اختبار جديد للبرلمان التونسي بعد الحكومة: تعديل النظام الانتخابي

اختبار جديد للبرلمان التونسي بعد الحكومة: تعديل النظام الانتخابي

04 مارس 2020
لقي مقترح "النهضة" معارضةً من أحزاب وبرلمانيين(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

بعد منحه الثقة أخيراً لحكومة إلياس الفخفاخ، خاض البرلمان التونسي مجدداً أمس الثلاثاء غمار امتحان صعب، يتعلّق بمقترح كتلة حركة "النهضة" بتعديل النظام الانتخابي وإقرار عتبة انتخابية بـ5 في المائة للقضاء على التشتت البرلماني، في وقت يجابه فيه التعديل برفض من الأحزاب الصغرى ومنظمات المجتمع المدني. وأقرّ مكتب البرلمان عرض تعديل القانون الانتخابي على مجلس نواب الشعب أمس الثلاثاء، وسط جلسة صعبة بين المساندين للتعديل والمعارضين له. 

وقرّر رؤساء الكتل البرلمانية في مجلس النواب التونسي، إعادة مقترح حركة النهضة إقرار العتبة الانتخابية بـ 5 في المائة (الحد الأدنى من الأصوات للحصول على مقعد بالبرلمان) إلى لجنة النظام الداخلي، وإرجاء الحسم بالمقترح، بعد موجة رفض سياسية ومجتمعية.

وكانت  كتلة حركة "النهضة" تمكّنت من جعل البرلمان يستعجل النظر في مقترح تعديل القانون الانتخابي من خلال إقرار عتبة بـ5 في المائة هي بمثابة نسبة حسم لفرز القوائم الانتخابية التي تحصلت على نسبة أصوات على مستوى الدوائر الانتخابية دون ذلك. وترمي حركة "النهضة" من خلال مقترحها إلى "حوكمة المشهد البرلماني، وإحداث توازن بين مكوناته من خلال إفراز أغلبية واضحة في المستقبل، قادرة على تحمّل مسؤولية الحكم وإنفاذ برنامجها الانتخابي"، بحسب ما أكده النائب عن الحركة، ناجي الجمل، في حديث مع "العربي الجديد".

وأرجع الجمل "تعطّل تشكيل الحكومة في الفترة الأخيرة، وتعثّر التحالفات بشكل كبير، إلى القانون الانتخابي الحالي ونظام الاقتراع القائم"، مشدداً على أنّ "هذه المنظومة الانتخابية لا تسمح بامتلاك أي حزب سياسي لأغلبية تمكّنه من الحكم، كذلك فإنّ عشرات النواب والقوائم تمكّنت من الوصول إلى البرلمان بفضل بقايا الأصوات".

ولقي مقترح "النهضة" منذ طرحه على مكتب البرلمان، معارضةً من أحزاب وبرلمانيين اعتبروا أنّ نسبة الحسم المقترحة مرتفعة جداً، وتخدم الأحزاب ذات التمويلات الضخمة والمدعومة من لوبيات، وهو ما بينّه أيضاً النائب منجي الرحوي، القيادي في حزب "الوطنيين الديمقراطيين" المعارض.

وأضاف الرحوي في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الأحزاب التي تتلقى تمويلات خارجية ويُضخّ لها مال فاسد مشبوه، تستغله لاستمالة أصوات الناخبين والتلاعب بمشاعر الفقراء والمحتاجين، لا يضرها أن ترفع نسبة الحسم إلى أكثر من ذلك حتى". ورأى أنّ "طرح إقرار العتبة بمفردها، من دون تقديم رؤية شاملة ومتكاملة لإصلاح النظم الانتخابية، وطرح تعديلات جوهرية على القانون الانتخابي، يدعو للريبة والتساؤل عن هذا الطرح".

بدورها، عبّرت منظمات عدة في المجتمع المدني، عن رفضها لتنقيح القانون الانتخابي بالشكل المطروح، معتبرةً أنّ اقتصار الأمر على رفع العتبة إلى 5 في المائة بالنسبة إلى توزيع المقاعد في الانتخابات التشريعية، "لا يستجيب لتوصيات الأطراف المعنية بالعملية الانتخابية من أجل إصلاح المنظومة الانتخابيّة في مجملها بصفة عميقة وجدية".

