الحلال والحرام في عقيدة إيران النووية

الحلال والحرام في عقيدة إيران النووية

15 مايو 2024

مشهد لمحطّة بوشهر للطاقة النووية في جنوب إيران (29/4/2024 Getty)

+ الخط -

تزايدتْ في الآونةِ الأخيرةِ التصريحات الإيرانية عن احتمالِ توجّه النظام إلى تغيير عقيدته النووية، وجديدها أخيراً ما جاء على لسانِ كمال خرازي، كبير مستشاري المرشد، علي خامنئي، ومن القريبين إلى تفكيره. وعقيدةُ إيران النووية تحدّدها، بحسب النظام، فتوى أصدرها خامنئي عام 2010، وحرّمت "شرعًا" إنتاج أسلحة نووية أو حيازتها، كونها أسلحة دمارٍ شاملٍ لا تسمح "أخلاقيات" النظام الإيراني بها. المفارقة أنّ الفتوى جاءت بعد صدورِ قرار مجلس الأمن رقم 1929، والذي فرض عقوباتٍ غير مسبوقة على إيران دفعتها، في نهاية المطاف، إلى فتحِ منشآتها النووية أمام فرق التفتيش الدولية بموجب اتفاق جرى التوصّل إليه على مرحلتين: الأولى في جنيف عام 2013 والثانية في فيينا عام 2015. إلغاء الفتوى المُشار إليها يعني أنّ إنتاج سلاح نووي أو حيازته يمكن أن تغدو "حلالًا"، إذا توفرت شروطه التي أشار إليها خرازي، وفي مقدّمتها "تعرّض إيران لتهديد وجودي" (يقصد بذلك النظام، على الأرجح).

بعيدًا عن البروباغندا، يبدو واضحًا من تصريحات خرازي، وقبله قائد قوّة حماية المنشآت النووية الإيرانية، أنّ القلق باتَ يستبدُّ بإيران إزاء التحدّيات التي تعاظمت بعد صدامها العسكري المباشر الأوّل، وغير المتوقّع، مع إسرائيل (والتحالف الأمني الاقليمي - الدولي الذي استنفر لمؤازرةِ الأخيرة). اللافت أنّ تلميحات إيران إلى احتمال تغيير عقيدتها النووية جاء معطوفًاً على تصريحاتٍ تطلقها روسيا منذ مدّة بالاتجاه نفسه (من دون فتوى طبعًا) وتعكس في الحالتين شعورًاً حقيقيًّاً بالتهديد في ضوءِ الضعف البادي في قدرات البلدين التقليدية.

وتشهد إيران منذ الكشف عن وجودِ برنامجٍ نوويٍ سرّيٍ لديها مطلع عام 2003 نقاشاً مستمرًاً بشأن ما إذا كان الحصول على سلاحٍ نوويٍ يمكن أن يسبّب هجومًا عليها أم يمنعه (حرام أم حلال). ويذهب تيارٌ يمثله خصوصًا الحرس الثوري، ودوائر فكرية وسياسية مرتبطة به، إلى أنّ الخيار النووي يمثل ضمانة النظام الوحيدة في مواجهةِ التهديدات الخارجية. ويرى هؤلاء أنّ استخدام الغرب القوّة لإطاحة نظامي الرئيسين صدّام حسين ومعمّر القذافي ما كان ليحصل لو امتلك النظامان سلاحًا نوويًاً، بعكسِ كوريا الشمالية الذي دفع امتلاك نظامها سلاحًا نوويّاً الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، إلى اختيار الدبلوماسية في التعامل معها وبنديّة. وأمّا ما يخص هذا التيار فيرتبط دفعه إلى خيارٍ نوويٍ أيضًا برؤية إيران لنفسها باعتبارها دولة إقليمية لا تقلّ أهميةً عن باكستان والهند (القوتان النوويتان الجارتان). التيار الآخر في النظام الايراني، وإنْ كان يتفق مع القول إنّ إيران تستحقُّ أن تكون، بحكم مكانتها وأهميّتها، قوّة نووية، إلّا أنّه يرى أنّ ذلك لن يُحقّق لها الأمن الذي تنشده. على العكس، سوف يدفع امتلاك إيران سلاحاً نوويًاً العالم إلى عزلها ومحاصرتها وتحويلها إلى كوريا شمالية أخرى، ما يزيد الفجوة بين الدولة والمجتمع وقد ينتهي الأمر بثورةٍ، بمعنى حصول السيناريو الذي يسعى أنصار السلاح النووي إلى تجنّبه، وهو سقوط النظام، إنّما من الداخل. وما بين التيّارين، اختار المرشد موضعاً وسطاً يتمثّل في الدفعِ باتجاه وصول إيران الى "دولة عتبة نووية"، أي امتلاك القدرة على إنتاج سلاح نووي، إنّما إبقاء الأمر رهن قرارٍ سياسيٍ بخصوصِ إنتاجه فعليًّا.

ويبدو أنّ إيران تتّجه فعلاً نحو هذا الوضع، مستغلةً غياب الرقابة الدولية بعد انهيار الاتفاق النووي، عبر زيادة مستوى التخصيب (وجدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية آثار يورانيوم مخصّب بنسبة 83% في عدّة مواقع إيرانية قبل عامين). وتفيد التصريحات المتزايدة بشأن إمكانية تغيير عقيدتها النووية بأنّ إيران ربّما تستعد لإعلان نفسها قوّة نووية تحسبّاً للترتيبات التي تحاول واشنطن فرضها في المنطقة والعالم في ضوء حربي غزّة، وأوكرانيا، وسياسات احتواء الصين وتصعيد الهند. ولكن قبل أن تقرّر إيران التحلّل من "فتوى تحريم" النووي، وتفاجئ العالم، كما فعلت الهند وباكستان عام 1998، ينبغي أن تجيب عن السؤال المعلّق: هل يضمن هذا القرار حقًّا حماية النظام، وإذا كانت الإجابة بنعم، ينبغي حينها أن نفسّر سقوط/ إسقاط النظام الشيوعي عام 1991 في أكبر دولةٍ نوويةٍ؟