الموقف الأميركي من التحالف العربي: سعي لدور الوسيط يمنياً

10 أكتوبر 2016
مئات القتلى والجرحى بالغارة على صنعاء (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -
من المستبعد أن يكون للتصريحات الأميركية حول مراجعة الدعم المقدّم للتحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، بعد سقوط أعداد كبيرة من المدنيين في استهداف مجلس للعزاء في العاصمة اليمنية صنعاء، أثر حقيقي على سير العمليات العسكرية هناك، لكنه قد يوحي بأن واشنطن تريد أن تؤكد مركزها كوسيط في الحرب اليمنية، لمواجهة الانتقادات الموجهة أخيراً إلى التحالف العربي والدعم الأميركي له.
وجددت الولايات المتحدة، أمس الأول، انتقاداتها لسير عمليات التحالف إثر استهداف مجلس العزاء في صنعاء، وطالبت "كافة الأطراف" بإيقاف "الأعمال العدائية"، بلغة لا تُظهر الولايات المتحدة كطرف داعم للسعودية والشرعية اليمنية بقيادة الرئيس، عبدربه منصور هادي، بل بلغة تقترب من لغة "الوسيط" بين أطراف متنازعة، الأمر الذي يرسخ الانطباع السائد حول "مبادرة كيري"، وعدم انحيازها إلى الحكومة الشرعية في اليمن.
وعبّر مجلس الأمن القومي، التابع للحكومة الأميركية، عن "انزعاجه من التقارير التي تتحدث عن استهداف مجلس للعزاء في صنعاء، والتي في حال تأكدها، تنضم إلى سلسلة الهجمات المثيرة للقلق والتي تستهدف المدنيين اليمنيين"، داعياً جميع الأطراف "لوقف الأعمال العدائية". وأكد المتحدث باسم المجلس نيد برايس، أن "التعاون الأمني الأميركي مع السعودية ليس شيكاً على بياض". وأضاف: "مع مساعدتنا للسعودية للدفاع عن أراضيها، سنستمر بالتعبير عن قلقنا الجدي من كيفية إدارة الصراع في اليمن". وأعلن أن استهداف مجلس العزاء سيجعل الولايات المتحدة "تقوم بمراجعة فورية لدعمها المقدم إلى التحالف". كما أكد أن الولايات المتحدة "تسعى إلى الوصول إلى وقف فوري ونهائي للصراع التراجيدي في اليمن".
وختم المتحدث باسم مجلس الأمن القومي تصريحه بدعوة التحالف، الذي تقوده السعودية والحكومة اليمنية، والحوثيين، والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، إلى "الالتزام علناً بوقف الأعمال العدائية بحسب ما تم الاتفاق عليه في العاشر من أبريل/نيسان الماضي".
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت قبل نحو ثلاثة أشهر خفض المستشارين العسكريين، الذين يدعمون عمليات التحالف، من 45 مستشاراً إلى 5 مستشارين، إثر انتقادات وُجّهت إلى الإدارة الأميركية، بسبب سقوط مدنيين يمنيين جراء غارات للتحالف آنذاك. لكن مسؤولين أميركيين ذكروا أيضاً أن خفض عدد المستشارين، جاء بسبب عدم حاجة التحالف إليهم، الأمر الذي أكده المتحدث باسم التحالف، اللواء أحمد عسيري، الذي قلل من أهمية الخطوة. وجاء خفض أعداد المستشارين، تزامناً مع لعب الولايات المتحدة دوراً أكبر كوسيط بين الحكومة اليمنية والتحالف من جهة، ومليشيات الحوثي وصالح من جهة أخرى، خصوصاً مع ما بات يعرف بـ"مبادرة كيري"، التي طرحها وزير الخارجية الأميركي.


