد شوية"، وكانت تلك رسالة واضحة نقرأ شفراتها، للآن، خلال سجن عصام سلطان للآن.

كان عادل إمام شريكاً فنّياً مع السلطة المباركية، ومن أقوى شخصياتها في الشارع الفنّي المصري، لدرجة أنّ محمد الباز لم يجد من شخصيةٍ يشاكس بها شخصيةَ الشيخ متولّي الشعراوي، المُسيطرة شعبياً ودينياً ومجتمعياً، سوى شخصية عادل إمام، وألّف في ذلك كتاباً، وتلك نادرة عجيبة، وهي أن تؤلّف الكتب بطريقة المُكايدة، وضفيرة ابنة عمّي أطول من ضفيرتك.

ولكن، يظلّ عادل إمام، هو ذلك الفنان الذكي، الذي استطاع أن يجيد اللعب مع السلطة في المناطق المُتّفق عليها، وما يعطيه الشبّاك خيراً وبركة للفنّان، وتظلّ السلطة سعيدةً بالضحكات التي تطيل عمرها سنة وراء أخرى. هل هكذا أحسّ الرجل بالتعب من تلك اللعبة، وأراد أن يرتاح بجوار أحفاده، بعدما أصبح الضحك عملة نادرة؟