انتهى الموسم.. دراما بلا هوية

انتهى الموسم.. دراما بلا هوية

18 يوليو 2015
من مسلسل "تشيللو" (المستقبل)
+ الخط -
أحد التساؤلات الملحة التي تفرض نفسها اليوم عند كل متابع لمضامين الدراما العربية، خصوصاً بعد انتهاء الموسم الدرامي الرمضاني الحالي، هو مدى قدرة هذه الأخيرة على التحدث بلغة شارعها، وما مقدار تمثيلها له، وبالتالي ما إمكانية تواصلها معه، وتأثيرها فيه؟

من حيث المبدأ تعد الدراما صورة عن المجتمع، فناسه وقضاياهم هم في صلب موضوعاتها واهتماماتها، والصراعات الإنسانية اليومية فيه، هي التي تشكل حبكة حكاياته، أما أبطالها فهم صورة عن أناس نعرفهم، أو من المحتمل أن نعرفهم كونهم يتقاطعون معنا في شيء من تفاصيل حياتهم. ذلك كله يجعل الدراما التلفزيونية نماذج لحياة نعيشها، ومرآة لذواتنا ولتجارب نخوضها واختبار لأخرى، وبهذا المعنى تتجاوز الدراما التلفزيونية دورها في الترفيه والتسلية نحو أدوار أخرى كالتأثير والتبشير بوصفها نموذجاً للعبرة وحالة التطهير الأرسطي، فالشيء بالشيء يعرف، وبمقدار ما تتوغل الدراما في المجتمع بمقدار ما تمتلك مفاتيح التأثير فيه.

أسئلة مشروعة
تلك المهمة المأمولة للدراما التلفزيونية، تشبه إلى حد كبير مهمة المسرح، الأمر الذي قد يوحي بسهولة تنفيذها من قبل صانعيها، كون غالبية ممن يساهمون في تشكيل المشهد الدرامي التلفزيوني العربي، ولاسيما السوري، هم من خريجي المعاهد المسرحية المتخصصة، وفيها تتلمذوا على قواعد المسرح وأخلاقياته وأدبياته، وبالتالي ليس غريباً عليهم الحديث عن دور للدراما التلفزيونية يتجاوز حيز الترفيه، وإدراك أهمية أدوار أخرى لها في مجتمعاتهم بوصفهم أصحاب رسالة إنسانية، ولكن إلى أي حد بالفعل وجدت تلك الرؤية المفترضة عن صانعي الدراما تجلياتها العملية على أرض الواقع؟

إلى أي حد تجاوز الفنان، كاتباً كان أو مخرجا أو ممثلاً، مساحته المفترضة في بث الروح بشخصيات الورق التمثيلية، نحو بث الوعي فيها؟ هل يمكن أن نعد أن صانعي الدراما قادة للرأي عام، أو مساهمون في تشكيله؟

اقرأ أيضاً: لهذه الأسباب تَيْم حسن ليس وسيماً أيّتها السيّدات

لعل قدرة الدراما على التغيير المجتمعي صعبة، ولكن هل تعجز عن تحريك الماء الراكد فيما يخص قضايا المجتمع بطرح الأسئلة، وهل إيماننا بأن الدراما لا تقوى على التغيير، يعني أن تأخذ دور المتفرج السلبي، أو الجاهل، والمتجاهل؟

الهوية الضائعة
لطالما كانت تلك الأسئلة موضع جدل لا ينتهي داخل المجتمع الفني، النقاد، صناع الدراما، الصحافيين والمشاهدين. بين من يرى أن الدراما مجرد حكايات تقدم العبرة وتثير الأسئلة حول المشكلات والقضايا المجتمعية فقط، وبين من يرى أن على الدراما تقديم أجوبة وحلول لتلك المشكلات، ولننتبه هنا كيف أن المتجادلين متفقون على دور مجتمعي للدراما التلفزيونية، وخلافهم يقتصر فقط على تقدير حدود هذا الدور، وهو ما تفاقم بطبيعة الحال في السنوات الأربع الأخيرة وسط كل ما تمر به المنطقة العربية، وخصوصاً "مصنعَي" الدراما الأكبر في العالم العربي، أي سورية، ومصر.

إلا أن عوامل خارجية تتعلق بشرط الإنتاج والتسويق والمشاهدة، وأخرى داخلية تتعلق بضعف النص التلفزيوني وغياب مفهوم الصناعة عن الإنتاج التلفزيوني، كان من شأنها أن تعصف بكل الأدوار المحتملة للدراما التلفزيونية العربية لينحصر دورها في حيز الترفيه، وتتراجع علاقتها مع المتلقين بتراجع علاقتها مع واقعهم وضياع هويتها الخاصة، ورغم أن عدداً ضخماً من الناس يشاهدون الدراما التلفزيونية اليوم، إلا أننا لا نبالغ بالقول إن نسبة قليلة منهم تبقى تعنيهم حكاياتها، وهو الأمر الذي يؤكد أن الدراما التلفزيونية العربية، كثير منها لا كلها اكتفت بحيز الترفيه، حيث تقتصر علاقتها مع المشاهد على تسليته في دقائق معدودة، بعدها ينفض عقد الشراكة بينهما وكأنها لم تكن. ووفق هذا المنظور يمكن من المجدي أن نسقط صفة "العربية" وما يلحقها بطبيعة الحال من تسميات "قُطرية" ونكتفي بتسمية ما ينتج اليوم بـ"الدراما التلفزيونية"..


هكذا من دون هوية تميزه أكثر من كونه مادة درامية معدة للعرض التلفزيوني. ومع إسقاط هوية الدراما التلفزيونية، لابد من إسقاط/ تجاهل هوية المكان الذي تدور فيه، ليس فقط لكسر أي حالة إيهام بأن هذه الدراما تخص مجتمعا دون آخر، وإنما لتلافي مساءلته أيضاً عن مصداقيته في نقل صورة المجتمع الذي يتحدث عنه.

فرجة مجردة
وفق تلك الصورة فقط يكتسب كثير من مسلسلات الموسم الدرامي الحالي، ومواسم قبله بطبيعة الحال، مشروعية وجودها وأسلوب مشاهدتها، ولنكف عن البحث عن ظلال مجتمعاتنا في تلك الأعمال، ولنكتف بمشاهدة ضمن شرط الفرجة المسلية فقط وفي رسالة مجردة عامة تشبه تلك التي نخلص إليها عادة من حكايات الجدات، وبالتالي فلنكتف من "تشيللو" بعبرة الفكرة المتأتية من جنون المال حين يعصف بالحب وقدرة هذا الأخير على مقاومة إغراءاته أو تطويع المال لصالح العاطفة، ولنتتبع كيف أن صراع المافيا والفساد سيأكل أصحابه في مسلسل "العراب" (بنسختيه اللتين عرضتا هذا العام)، ولنستمتع بقصص الشهامة وأخلاقيات أهالي الحارات في مسلسلات ما يعرف بدراما البيئة الشامية في أجزائها التي لا تنتهي، ولنتنفس عطراً ونمتع عيوننا بمسلسلات الـ"بان آراب" وخلطاتها العجيبة للممثلين.. ونتلصص على أجزاء "صرخة روح" بوصفها عالماً ليس لنا، ولندع مساءلة هذه المسلسلات وسواها، عن ذواتنا الغائبة أو المشوهة فيها، فهي تمر بحالة غريبة من انفصام الشخصيّة تجاه واقعها.

اقرأ أيضاً: دراما رمضان: انتظروا العرض الثاني

المساهمون