إطلالة على قناة عصام الخواجا في "يوتيوب"

إطلالة على قناة عصام الخواجا في "يوتيوب"

16 أكتوبر 2023
+ الخط -

في زمننا الراهن، حيث التطور التكنولوجي الهائل، يمكن اعتبار محتويات بعض القنوات على "يوتيوب" مصدراً مختصراً وفعّالاً للمعرفة التي تغطّي سائر الاهتمامات، وتوفّر للمتلقي ثقافة ومعلومات عامة في شتى المواضيع في زمن قياسي. ولعلّ قناة المصري الأميركي، الطبيب النفسي، عصام الخواجا، واحدة من أهمها، لكونه يطرح أفكاره القيّمة عن الأمراض النفسية والسلوكيات والظواهر المجتمعية، بأسلوب مباشر مبسّط، مستخدماً لغةً تمزج بين الفصحى والدارجة المصرية، ما يجعل الاستماع إليه يحقّق الفائدة والمتعة في آن واحد. عدد متابعيه خمسة وأربعون ألفاً، وهم في ازدياد مستمرّ، يتحاور معهم ويجيب عن أسئلتهم، ويُرشدُهم بتواضع، وبحرص الأب على الصحة النفسية لأبنائه، فيقسو عليهم أحياناً بصراحته وصدقه، لأنّه لا يؤمن بالطبطبة الكاذبة، ودائماً ما يحرّضهم على مواجهة ذواتهم من دون ادّعاء أو مكابرة.
أبدع عصام الخواجا، كما دائماً، في حلقته أخيراً، المعنونة "هذه الصفات يجب أن تتخلّص منها فوراً". جاء فيها: كلنا في نفس القارب. نحن في مرحلة تعلّم دائمة. نتعلّم وننضُج، ونسعى كي نصبح أفضل. وإذا لم ننجح، نعود لنتعلم من جديد. وفي سبيل ذلك، هناك صفاتٌ سلبيةٌ فينا، يجب أن تتخلّص منها فوراً، ولنتوقّف عن النظر إلى أنفسنا وإلى الآخرين، بمقياس من هو السيّئ ومن هو الجيّد. لو تفهّمنا ذلك بشكل أعمق، سوف ندرك أنه ينبغي علينا جميعاً أن نحدّ، قدر الإمكان، من صفاتنا السيئة، ونعظّم من صفاتنا الجيدة، ونطوّر وظائف القشرة المخّية العليا، كي لا نحكم على الآخرين بقسوة. الصفات التي يجب أن نتخلّص منها، متعلقة بأنفسنا أولاً، فالعلاقة بينك وبين نفسك سوف تنعكس على علاقتك بالآخرين، لأنّ عالمنا الداخلي هو ما يشكّل عالمنا الخارجي. علينا التوقف عن إطلاق الأحكام القاسية والتدخل في شؤون الغير، بذرائع محاولة الإصلاح والدعوة إلى الخير أو التوجيه والنصح (طالما أنك لست معالجاً نفسياً). ولنعترف أنّ هناك رغبة دفينة لدينا بالتدخّل في شؤون الآخرين، والتلذّذ بالاستماع إلى مشاكلهم، والشهوة لمعرفة أسرارهم، وهذا بمثابة افتراسٍ معنويٍّ لهم، فنضع أنفسنا، لا شعورياً، في مرتبة أعلى أخلاقياً. وعليه، ينبغي علينا كسر الشعور لدينا بالمثالية والكمال، من خلال التواضع قليلاً، والإقرار بأنّنا مثل الآخرين. لسنا مثاليين كما تظنّ. وبداخلنا تكمن الشرور ذاتها. ولنتخلّ عن الأخلاقية الكاذبة، حين تتوهم أننا الأعلى أخلاقياً. وفي ذلك تغليف هشّ لدوافعنا الشرّيرة.
 كما علينا في رحلة النضج أن نتوقّف عن ممارسة سلوكياتٍ يمكن وصفها بالعنف السلبي في التعامل مع الغير، مثل الصمت العقابي أو الكذب والاحتيال، للتخلّص من مأزقٍ ما، لعجزنا عن التعبير لفظياً عن دواخلنا من غضبٍ وغيظٍ ورفضٍ، فنُقدم على تصرّفات عدوانية مسيئة. مثل هذه السلوكيات منتشرة في المجتمعات التي لا تسمح بالتعبير عن الذات، وكلنا نُقدم عليها بطرقٍ متفاوتة، لعجزنا عن المواجهة في أحيانٍ كثيرة. من يعبّر عن نفسه بقوة وثقة في الذات لن يكون مضطرّاً إلى سلوكياتٍ احتياليةٍ خبيثةٍ عنيفة سلبياً، بدلاً من اعتماد الصراحة والمباشرة والوضوح وسيلة وحيدة للرضا عن النفس. وينصحنا الخواجا بالتخلّص من عدم الجدّية في الأقوال والأفعال وضرورة التزام المواعيد من باب احترام الذات، وعدم تقديم الوعود الكاذبة التي لا نقوى على تحقيقها، لأنّ في ذلك أذى كبيراً. 
تحية كبيرة للدكتور عصام الخواجا الذي يكرس الكثير من وقته وجهده، وهو يوصل إلى متابعيه في البلاد العربية أحدث ما توصل إليه علم النفس من نظرياتٍ نفسيةٍ بأسلوب سلس، يجعلك تدمن متابعته إذا رغبتَ حقاً في نهج حياة أفضل، تكون فيه إنساناً سويّاً ناضجاً متصالحاً مع ذاتك، قادراً على كسب احترام المجموع وتقديره.

AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.