ودعت منظمات ''شباب بلا حدود''، و''المركز التونسي المتوسطي''، و''أنا يقظ''، و''شبكة مراقبون''، و''مرصد شاهد''، و"ائتلاف أوفياء''، في بيان مشترك أخيراً، مجلس نواب الشعب التونسي، إلى التريّث والتراجع عن مناقشة مقترح التنقيح في جلسة عامة، وترك المجال للوقوف على الثغرات والنقائص الموجودة في القانون الانتخابي ككل، في إطار مسار تشريعي تشاركي يجمع مختلف المتداخلين في العمليّة الانتخابيّة، من هيئات مستقلّة ومنظمات مجتمع مدني وخبراء.

ويعتبر مراقبون أنّ جلسة تمرير تعديل القانون الانتخابي لإقرار العتبة الجديدة في الانتخابات التشريعية، بمثابة اختبار جديد أمام البرلمان التونسي لا يقلّ صعوبة عن اختبار تمرير الحكومة، الذي استغرق إنجازه في البرلمان أشهراً من النقاشات ومحاولة نسج توافقات بين الكتل البرلمانية.

وتحتاج حركة "النهضة" إلى حشد حلفائها لتمرير هذا التعديل الذي يستوجب تصويت الأغلبية المطلقة من البرلمانيين، أي 109 أصوات على الأقل، باعتباره قانوناً أساسياً سيمسّ المشهد السياسي ونظام الحكم مستقبلاً.

وللتذكير، فإنّ البرلمان السابق كان قد صدّق على مشروع قانون يقضي بتعديل القانون الأساسي للانتخابات، قبل إجرائها في السنة الماضية. وتضمّنت التعديلات وقتها، إقرار عتبة انتخابية بنسبة 3 في المائة في الانتخابات التشريعية، ومنع ترشّح كل من ثبتت استفادته من استعمال جمعية أو قناة تلفزيونية للإشهار السياسي (الدعاية السياسية) أو توجّه بخطاب يدعو للكراهية والعنف.

وحظي مشروع التعديل آنذاك بموافقة 128 نائباً واعتراض 30 وتحفّظ 14 (172 نائباً شاركوا في عملية التصويت من مجموع 217).

وينصّ البند الأول من مشروع التعديل المصدَّق عليه، على أنه "لا تحتسب الأوراق البيضاء والأصوات الراجعة للقوائم الانتخابية التي تحصّلت على أقل من 3 في المائة من الأصوات المصرّح بها على مستوى الدائرة الانتخابية، في احتساب الحاصل الانتخابي".

كذلك أُضيف بند ينصّ على أنّه "لا يقبل الترشّح للانتخابات التشريعية لكل قائمة أو شخص تبيّن لهيئة الانتخابات قيامه أو استفادته خلال الـ12 شهراً التي تسبق الانتخابات، من أعمال يمنعها المرسوم 87 المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية أو مسيريها، أو تبيّن قيامه أو استفادته من الإشهار السياسي". وتُقرر هيئة الانتخابات، حسب هذا التعديل، "إلغاء نتائج الفائزين في الانتخابات التشريعية، إذا ثبت لها عدم احترامهم" لتلك التعديلات. وتتّخذ الهيئة قرارها "بناءً على ما يتوافر لديها من إثباتات، بعد الاستماع إلى المعنيين بقرار رفض الترشح أو إلغاء النتائج. وتكون قراراتها قابلة للطعن أمام القضاء، وفق الإجراءات المنصوص عليها بهذا القانون".

وكان ذلك التعديل موجهاً ضدّ حزب "قلب تونس" بقيادة نبيل القروي، وضدّ الأخير شخصياً، لمنعه من الترشّح للانتخابات الرئاسية، بحسب ما قاله الحزب ومعارضو التعديل وقتها. وعرض القانون بعد التصديق عليه، في البرلمان، تحت أنظار هيئة مراقبة دستورية مشاريع القوانين، التي كانت قد أقرت دستوريته. لكن الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، رفض ختمه في الآجال الدستورية، ولم يُعتمَد في الانتخابات الماضية.

وبعد أن اقتصر تعديل "النهضة" الجديد على رفع العتبة الانتخابية من دون سواها، يتساءل مراقبون عمّا إذا كان حزب نبيل القروي سيصوّت على المشروع هذه المرة، وخصوصاً أنّ الأرقام تؤكّد أنّ "النهضة" و"قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة"، قد تكون مستفيدةً من هذا التعديل نظرياً، غير أنّ انتخابات جديدة قد تأتي بما لا تتوقعه الأحزاب والحسابات المسبقة، وقد يقلب التونسيون مرة أخرى كل التوقعات.