"بيت الرضواني" في الدوحة... عمارة تقليدية وتحولات اجتماعية

"بيت الرضواني" في الدوحة... عمارة تقليدية وتحولات اجتماعية

الدوحة

محمد هديب

محمد هديب
محمد هديب
كاتب وصحافي أردني
12 مارس 2019
+ الخط -
يمثل "بيت الرضواني" في قلب الدوحة أحد المعالم التاريخية، التي تختصر الحياة الشعبية القطرية، وتحولاتها منذ عشرينيات القرن الماضي، بما في ذلك، العمارة التقليدية التي استخدمت موادها الملائمة للمناخ، كما راعت الثقافة المحلية التي تحتاج بيوتاً بمواصفات معينة تلبي احتياجات العيش، ولا تصطدم مع ثوابت في العادات والتقاليد متفق عليها.

"بيت الرضواني"، يعود تاريخ بنائه إلى عشرينيات القرن الماضي، في موقع يفصل بين أقدم حيين في مدينة الدوحة، هما: الجسرة و مشيرب. وقد اشتراه علي أكبر الرضواني في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول 1936، وبقي ملكاً لعائلته لأكثر من سبعين عاماً.

بعد بنائه للمرة الأولى خضع البيت للتوسعة، وإعادة التصميم عدة مرات، وهو اليوم أحد أقدم البيوت تاريخياً في الدوحة.

عرف البناء في أواسط الثلاثنيات تعديلات في تصميمه، محتفظاً بجدرانه القديمة، مع هدم أجزاء أخرى وإعادة استخدامها في البناء الجديد، وهذه الممارسة كانت شائعة في ذلك الوقت.

ومع تكرار عمليات الهدم والبناء، كانت تتشكل تغيرات ملحوظة في مستوى ارتفاع الأرضية في كل بيت، أما من منظور علم الآثار، فإن هذه الممارسات أدت إلى تكوين طبقات متعددة غنية بالآثار.

من مميزات هذا البيت أنه يوثق أنماط الحياة التي كان يتبعها سكانه على مدى عدة مراحل زمنية، حيث يكشف الكثير من التحولات الاجتماعية التي شهدتها قطر على مر السنوات في القرن العشرين.

ويمكن أثناء التجول في بيت الرضواني تكوين فكرة عن كيفية تطوره مع مرور الزمن، وأيضاً كيفية تطور النمط التقليدي للحياة العائلية في قطر، خاصة من حيث إقامة العائلة في بيت يتوسطه فناء مفتوح يسمى الحوش.

ويستعرض البيت الذي أصبح أحد أربعة متاحف ضمن مشروع مشيرب – قلب الدوحة، حياة العائلة القطرية قديماً، عبر غرفة نوم بطرازها الهندي القديم وأثاثها المتواضع، والمطبخ القطري الذي يستخدم الأواني الفخارية القديمة، والأدوات المنزلية التي كانت تستخدم في إنتاج الخبز وإعداد الطعام، إلى جانب غرفة المعيشة بأثاثها البسيط، وآلة خياطة تجسد صورة المرأة القطرية التي كانت تعمل على حياكة ملابس أفراد أسرتها بنفسها، وغير ذلك.

منذ 1971 أصبح البيت مهجوراً بعد أن انتقلت عائلة الرضواني. وفي عام 2007 بدأ ترميمه، بعد إجراء أبحاث أرشيفية، ومقابلات مع أشخاص يعرفون تاريخ البيت، وإجراء مسح هندسي، لمعرفة إمكانية ترميمه بشكل آمن.

وتمت عملية الترميم باستخدام أساليب مواد البناء التقليدية قدر الإمكان، ولكن مع تبني أساليب الهندسة الحديثة التي دعت الضرورة إليها. فعلى سبيل المثال استبدلت الأعمدة الحجرية والعتبات الخشبية في الليوان، بعوارض من الخرسانة والفولاذ، بغية ضمان تماسك المبنى.

ورغم أن بيت الرضواني خضع خلال تاريخه للعديد من عمليات التوسيع، وإعادة البناء، إلا أنه احتفظ خلالها جميعاً بنمط البيوت القطرية التقليدية، التي تقوم على وجود فناء مركزي يتوسط البيت.

وعملاً بالتقاليد السائدة، فقد كان المنزل يراعي توفير الخصوصية للسكان. الواجهة الخارجية مثلاً تخلو من أي نوافذ، باستثناء المجلس الذي يستقبل فيه الضيوف.

كذلك فإن الوصول إلى المجلس يتم عبر ممر يبدأ من الباب الرئيسي للبيت، ثم ينحني بزاوية 90 درجة، كي يحفظ الخصوصية لمنطقة الحوش التي يوجد فيها أهل الدار، بحيث يتعذر على الضيوف رؤية الحوش ومن فيه.

أما سطح المنزل الذي كان يستخدم للنوم أحياناً خلال شهور الصيف الحارة، فإنه يتوارى عن الأعين، من خلال جدران عالية تحيط بشرفاته.

من السمات التقليدية الأخرى في المنزل أنه احتفظ بفكرة توزيع الغرف على محيط الحوش، كما تبين الغرف نمط المعيشة الذي يتغير تبعاً للظروف. فثمة غرفة، تظهر فيها مفردات الحياة لدى الجيل الذي سبق وصول الكهرباء، وغرفة أخرى تبين طبيعة الحياة اليومية للجيل الذي أعقبه مباشرة.





المساهمون