مكرم محمد أحمد من التطبيع إلى "اجتماع الفتنة"

مكرم محمد أحمد من التطبيع إلى "اجتماع الفتنة"

13 مايو 2016
يواصل مكرم محاباته للأنظمة (العربي الجديد)
+ الخط -
يحتفظ الصحافي الثمانيني مكرم محمد أحمد بتاريخ مهني مرتبط بالنظام السياسي المصري، فهو لا يحيد عنه، بل يُعتبر رجل المهام الحكومية الأصيل في المؤسسة الصحافية، حيث تستدعيه الحكومات المتعاقبة ليؤدي مهام الترويج لسياساتها والتصدي لمعارضيها.

مع اتجاه الحكومة لتوقيع معاهدة كامب ديفيد، استبق مكرم توجه السادات نحو الكيان الإسرائيلي، بلقاءات مع صهاينة، وأمام إصدار الجمعية العمومية لنقابة الصحافيين في 1980 قراراً شهيراً بحظر التطبيع؛ لم يلتزم مكرم بالقرار، بل هاجم رافضي التطبيع. ثم "تصادف" بعد هجومه ذلك أن عُين رئيساً لتحرير جريدة المصور ورئيساً لمجلس إدارة مؤسسة الهلال.
بالتأكيد لم يكن اجتماع مكرم مع مجموعة إسرائيلية في لندن سنة 1974 (قبل زيارة السادات للقدس بثلاث سنوات) محض اجتهاد شخصي، فهو توقيت ملتهب، وكانت مثل تلك الاجتماعات لا تعد طبيعية. ثم كان مكرم صاحب السبق الصحافي في نشر المسودة قبل الأخيرة لمعاهدة السلام بين السادات والإسرائيليين.

وقام مكرم برحلة إلى القدس المحتلة والبقاء بها لمدة أسبوعين استكمالاً لدوره المكلف به، في عدة حلقات، حين كان مديراً لتحرير الأهرام، وكتب عن زيارته بحجة التعرف على طبيعة المجتمع هناك. وفي تل أبيب التقى مكرم برئيس الوزراء الصهيوني مناحم بيغن، وأجرى معه حواراً مطولاً، نشر في 10 فبراير/شباط 1980 بالأهرام بعنوان "أسبوعان في إسرائيل حوار ساخن في مكتب بيغن رئيس الوزراء".

قبيل وفاة السادات، انتقل مكرم إلى مكتبه الجديد في مجلة المصور، مع منصبه الجديد في رئاسة مجلس إدارة دار الهلال، وبقي في مناصبه تلك لعشرين عاما في عهد المخلوع حسني مبارك، حيث ظلت مكانة مكرم المقربة من السلطة كما هي. وقد اعترف بعد ثورة يناير، بأنه كان يكتب خطابات مبارك التي كان يلقيها في المناسبات الوطنية لمدة عشر سنوات.



دعمت حكومة مبارك مكرم، في انتخابات نقابة الصحافيين لفترتين متتاليتين؛ من (1998-1991) ومن (1991-1993). كما دعمته الحكومة في انتخابات 2007، عبر تقديم بعض البدلات المادية للصحافيين في حال فوزه بالانتخابات، وهو اعتبره البعض رشى انتخابية تقدمها الحكومة لدعم مرشحها، وتمنعها حال فوز غيره.

لم تنته رحلة التطبيع في عصر مبارك؛ ففي مكتبه بمجلة المصور استقبل عدداً من الصحافيين
الصهاينة، في 29 أبريل/ نيسان 1984. ونشرت مجلة أكتوبر خبراً يقول إنه "استقبل عدداً من الإسرائيليين أعضاء حركة السلام الآن الإسرائيلية، وهم: يورام بن بورات، وجانيت أميغاد، وموسى بن آرتس، ودادا بن شتريت، بالإضافة إلى شمعون شامير رئيس المركز الأكاديمي الإسرائيلي في القاهرة".

