خبر سار: تأجيل المجلس الوطني الفلسطيني

11 سبتمبر 2015

اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في 1988 (أ.ف.ب)

+ الخط -
أنباء سارة أخبرتنا أن اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني تأجل، وأن المقامرة قد انتهت، بعد أن كادت تعصف بالكل الفلسطيني، وتنحدر بالقضية الفلسطينية إلى هاوية جديدة، وتفقد منظمة التحرير الفلسطينية مكانتها وشرعية تمثيلها، وتعيد الشعب الفلسطيني إلى الوراء، بحثاً عن كيان قد تهاوى، وبيت تزلزت أركانه، وتعمق الانقسام فيه. 

على أن ثمة دروساً واستنتاجات، وربما حكايات وأسرار، لما دار في الأسابيع الأخيرة، منذ الاستقالات الجماعية لرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وأعضائها، وطلبهم عقد جلسة استثنائية لإعادتهم مجدداً إليها، بعد استبعاد رفاق الأمس ممن يقفون معهم على الأرضية السياسية نفسها، مع ما يشكل ذلك من مخالفة جسيمة للنظام الداخلي، وتلاعب في بنية المنظمة وتقاليدها، وإعادة تشكيلها بما يلائم هوى بعضهم إلى التراجع عن ذلك كله، والرضوخ للإرادة الجماعية للقوى الحية في الشعب الفلسطيني، والانصياع لرغبتها في عدم عقد الجلسة، وفق الظروف القائمة.
بدايةً، لا بد من الاعتراف أن حالة الإرباك والتخبط في القرارات، وعدم وضوح الرؤية، وتفصيل الأنظمة والمؤسسات والهيئات والأطر، لتتناسب مع مصالح بعضهم الضيقة، هي سمة عامة تلازم قيادة السلطة الفلسطينية، في مجمل تصرفاتها السياسية والإدارية والتنظيمية، ومن خلال إدارتها المفاوضات والعملية السياسية، وافتقادها الفعلي للرؤية الاستراتيجية، لإدامة الصراع ضد العدو الصهيوني، عبر استمرارها في التنسيق الأمني، وتخليها عن مختلف أدوات مواجهة العدو وأساليبها، من الكفاح المسلح إلى الانتفاضة والمقاومة الشعبية، وحتى في مواجهتها المتراخية للعدو في المحافل الدولية. وبدا هذا الارتباك في أجلى صوره، عبر المغامرة الفاشلة لعقد المجلس الوطني الفلسطيني.

