الأغاني الفلسطينية... الموسيقى التي يعجز الاحتلال عن اسكاتها

10 مايو 2016
فرقة "دواوين" خلال حفلة في غزة (Getty)
+ الخط -
يعتبر الفلكلور الشعبي الفلسطينيّ من ركائز التراث المتوارث من جيل إلى جيل، والذي يعكس حياة الشعب الفلسطيني بجوانبها كافة، حيث يشكّل هذا التراث هوية ودليل وجود الشعب الفلسطيني المتجذّر في أرضه. 

وتعدّ الأغنية الشعبية أحد عناصر التراث الفلسطيني التي تعبّر عن القيم الفلسطينية التي آمن بها الشعب الفلسطيني، كما تعبّر عما يمر به في حياته اليوميةّ ومقاومته للاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ العام 1948، وهي أغانٍ تربطه بالأرض التي اقتلع منها دون وجه حق.
وللأغنية الشعبية الفلسطينية أشكال عدّة بحسب المناسبات، هناك أغانٍ للأفراح والحصاد والرثاء، كذلك أغانٍ تجسّد نضال الشعب الفلسطيني وتحثّ على قتال العدو، وهي أغانٍ تتوارثها الأجيال حفاظاً منها على الموروث الفلسطيني الذي يتعرض للسرقة والتحريف من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

وقد ساهمت عوامل عدّة في انتشار الأغنية الشعبية الفلسطينية لكافة أبناء الشعب الفلسطيني في فلسطين وفي الشتات، ومن هذه العوامل الظروف التي عاشها الشعب الفلسطيني بعد الاحتلال وما يعانيه من غربة بفعل اللجوء إلى دول أخرى والعيش خارج وطنه الذي ولّد لديه حنينا دائما وشوقا نحو الحريّة. هكذا انتشرت أغنية "يا يما في دقّة ع بابنا" منذ وقت طويل ولا زالت تُغنى حتى يومنا هذا في المناسبات الوطنيّة كافة وأحيانا في الأفراح والحفلات الفلسطينية المختلفة، وتقول كلماتها:
"يا يما في دقه ع بابنا
يا يما هاي دقة أحبابنا
يا يما هاي دقه قوية
يا يما دقة فدائية
يا يما عشاق الحرية
يا يما دقوا على بوابنا".

ومن أحد أنماط الأغنية الشعبية الفلسطينية "الموّال"، وهو فن غنائي شعبي شائع في معظم البلاد العربية، ويعتمد على الموسيقى المصاحبة للفنانين الشعبيين، لا على ضبط الوزن الشعري، وما يميّز الموال ظاهرة التلاعب بالألفاظ بحسب ما يريد مؤدّي الموّال.

وهنا نذكر أيضاً أغاني اللجوء، التي تناقلها الفلسطينيون للتأكيد على تمسكهم بحق عودتهم إلى بلادههم المحتلة مهما مرت السنوات. ومن بين هذه الأغاني تبقى أغنية "هدّي يا بحر هدّي" التي تقول كلماتها:
"هدي يا بحر هدي
طوّلنا بغيبتنا
وودّي سلامي ودّي
للأرض اللي ربتنا"
وعلى نفس المنوال تتابع باقي الكلمات في انعكاس للشوق والأسى الذي يرافق اللاجئين.

ومن ضمن الأغاني التي اشتهرت في المجتمع الفلسطيني منذ وقت طويل ولا زالت تُردّد حتى يومنا هذا رغم اختلاف كلماتها إلا أنها تحمل العنوان واللحن نفسه كأغنية "ظريف الطول" حيث إنها تعتبر من أشهر وأهم الأغاني الشعبيّة، كذلك "الدلعونا" المرتبطة بالدبكة وتُغنى على أنغام اليرغول أو المجوز أو الشبابة "الناي". والدلعونا تتغير كلماتها بحسب المناسبة، وقد تكون وطنية أو عاطفية ممزوجة بالحب والعشق والجمال، أما "الميجنا" فهي تعبر عن آلام وآمال الشعب الفلسطيني.


كذلك لأغنية "جفرا" مكانة كبيرة في الغناء الشعبي الفلسطيني، وهي تعتبر من الأغاني البدوية الفلسطينية، لكن مع مرور الزمن تطورت وصارت تُغني اللحن الوطني المقاوم المرتبط بالأرض، واختلفت كلماتها مع الإبقاء على نفس اللحن ونُسجت منها أهازيج شعبيّة تدل على أهمية هذه الأغنية لدى الشعب الفلسطيني.

واحتلت الأغاني الشعبيّة التي تُعنى بالأفراح، سواء في الخطوبة أو الزواج، جانباً مهمّاً في بناء الأغنية الشعبيّة الفلسطينيّة، ولا تقتصر الأغاني الشعبية في هذه المناسبة على وصف جمال العروس ووصف محاسنها فحسب؛ بل تركز أيضا على صفاتها الخلقية وما تمتاز به من أصل طيب وخلق كريم، كما أن من عادات الفرح الفلسطيني حلاقة العريس، وكانت تُغنى له أغنية "احلق يا حلاق" التي لا زالت تُغنّى في الأفراح القرويّة.

لقد صارت الأغنية الشعبية الفلسطينية شكلًا من أشكال مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، لأن الاحتلال لا يستطيع منع انتشارها وخاصة أنها متداولة بين أبناء الشعب الفلسطيني ومتوارثة عبر الأجيال، لأن الأغنية الشعبيّة المُقاوِمة هي جزء من التراث الشعبي الفلسطيني حيث تتشكل كلماتها من الحالة التي يمر بها الشعب الفلسطيني من حصار وتنكيل وتشريد وتهجير، لتكون أحد الأساليب التي تشجّع على مقاومة الاحتلال.

وساهم أيضاً في انتشار الأغنية الشعبيّة الفلسطينية عدد من المطربين والفنانين الفلسطينيين الذين غنّوا هذه الأغاني سواء بصورتها الأصلية أو بتوزيع موسيقي جديد يتماشى مع التطور وكي تنتشر هذه الأغاني في أوساط الشباب وصغار السن.

لقد ساهمت الأغنية الشعبية الفلسطينية بشكل عام في توثيق الأحداث التاريخية التي مرت على فلسطين، وهي ناتجة عن خصوصية المرحلة التاريخية التي مرت على فلسطين، وتعتبر بأنها تعبّر عن أصدق تعبير لأنها أساساً نبعت من الأمهات والجدّات الفلسطينيّات، وحُفظت في الذاكرة لأنها تعتبر تراثا صمد أمام كل التحديات لم يكن يتسنى له الصمود، إلا من خلال تعليمه وحفظه ومزاولته وتناقله من جيل إلى جيل.

وبرزت في السنوات الأخيرة مجموعة من المواهب الفلسطينية التي شاركت في برامج المسابقات التي تصوّر أغلبها في بيروت، والتي اختارت غناء الفلكلور الفلسطيني على كل الأنواع والأنماط الموسيقية الأخرى.
المساهمون