لم تكن هذه اللقاءات المتتالية والسفرات المتعددة إلى إسرائيل لتتسبب في أي إزعاج نقابي لمكرم، مثلما حدث لزملاء له آخرين عوقبوا بسبب السفر إلى إسرائيل مثل حسين سراج، وعبد المنعم سعيد، ولطفي الخولي، أو حتى هالة مصطفى التي استقبلت السفير الإسرائيلي في مكتبها بالأهرام.

كما نشرت بعض الصحف أن مكرم محمد أحمد في دورته النقابية الأولى "فتح أبواب النقابة أمام مجموعة حاخامات تابعين لجمعية يهودية أميركية تهدف لتحسين صورة إسرائيل في العالم، ولكي يقلل من مسؤوليته عن ذلك العمل المخالف لقرارات الجمعية العمومية للنقابة، قال مكرم إنه استقبل هؤلاء الحاخامات بناء على تكليف من الرئيس مبارك، لتوضيح حقيقة الموقف المصري من إسرائيل واليهود عموما". وإجمالاً كان موقف مكرم محمد أحمد متماهياً مع نظام مبارك حتى لحظاته الأخيرة، يتم استدعاؤه في أي محفل يروج لسياساته، ومقالاته لم تكن سوى صدى لصوت الحكومة دائماً، وكان اتصال الرئاسة معه مباشراً لهذا السبب.

وبعد ثورة 25 يناير، سرعان ما ركب مكرم موجتها، كما وجد لنفسه مبرراً للحديث عن فساد عصر مبارك والتخلي عن أصدقائه السابقين، قائلاً في حوار صحافي أجري معه بعد الثورة: "كنا نرى ملامح الفساد في المجتمع لكن لم يكن أحد يعلم أن الفساد عميق للحد الذي شهدناه، وأي أحد يدعي ذلك ليس صادقاً، فمن الذي كان يعلم حجم الفساد الذي أعلن عنه رئيس جهاز الكسب غير المشروع، أو قوائم الأملاك التي يكشف عنها، وقوائم أملاك شخص مثل زكريا عزمي الذي كان يبدو أنه رجل بلا مصالح مترفعاً عن أي شيء ويمارس نقدا في مجلس الشعب للحكومة ويدعي أنه محارب للفساد في المحليات؛ فمن كان يعرف أن سلوك زكريا عزمي تغطية على فساد ضخم، ومن كان يعرف ليكتب، أو يتوقع كل هذه الأملاك لأي شخص مهما كان موقعه".

وكان بديهياً أن ينضم مكرم إلى كتائب الثورة المضادة، حيث دافع بشراسة عن إعادة عسكرة المجتمع الذي عاش لحظات نفوذه في ظلها، حيث تنفس الصعداء مع 30 يونيو، قائلاً: "السيسي أنقذ البلاد من غُمة الإخوان".



وكما اعتاد مكرم سابقاً مدح سياسات النظم العسكرية لم يختلف نهجه الآن، يتجلى ذلك في مواقفه وأقواله المتواترة مثل: "السيسي أثبت قدرته على فهم المصريين، وطبيعتهم، وطريقة تفكيرهم، وأثبت قدرته على مخاطبة عقولهم وقلوبهم"، "تيران وصنافير سعوديتان، والإخوان هم من يستغلون الأمر لإشعال فتيل الأزمة بين القاهرة والرياض"، و"ليست نقابة الصحافيين مأوى للمطلوبين للعدالة، ولو كان نقيباً لقام بتسليم الصحافيين المتهمين" وغيرها.

وها هو يجد فرصة جديدة لكي يعود للأضواء مرة أخرى بعد استدعائه لأداء دوره التقليدي في خدمة النظام، حاملاً رسالة شق الصف الصحافي. حين يقود تيار تعديل مسار النقابة، التي طُرد من مقرّها بعد ثورة يناير باعتباره أحد رموز نظام مبارك، وفقاً لبوصلة النظام، تحت مسمى "تصحيح المسار"، وهو الاجتماع الذي وصفه صحافيون بأنه "اجتماع الفتنة".​

دلالات

المساهمون