ووفقاً للصحيفة المذكورة، فإن الجيش الإسرائيلي يعتقد بأنه لن يحدث تسخين على الجبهة الشمالية، ولكن في حالة نفذ جيش النظام السوري تهديده بالرد، فإن هذا الرد سيكون موضعياً.
ووفقاً لمصادر أمنية تحدثت إليها الصحيفة، فإنه لا توجد في إسرائيل، حالياً، نية برفع درجة الاستعداد في الحدود الشمالية، حيث أوعزت الجهات الإسرائيلية المختصة للمواطنين في المستوطنات الإسرائيلية الشمالية بالإبقاء على روتين الحياة اليومية، على الرغم من تواجد أعداد كبيرة من القوات الإسرائيلية في الجليل الأعلى، حيث بدأ الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء مناورة عسكرية أعلن أنها الأضخم منذ 10 أعوام.
وتستمر هذه المناورات والتدريبات حتى مطلع الأسبوع القادم، وهي تحاكي مواجهة عسكرية مع "حزب الله"، يُحدّد فيها للجيش الإسرائيلي هدفُ حسم الحرب مع "حزب الله" وإخضاعه وعدم الاكتفاء بتوجيه ضربات قاسية له.
رسائل متنوعة وراء القصف
واحتل القصف الإسرائيلي بطبيعة الحال مكانة الصدارة في الصحف الإسرائيلية الصادرة اليوم الجمعة، ومع أن التوقعات بشأن الرد السوري المحتمل أو عدمه تباينت، إلا أن إجماعا واضحا كان على أن القصف يأتي ليوجه رسائل لأطراف مختلفة وفي مقدمتها روسيا، وإيران ودمشق.
وعلى صعيد التوقعات برد النظام السوري على الهجوم، اختلفت التقديرات، إذ ذهبت بعض الآراء إلى أن القصف جاء في توقيت "مثالي" بالنسبة لإسرائيل، على غرار عاموس هرئيل في صحيفة "هآرتس"، مقابل من توقعوا ردا سورياً هذه المرة، مثل ما ذهب إليه محلل الشؤون الأمنية في نفس الصحيفة، أمير أورن، الذي قال إنه ينبغي على إسرائيل أن تستعد لمواجهة رد سوري، حتى وإن جاء هذا الرد متأخرا، أو غير مباشر، كأن يصدر عن جهات غير سورية، رسميا، أو أن يستهدف موقعا آخر غير إسرائيل.
وفي سياق الرسائل الإسرائيلية من الهجوم، اعتبر رئيس مجلس الأمن القومي السابق، الجنرال احتياط ، يعقوف عامي درور، في مقال نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم" اليوم، أن قصف المركز السوري في مصياف يحمل رسالة أولى لسورية نفسها، بشأن تغيير في السياسة الإسرائيلية التي تركزت إلى الآن في قصف مواقع وشحنات أسلحة لحزب الله في الأراضي السورية، والانتقال إلى استهداف مواقع ومنشآت إنتاج السلاح التابعة للحكومة السورية والنظام نفسه.
ومع أن عامي درور يبدي نوعا من التساؤل عن سبب هذا التغيير في السياسة الإسرائيلية، فإنه يقول إنه من غير المستبعد أن يكون سبب هذا التغيير اقتناع الجهات ذات الصلة في إسرائيل، أنه إذا لم تبادر إسرائيل لعمل في هذا الاتجاه فقد ينشأ وضع يهدد الأمن الإسرائيلي، من حيث وصول منظومات سلاح متطورة لحزب الله تحسن قدراته القتالية بشكل كبير وجوهري.
وبحسب عامي درور، فإن العملية هدفت أيضا لتحديد رسالة إسرائيلية مفادها أن إسرائيل لن تسمح لحزب الله بالاستفادة من الفوضى السورية للحصول على أسلحة متطورة كاسرة للتوازن، من جهة، وأيضا منع إيران من بناء قواعد لها في سورية تسهل على حزب الله ورعاته في إيران من العمل مستقبلا ضد إسرائيل.