ويرى مراقبون أن مسألة "استهداف المدنيين" ليست مؤثرة في الموقف الأميركي في اليمن، فالرئيس الأميركي، باراك أوباما، الذي نال جائزة نوبل للسلام في 2009، لم يوقف غارات الطائرات الأميركية من دون طيار "درونز"، والتي تسببت بمقتل الآلاف من المدنيين في اليمن وباكستان وأفغانستان والعراق وليبيا ومالي وغيرها من الدول. لكن الولايات المتحدة تريد أن تُظهر تباعداً أكبر مع السعودية، حيال الملف اليمني، لتقوم بدور في إيقاف الصراع، الذي تراه هامشياً في مقاربتها للمنطقة، إذ باتت ملفات محاربة الإرهاب والتنافس مع روسيا على سورية، عناوين هذه المقاربة الأبرز.
ولم تضع الولايات المتحدة المليشيات المدعومة من إيران في العراق وسورية ولبنان واليمن، على بند مفاوضات "الاتفاق النووي الإيراني"، مما يؤكد الموقف الأميركي المتراخي تجاه هذه المليشيات، وتجاه الأدوار التي تلعبها لصالح إيران في المنطقة، ما يعتبر مؤشراً آخر لتفسير مساواة واشنطن بين الحكومة اليمنية ومليشيات الحوثي، في ظل مساعيها لإيجاد حل سياسي في اليمن.
في هذا السياق، لا يبدو أن أحداً يأخذ التصريحات الأميركية الأخيرة، حول وقف دعم التحالف العربي، بجدية، باعتبار أن واشنطن لم تظهر من البداية حماسها لعمليات التحالف العربي في اليمن، كما أن دعم السعودية عسكرياً خاضع لاعتبارات أخرى، تتعلق بتوازن القوى في المنطقة، مما جعل مجلس النواب الأميركي يُسقط الشهر الماضي مشروع قانون يحظر بيع الأسلحة الأميركية للسعودية، بسبب تقارير مشابهة عن استهداف المدنيين في اليمن، مع أن المجلس ذاته صوت على قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" أو "جاستا" والذي يستهدف السعودية، ويضر بعلاقتها مع الولايات المتحدة.
وفي مقابل عدم مشاركة الولايات المتحدة بشكل جدي، في دعم التحالف، فإن إيقاف الدعم العسكري المقدّم للسعودية بشكل عام، مستبعد في ظل الأوضاع الحالية، خصوصاً مع دعم السعودية للجهود الأميركية لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في المنطقة. ويرى مراقبون أن العلاقات العسكرية الأميركية-السعودية تخضع لحسابات معقدة، ربما تفوق حسابات الإدارة الأميركية والكونغرس، وتخضع لرؤية وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" والاستخبارات الأميركية "سي آي إيه"، لا سيما مع التباعد في وجهات النظر بين المؤسسات العسكرية الأميركية وإدارة أوباما، خصوصاً في ما يتعلق بالشأن السوري، ومقاربة التهديدات الروسية والإيرانية للأمن القومي الأميركي.
وأثار استهداف مجلس للعزاء في صنعاء موجة استنكار واسعة، شملت حتى التحالف العربي، المتهم بالوقوف وراء الهجوم، في الوقت الذي وعد فيه بالقيام بتحقيق حول الحادثة بتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية. وكانت قيادة قوات التحالف، قد أعربت عن "عزائها ومواساتها لأسر الضحايا والمصابين في الحادثة المؤسفة والمؤلمة التي وقعت في صنعاء جراء الأعمال القتالية الدائرة منذ استيلاء الانقلابيين على السلطة هناك"، بحسب البيان، الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية. وتضمّن البيان تأكيد قيادة التحالف أنه "لدى قواتها تعليمات واضحة وصريحة بعدم استهداف المواقع المدنية، وبذل كافة ما يمكن بذله من جهد لتجنيب المدنيين المخاطر". كما أكد "إجراء تحقيق بشكل فوري من قيادة قوات التحالف وسيسعى فريق التحقيق للاستفادة من خبرات الجانب الأميركي، والدروس المستفادة في مثل هذه التحقيقات".