ملف اللاجئين يهدّد الحكومة الألمانية... هستيريا منظّمة وميركل باقية

22 يناير 2016
لا بديل عن ميركل حالياً (جون ماكدوغال/فرانس برس)
+ الخط -
جاء قرار النمسا، أخيراً، بوضع حدّ لعدد اللاجئين الممكن استيعابهم على مدى الثلاث سنوات المقبلة، وتوجُّه سلوفينيا لاتباع الخطوة ذاتها، ليزيد من المحنة التي تعاني منها ألمانيا أساساً في ملف اللاجئين والخلافات التي تعصف بالائتلاف الحاكم في كيفية إدارة هذا الملف، بعدما زادت التحديات على جميع المستويات. ويتزامن ذلك، مع تراشق الاتهامات بين الأحزاب السياسية في البرلمان الألماني، وكان آخرها بعدما طالب رئيس كتلة حزب "اليسار" الألماني المعارض، ديتمار بارتش، بطرح الثقة بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وحكومتها نتيجة التخبّط والتعنّت في إدارتها لسياسة اللجوء.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل اعتبر المتحدث باسم السياسة الداخلية للكتلة البرلمانية لـ"الاتحاد المسيحي الديمقراطي"، ستيفان ماير، أخيراً، خطوة النمسا "إشارة واضحة بأنّه لم يعد من الممكن العمل كما في السابق، وبالتالي يجب تصحيح المسار". فيما أشارت ميركل إلى أنّ الحديث في مثل هذه الأوقات الصعبة هو في غاية الأهمية، في محاولة منها "لتبريد الرؤوس الحامية". ولفتت المستشارة الألمانية، إلى أنّ هناك ثلاث محطات ولقاءات سيكون لها دور في ملف اللاجئين خلال الأيام المقبلة. وتقتضي هذه المحطات، بالمشاورات الحكومية الدولية مع تركيا المرتقبة اليوم الجمعة في برلين، وأخرى مع بداية شهر فبراير/شباط المقبل في مؤتمر المانحين في لندن، بالإضافة إلى قمة الاتحاد الأوروبي منتصف فبراير/شباط المقبل.

وأكّدت ميركل، أنّ "بعد هذه اللقاءات تتوضح أمامنا الصورة حيث يصبح باستطاعتنا تحديد مكاننا من هذه الأزمة". لكن هذا الكلام، لم يرق لرئيس الحزب "الاجتماعي المسيحي"، هورست زيهوفر، الذي ردّ قائلاً، إنّ حزبه "لا يعتقد أنّ هناك حلاً أوروبياً في المستقبل القريب لتوزيع اللاجئين، وبالتالي يجب التصرف"، مطالباً بوضع ضوابط فعّالة على الحدود.

وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهها نائب ميركل، وزير الاقتصاد سيغمار غبريال للأخيرة وحزبها المحافظ "الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، خلال اجتماع حزبه "الاشتراكي الديمقراطي"، في ما يتعلق بملف اللاجئين وعدم التزامها بتعهداتها مع شركائها في الائتلاف الحاكم تجاه سياسة الاندماج، يرفض إغلاق الحدود، كون الاقتصاد الأوروبي القوي يعتمد على الحدود المفتوحة. أما نائب زعيم الحزب "الديمقراطي الحر"، وولفغانغ كوبيكي سأل المستشارة الألمانية عن الأسباب التي تمكّن النمسا من الإقدام على هذه الخطوة للحدّ من تدفق اللاجئين، بينما تعجز ألمانيا عن ذلك.

وبرّر المستشار النمساوي، فيرنر فايمان الخطوة التي أقدمت عليها حكومته بـ"الاضطرارية"، مشيراً إلى أن عدد اللاجئين الذي من الممكن لفيينا استقباله يجب ألّا يتجاوز 127500 لاجئ حتى العام 2019، بينهم 37500 حتى نهاية هذا العام.

ويبدو واضحاً، وفق ما يرى عدد من المراقبين، أن تخلّي أوروبا عن مسؤولياتها أجّج الصراع داخل الائتلاف الحاكم في ألمانيا. وتمدّدت الأزمة إلى الشارع الألماني، كون ملف اللاجئين بدأ يؤثر تدريجياً على حياة المواطنين اليومية من الأطفال إلى سائق الأجرة، على حدّ تعبيرهم.  حتى أنّ وزير المالية الألماني، فولفغانغ شيوبله، اقترح زيادة الضريبة على البنزين لتمويل "العبء الأوروبي"، على الرغم من أنّ السلطات كانت قد أكدت في بداية النزوح، أنه ليس هناك من زيادة على الضرائب. وهنا، يأتي تشكيك هؤلاء المراقبين بالمعايير القانونية والإنجازات السياسية والاجتماعية في البلاد، إذ بات النقاش بالأرقام صعباً ويخيف الرأي العام، خصوصاً عند الحديث عن لمّ شمل الأُسَر ومصاريف اللاجئين المستقبلية.