ويرى يعقوف عامي درور أنه من المهم أن تصل هذه الرسائل للاعبين الرئيسيين في سورية وعلى رأسهم روسيا وهو ما يفسر برأيه أهمية المحادثات التي أجراها نتنياهو مؤخرا في سوتشي مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
وبإجماع المحللين الإسرائيليين في الصحف الإسرائيلية، فإن الرسائل إلى روسيا وإيران وسورية، وإن كان لكل طرف رسالة يختلف جوهرها عن الأخرى، تصب كلها في الموقف الإسرائيلي المعلن منذ سنوات، بأن إسرائيل لن تسمح بانتقال أسلحة متطورة وكاسرة للتوازن إلى حزب الله ولبنان، من جهة، والموقف الأخير لحكومة الاحتلال وخاصة منذ إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب سورية، واشتراط إبعاد ومنع أي تواجد إيراني على الأرض السورية.
ويشير المراسل العسكري ليديعوت أحرونوت، يوسي يهوشواع، في هذا الصدد، أنه على الرغم من أن القصف الإسرائيلي جاء لترجمة التهديدات الإسرائيلية التي صدرت مؤخرا من عدة مسؤولين، بدءا برئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ومرورا بوزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، ومن ثم رئيس أركان الجيش، غادي أيزنكوط، لتكريس وتعزيز الردع الإسرائيلي، إلا أن التقديرات الإسرائيلية، بحسب ما يذكر يهوشواع تتوقع أن تسرع إيران بالذات من مخططات بناء مصانع الصواريخ في لبنان، استنادا إلى التفاهمات الإسرائيلية مع حزب الله، بعد ضرب مواقع ومقار الحزب في لبنان، وإبقاء المواجهة والقتال بين الطرفين، في الأراضي السورية.
مع ذلك يستطرد يهوشواع ليقول إن الوضع الجديد يضع إسرائيل أمام قرار جديد بشأن مواصلة هذه التفاهمات منعا للتصعيد، أم الاتجاه نحو فتح جبهة جديدة مع حزب الله.
في المقابل، اعتبر محرر الشؤون العربية في صحيفة هآرتس، تسفي برئيل، أن القصف الإسرائيلي يشكل نقطة تحول في الموقف الإسرائيلي مما يجري في سورية، وانتقال من موقف المتفرج والمراقب، إلى موقف الشريك الفاعل، الذي يريد أن يحدد هو الآخر شروطه لمستقبل سورية في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية.
ويذهب برئيل في المجمل إلى التركيز على أن الهجوم هو رسالة موجهة بالأساس لروسيا، بمعنى اختبار الرد الروسي، وهل ستقبل روسيا بالتفسير الإسرائيلي للخطوط الحمراء الإسرائيلية في كل ما يتعلق بمستقبل سورية، وأثر ذلك على أمن إسرائيل، مثل مسألة وجود وبقاء قوات لحزب الله وإيران في سورية، إضافة إلى توسيع إسرائيل، من خلال هذا القصف لمعنى وتعريف "مصالحها الأمنية في سورية"، والذي يتناقض مع المنظور الروسي لهذه المصالح خاصة في مسألة الدور الإيراني في سورية، وبقاء قوات لحزب الله ومليشيات شيعية تابعة وموالية لإيران على الأراضي السورية. وهو يرى أن روسيا مثلا تعتبر أنه من أجل ضمان استقرار نظام الأسد فهي بحاجة للتنسيق مع إيران والقوات الموالية لها على الأراضي السورية.
وفي هذا السياق، أشار عاموس هرئيل بدوره إلى أن الرد الأهم على العملية الإسرائيلية هو الرد الروسي. ويضيف أن "إسرائيل ستضطر إلى الانتظار عدة أيام لتعرف كيف تقرأ كل من موسكو وواشنطن وطهران التطورات الأخيرة، وأن الرد الروسي هو الأكثر أهمية، وهو رد لن يأتي فورا بالضرورة. فروسيا ليست معادية لإسرائيل، لكنها تهتم أولا بنفسها وببقاء نظام الأسد، وسيأخذ الروس بالحسبان تداعيات ما حدث على سياستهم في ميادين أخرى، وعلى شبكة علاقاتهم الشائكة مع الولايات المتحدة، التي تتصرف مؤخرا وكأنها حاضر غائب عن الشرق الأوسط".