اتفاق الكهرباء مع السلطة الفلسطينية: رهان إسرائيلي لمنع الانتفاضة

26 سبتمبر 2016
يخشى الاحتلال تدهوراً اقتصادياً يقود لانتفاضة ضده(جعفر اشتيه/فرانس برس)
+ الخط -
وقّع الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية قبل أيام اتفاقاً يسمح للأخيرة لأول مرة بإدارة قطاع الكهرباء في مناطق نفوذها في الضفة الغربية. ويمنح الاتفاق، الذي وقّعه عن الجانب الفلسطيني وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، وعن الجانب الإسرائيلي كل من وزير المالية موشيه كحلون ومنسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة الجنرال بولي مردخاي، السلطة الفلسطينية الحق الحصري في إدارة وصيانة شبكة توزيع الكهرباء وجباية المستحقات لمصلحة شركة الكهرباء الإسرائيلية.
ونصّ الاتفاق على قيام السلطة بتسديد الديون المتراكمة لشركة الكهرباء الإسرائيلية، من خلال تدشين مؤسسة جديدة تُعنى بجباية المستحقات المالية وتحويلها للجانب الإسرائيلي. وبموجب الاتفاق، فقد التزمت السلطة الفلسطينية بسداد المستحقات المالية المتراكمة لشركة الكهرباء الإسرائيلية، التي تبلغ قيمتها 1.78 مليار شيكل (نحو 475 مليون دولار). وحسب الاتفاق فستقوم السلطة الفلسطينية بسداد مبلغ 570 مليون شيكل (152 مليون دولار) فوراً، في حين سيتم تقسيط بقية المستحقات على دفعات. ويفترض أن يسمح الاتفاق بوضع حد لإجراءات شركة الكهرباء الإسرائيلية العقابية التي قامت خلال العامين الماضيين بقطع التيار الكهربائي عن مدن وبلدات ومخيمات الضفة الغربية بسبب التخلّف عن تسديد المستحقات المالية عليها. وقامت الحكومة النرويجية بالتوسط بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل في التوصل للاتفاق، الذي نصّ أيضاً على تشكيل طاقمي عمل فلسطيني وإسرائيلي يبحث فرص القيام بمشاريع مشتركة في مجال الطاقة في الضفة الغربية.
وتبيّن أن التحوّل في الموقف الإسرائيلي، الذي سمح لأول مرة للسلطة الفلسطينية بالسيطرة على أحد قطاعات البنى التحتية المهمة في مناطق نفوذها، جاء نتيجة القلق الإسرائيلي من تداعيات تدهور الأوضاع الاقتصادية في مناطق السلطة الفلسطينية وانعكاساته السياسية والأمنية. ويدل تزامن التوقيع على الاتفاق مع انفجار عمليات المقاومة الفردية في أرجاء الضفة على أن الجانب الإسرائيلي معني باستنفاذ الخطوات الهادفة لتوفير بيئة اقتصادية تقلّص من فرص انفجار الأوضاع الأمنية. وعبّر الوزير كحلون عن هذا التوجه، عندما كتب على صفحته على موقع "فيسبوك" أن اتفاق الكهرباء مع السلطة الفلسطينية "الذي يمكن أن يسهم في تحقيق نمو اقتصادي في الضفة الغربية يمثّل، مصلحة أمنية وسياسية واقتصادية من الطراز الأول لإسرائيل". واعتبر كحلون أن التوصل للاتفاق يدل على أنه بالإمكان التوصل لاتفاقات وتفاهمات من خلال إجراء مفاوضات "تتم من دون شروط مسبقة".
ووجدت الكثير من دوائر التقدير الاستراتيجي في تل أبيب أن اتفاق الكهرباء يمكن أن يمثّل نموذجاً لآلية عمل تسهم في إضعاف العوامل التي تشجّع الشباب الفلسطيني على تنفيذ العمليات الفردية، وتسمح في الوقت ذاته بوجود بيئة تؤهل الفصائل الفلسطينية لاستئناف العمل المسلح المنظم. وربط "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي بين الاتفاق ومخاوف إسرائيل من انفجار الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية. وحسب تقدير موقف نشره موقعه وأعده الباحث كوبي نيف، أشار المركز، الذي يُعدّ من أهم مراكز التقدير الاستراتيجي في تل أبيب، إلى أن مصلحة إسرائيل تقتضي عدم السماح بتوفير ظروف تدعو الفلسطينيين للاحتجاج على ظروفهم المعيشية، ولا سيما في ظل انقطاع الكهرباء عن الكثير من مناطق الضفة الغربية.


وشدد المركز على أن اتفاق الكهرباء يمكن أن يقلل من فرص توجيه الشباب الفلسطيني غضبهم تجاه إسرائيل، محذراً من أنه حتى لو طاول غضب الفلسطينيين في البداية السلطة الفلسطينية فإنه سرعان ما يتحوّل ويستهدف إسرائيل. وشدد التقدير على أن الاتفاق ينطوي على ثمار اقتصادية مهمة بالنسبة لإسرائيل، على اعتبار أنه يسمح لشركة الكهرباء الإسرائيلية باستعادة الديون المستحقة على المستهلكين الفلسطينيين، من دون الحاجة إلى قيام الحكومة الإسرائيلية باقتطاع المستحقات من عوائد الضرائب التي تجبيها لصالح السلطة الفلسطينية. وأشار المركز إلى أنه لو أقدمت إسرائيل على اقتطاع مستحقات الكهرباء من عوائد الضرائب، كان بإمكان هذه الخطوة أن تفضي إلى ردة فعل دولية غاضبة.
وتوقّع تقدير المركز أن يسهم الاتفاق بإغراء السلطة بعدم مواصلة خطها الدعائي ضد إسرائيل في المحافل الدولية. ووفقاً للتقدير، فإن اتفاق الكهرباء يمكن أن يشكّل مقدمة للتوصل لاتفاقات ثنائية أخرى في مجال البنى التحتية، ولا سيما المياه والاتصالات والبيئة وغيرها.
لكن على الرغم من التفاؤل الذي تبديه الدوائر الرسمية والبحثية في إسرائيل بشأن انعكاسات اتفاق الكهرباء مع السلطة الفلسطينية، إلا أن تنفيذ الاتفاق يعتمد على مدى تغيير الأوضاع الاقتصادية في أرجاء الضفة، على اعتبار أن تحسن الأوضاع الاقتصادية يعني تمكين الجمهور الفلسطيني من سداد مستحقات الكهرباء. ومن الواضح أن إصرار وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان على فرض عقوبات جماعية على الفلسطينيين في أعقاب سلسلة العمليات الفردية الأخيرة، لن يفضي فقط إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية ويقلّص فرص تطبيق اتفاق الكهرباء، بل إنه سيؤدي إلى إسدال الستار على إمكانية التوصل لاتفاقات بشأن قطاعات أخرى من قطاعات البنى التحتية.

المساهمون