اقرأ أيضاً: 50 نائباً من حزب ميركل يعارضون موقفها من اللاجئين

وبات السؤال المطروح اليوم في الأوساط السياسية والإعلامية الألمانية عن التوقيت لحلّ هذه الأزمة. وارتفعت الأصوات المطالبة بنقطة تحوّل في سياسة اللجوء، خصوصاً أنّ البعض يعتبر أنّ الأمور خرجت عن السيطرة وفاقت طاقة البلاد. ويعتبر هؤلاء، أنّ ترك الحدود مفتوحة كان خطأ فادحاً. في حين يرى آخرون، أنّ الحل لا يخلو من المخاطر، والجميع يتحدث عن مشاكل من دون أن يكون لديهم أي حلول جذرية.

في المقابل، حذّر رئيس الكتلة البرلمانية في الحزب "الاشتراكي الديمقراطي"، توماس أوبرمان من افتعال الفوضى داخل "الاتحاد المسيحي"، باعتبار أنّ تداعيات أزمة اللاجئين قد تتسبب بأزمة حكومية، متهماً الحزب "الاجتماعي المسيحي" بإثارة "الذعر والهستيريا بشكل منظّم".

وفي موازاة ذلك، طالب رئيس كتلة "اليسار"، ديتمار بارتش ميركل بطرح الثقة بحكومتها في البرلمان، بعدما وقف الائتلاف الحكومي على طرفَي نقيض، وباتت الحكومة غير قادرة على العمل، وذلك بهدف تأمين الدعم لسياستها المتعلقة باللاجئين، في وقت لا تزال فيه ميركل متمسكة بموقفها الرافض لتحديد سقف أعداد اللاجئين. وقالت في لقائها الأخير مع الحزب "الاجتماعي المسيحي"، إنّ "ما نتفق عليه هو ضرورة خفض أعداد الواصلين بشكل ملموس، إنما يبقى الأساس العمل على الأسباب التي تدفع بهؤلاء إلى الهرب واضطرارهم لطرق أبواب أوروبا"، مؤكدة على أهمية إيجاد حلّ أوروبي لأزمة اللاجئين.

في هذا السياق، يعتبر محللون سياسيون أوروبيون، أنّه على الرغم من الفوضى والصخب الإعلامي بين السياسيين الموالين والمعارضين لميركل، لا بديل عنها حالياً، ولا قدرة لأي سياسي في إدارة الأزمة بشكل أفضل وبطريقة سحرية، وتقديم أوراق عمل يمكن أن توظف بطريقة أكثر برغماتية منها، على حدّ تعبيرهم.

وتقوم وسائل الإعلام إلى جانب السياسيين، أخيراً، بدور سلبي في هذا المجال، وتجاهلت الجهود التي بذلتها ميركل خلال عشر سنوات من الحكم، وهي التي حازت على ثقة الجميع كحامٍ لأقوى اقتصاد في أوروبا. وعلى الرغم من تخلي عدد من أعضاء حزبها عنها، لا تزال المستشارة الألمانية تتصدر نتائج استطلاعات الرأي، مع انخفاض ملحوظ لعدد المؤيدين لسياستها بحسب القناة الثانية الألمانية، والتي هبطت من 47 في المائة إلى 39 خلال شهر. 

وعن الدور الذي من الممكن أن تقوم به المعارضة في موضوع طرح الثقة، لا يرى فيه بعض المتابعين أي تأثير على المستوى السياسي، كون أحزاب المعارضة مثل "اليسار"، و"الخضر"، حضورها ضعيف داخل البرلمان، وانتقاداتها ليست سوى فقاعة سياسية، وفقاً لهؤلاء المراقبين. وتحاول هذه الأحزاب، استغلال الكباش القائم بين الأحزاب الرئيسية، إنما التأثير الأكبر يبقى للأحزاب المحافظة والتي تعارض بعض من سياسة ميركل تجاه اللجوء، إلّا أنّ مشاركتها في الائتلاف لا يدفعها إلى طرح الثقة بالحكومة. ويبقى الهدف رفع الصوت لخفض الأعباء الثقيلة عنها واسترضاء ناخبيها، بحسب المراقبين أنفسهم.

اقرأ أيضاً: التحدّي الكبير.. حكاية ألمانيا مع اللاجئين إليها

المساهمون