تم تأجيل انعقاد المجلس، بعد إجماع الفصائل الرئيسية من الجبهة الشعبية وحركتي حماس والجهاد الإسلامي على رفض انعقاده بالصورة والزمان والمكان وشكل التمثيل والهدف من الدعوة إلى الاجتماع، مطالبين بعقد اجتماع للإطار القيادي الموحد لمنظمة التحرير، والذي تم الاتفاق عليه منذ سنوات، وتشكيل لجنة تحضيرية لإعادة تشكيل المجلس الوطني، بما يتلاءم مع المتغيرات في الساحة الفلسطينية. وقد ترافق ذلك مع حركة شعبية نشطة ضد انعقاد المجلس، شملت التوقيع على العرائض من شخصيات وطنية وأكاديمية في الوطن والشتات، إضافة إلى التلميحات بعقد المؤتمرات الشعبية، في حال الإصرار على عقد الاجتماع، وبدا هذا الحراك الشعبي والفصائلي والمدعم بعشرات المقالات والدراسات التي عالجت مسألة انعقاد المجلس، وكأنها دائرة تتسع كل يوم، وتهدد بحراك أوسع، وربما ببدائل أكثر ثورية فيما إذا تطورت الأمور.
اعتقدت قيادة المنظمة أن كل الأوراق بين يديها تستطيع أن تلعب بها كما تشاء، فكان أن اصطدمت برئاسة المجلس الوطني الفلسطيني نفسه التي رفضت مبدأ عقد جلسة غير عادية لانتخاب قيادة جديدة، وأن هذه الجلسة، في حال انعقادها نتيجة قوة قاهرة، لا تتعدى حدود صلاحياتها استكمال أعضاء اللجنة التنفيذية، بدلا من المستقيلين، ما اضطر قيادة المنظمة إلى الموافقة على عقد جلسة عادية، حسب النظام، على أمل أن تتمكن من تغيير صفتها، واعتبارها جلسة استثنائية، عند عدم توفر النصاب اللازم، تحت ذرائع شتى، وصلت إلى حد تشبيه المجلس الوطني بشركة، ولجنته التنفيذية بمجلس إدارتها الذي يفقد نصابه، ويتم تغييره بالكامل، إذا استقال نصف أعضائه، واضعين القانون التجاري في مواجهة النظام الداخلي لمجلس سياسي وطني بامتياز، وصولاً إلى استدعاء الآراء الشرعية التي تقول، إن الضرورات تبيح المحظورات. وسط تجاهل تام للأسباب التي دعتهم إلى إحياء مجلسٍ، وضعوه هم بأنفسهم في غرفة الإنعاش، قبل أكثر من ربع قرن، من دون أن يسمحوا له بعقد جلسة واحدة، على الرغم من الأحداث الكبرى التي تمت في تلك الفترة، من توقيع اتفاق أوسلو، إلى الانتفاضة الثانية واستشهاد الرئيس، ياسر عرفات، واجتياح الضفة الغربية والانقسام الفلسطيني وثلاث حروب تعرض لها قطاع غزة ووضع المخيمات في سورية وتعثر عملية السلام. كل هذه الأسباب لم تكن كافية لعقد جلسة واحدة للمجلس.
لم تعوّدنا القيادة الفلسطينية الحالية أنها تنصت تماماً للرغبات الشعبية، وإن كانت تضطر أحياناً إلى الانحناء أمام عاصفتها، كما حدث خلال حرب غزة صيف العام الماضي. لذا، يمكن القول، إن الموقف الشعبي وموقف الفصائل لم يكن كافياً وحده لثنيها عن قرارها، إذ إن قرارها غير المدروس أثار مخاوف أصدقائها وبعض حلفائها في المنطقة، من ردود الفعل على هذا القرار، فقد أعرب وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، عن خشيته من أي قرارات، أو مبادرات، قد تؤدي إلى الإخلال بالوضع القائم في المنطقة التي تشهد تغييرات متسارعة، ولم تكن الأردن ومصر وأطراف عربية أخرى مرتاحة لمثل هذه الدعوة، وما رافقها. ناهيك عما أثارته هذه الدعوى المفاجئة من مخاوف في صفوف أعضاء من قيادة فتح ولجنتها المركزية الذين توجسوا من الترتيبات التي يجري الإعداد لها، وهم في غالبيتهم لا يعرفون شيئاً عنها، ما دفع 14 عضواً في اللجنة المركزية إلى طلب تأجيل هذا الاجتماع الذي بدا لهم، وكأنه تحضير لتغييرات متماثلة في مؤتمر حركة فتح المقبل.
تأجيل اجتماع المجلس والدعوة إلى عقده، خلال ثلاثة شهور، تحمل احتمالات متعددة، فهي وإن كانت قد طوت مؤقتاً احتمال ظهور بدائل تعمق الانقسام الفلسطيني، إلا أنها تركت الباب مفتوحاً أمام أسئلة، تحدد الإجابة عنها تطورات المشهد الفلسطيني، وتتراوح الإجابات بين أن يكون هذا القرار مقدمة حقيقية لإحياء منظمة التحرير الفلسطينية، بدعوة الإطار القيادي الموحد الذي تشارك فيه حركتا حماس والجهاد الإسلامي، وتشكيل لجنة تحضيرية لإعادة تشكيل مجلس وطني فلسطيني جديد، أم أنه سيكتفي بالدعوة إلى الاجتماع بصيغته الراهنة خلال ثلاثة شهور، بعد أن تنضج بعض الظروف، إضافة إلى أن الصيغة الراهنة غامضة، هل هي صيغة دورة الجزائر 1988 (350) عضواً، حيث عقد آخر اجتماع للمجلس؟ أم صيغة مؤتمر غزة التي عدل فيها الميثاق (730 عضواً)؟ أم أن كل هذا القرار لا يحمل، في طياته، سوى إعادة المجلس الوطني من جديد إلى غرفة العناية الفائقة التي أخرج منها، وطي صفحته إلى أمد بعيد.

34BA9C91-C50D-4ACE-9519-38F0E79A3443
معين الطاهر

كاتب وباحث فلسطيني، عضو سابق في المجلس الثوري لحركة فتح والمجلس العسكري الأعلى للثورة الفلسطينية، ساهم في تأسيس الكتيبة الطلابية منتصف السبعينات، قائد للقوات اللبنانية الفلسطينية المشتركة في حرب 1978 منطقة بنت جبيل مارون الراس، وفي النبطية الشقيف 1982.