قصر سيغوبيا... عالم من الخيال والدهشة

قصر سيغوبيا... عالم من الخيال والدهشة

01 سبتمبر 2017
تصميم كأنه أحد قصور والت ديزني (Getty)
+ الخط -
عالم كامل من الخيال والسحر، تصميم كأنه أحد قصور والت ديزني، تكامل في الهندسة المعمارية وإطلالة تجعلك تظن أنك مطل على العالم بأكمله، إنه القصر في مدينة سيغوبيا الإسبانية القريبة من مدريد، التحفة المعمارية التي صنفت من ضمن أهم وأرقى خمس قلاع في أوروبا، وأهم قلعة في إسبانيا.


كيفما جئت هذا القصر سوف يحدثك بأصله العربي، وسيتعرف عليك مثلما ستتعرف أنت على نفسك أكثر فيه. تقع هذه القلعة أو هذا القصر على بعد ساعة من مركز مدريد، في مدينة تحفل شوارعها بالأسماء العربية، كما تحتفي بيوتها بطراز البيت الدمشقي الذي تركه المسلمون الأندلسيون فيه، وقلعة القصر هذه هي من أهم الشواهد المعمارية الفنية على أن حضارة كاملة وغنية بالمنجز الإبداعي والمعرفي قد مرت من هنا.

لقد بدأت هذه القلعة، والتي لم تزل تحمل الاسم العربي لها فهي تلفظ هنا في إسبانيا بـ"الكازار" أي القصر، كحصن عسكري عربي، تم بناؤه على يد سلالة من المرابطين الذين حكموا الأندلس في فترة ما يسمى بـ"ملوك الطوائف"، على أنقاض قصر روماني قديم، اذ بنى المرابطون حصنا حجريا في رأس جرف صخري كبير وذلك بهدف الحماية العسكرية من الغزوات التي كانت تتعرض لها المدينة، وذلك في عام 1122. وبعد ذلك تحول الحصن إلى قصر لسكن ملوك المرابطين الذي لم يدم طويلا.

عند سقوط الأندلس بيد الملكة إيزابيلا والملك فرناندو سقطت "سيغوبيا" مثلما سقطت باقي المدن الأندلسية واستولى الملك "ألفونسو الثامن" (1155-1214)، على القصر، اذ تشير الأدلة التاريخية إلى إقامته فيه، وسكنه مع زوجته الإنكليزية المسماة أليانور، اذ قاموا بترميمه وإغناء بنائه. وهكذا فقد بقي القصر طيل فترة القرون الوسطى واحدا من مساكن الملوك الفخمة في ضواحي مدينة مدريد التابعة لمملكة قشتالة، بالإضافة الى أنها استعملت كحصن أساسي في الدفاع عن المملكة.

لقد شهدت هذه القلعة حدثا تاريخيا هاما في تاريخ إسبانيا، ففيها تم تنصيب الملكة إيزابيلا الأولى في 12 ديسمبر/كانون الأول عام 1474 عندما انتشر خبر وفاة الملك هنري الرابع، وأصبحت هي أول ملكة تحكم مملكتي قشتالة وليون لوحدها، وتحدث تغيرات جذرية فيها، وبعلاقة الكنيسة بالحكم.

في عام 1587 قام المهندس المعماري المعروف فرانسيسكو دي مورا بهندسة حديقة القصر وببناء أبراج جديدة حادة ليجعله يستغني عن إحساسه العربي، ولينتمي أكثر الى الطريقة القوطية في البناء، وفي عام 1868 تحول القصر إلى سجن للدولة، ثم بعد ذلك عاد ليصبح من جديد مركزا للكلية العسكرية في عام 1896 وبقي كذلك قبل أن يتحول إلى متحف حربي، وبعدها إلى مكان عام للسياح، بعد أن اعتبرته منظمة اليونسكو العالمية إرثا ثقافيا عالميا من آثار إسبانيا الكثيرة ومنعت إجراء أي تغيير فيه، وأصبح أحد معالم البلاد السياحية.

حين تدخل القصر، تصاب بنفس الدهشة والمتعة التي تصيبك حين رؤيته من الخارج، وربما أكثر فالجدران المليئة بالزخرف، وباللوحات والقاعات الكبيرة التي تعلوها سقوف لها طابع إسلامي كامل من حيث شكل الزخرف الإسلامي، والألوان الذهبية والحمراء، والخطوط العربية، والزجاج الملون الذي يضفي على داخل القصر لوحة جديدة من أشعة الشمس التي تدخله وقد لونتها النوافذ، بالإضافة إلى مقاطع كاملة من القرآن الكريم تغزو الزوايا وتغزو قناطر الجس التي تميز العرب بإنشائها، اذ يعلو باب إحدى القاعات شعار الدولة الإسلامية في الأندلس بخط كبير ونافر "لا غالب إلا الله".

يتميز القصر بكثر قاعاته التي تختلف كل واحدة عن الآخرى، ولعل أهم هذه القاعات هي قاعة "اجيمس" وهي القاعة التي تضم العديد من الأعمال الفنية لرسامين إسبان مشهورين وخاصة من رسامي القرون الوسطى، وهناك القاعة المسماة بـ"قاعة العرش" التي تحتوي على الكثير من التماثيل ومنها التمثال المعدني للفارس الذي يمثل عنصرا هاما في الثقافة الإسبانية، وتليها قاعة الملوك التي تحتوي تماثيل لوجوه كل ملك من الملوك الإسبان.

لقد اتخذت شركة "والت ديزني" لأفلام الرسوم المتحركة، من الشكل الخارجي لبناء هذا القصر نموذجا للقصر الموجود في قصة "ساندريلا" المشهورة وذلك لشدة تناسق هذا القصر، ولاحتفاظه لحد الآن بشكله الذي يشبه شكل سفينة تبحر في أمواج من الويادن العميقة التي تحيط فيه، لتعود وترسم فيه عالما كاملا لم نكن نتوقع أن يكون يوما حقيقيا، وجميلا، أكثر من أي خيال.

المساهمون