خطة الضم الإسرائيلية: ردّ السلطة ينتظر اليوم التالي

11 مايو 2020
خلال احتجاجات ضد الاستيطان في نابلس بفبراير الماضي(عصام ريماوي/الأناضول)
+ الخط -
مع بدء العد التنازلي لإعلان حكومة الاحتلال الإسرائيلي خطة ضم أراض وكتل استيطانية في الضفة الغربية المحتلة، تتضاءل الخيارات الفلسطينية لمواجهة الخطر الآتي، وقد اقتصرت أخيراً على تشكيل لجنة لمواجهة الضمّ في اليوم التالي لحدوثه، إلى جانب تهديدات لفظية فقدت مفعولها من كثرة الاستخدام خلال السنوات الماضية.

وتبدو الخيارات الفلسطينية للمواجهة شبه معدومة في ظلّ عدم وجود إرادة سياسية لمواجهة إسرائيل عبر العصيان المدني غير المسلح، وقطع العلاقات الأمنية جدياً مع الاحتلال، فضلاً عن الانقسام الفلسطيني الداخلي بين حركتي "فتح "و"حماس". بل إنّ الخلافات السياسية بين الفصائل الفلسطينية والقيادة في ازدياد، في ظلّ قرار الرئيس محمود عباس قطع مخصصات الجبهة الشعبية التي تقاطع اجتماعات منظمة التحرير منذ عامين، وانتقادات الجبهة الديمقراطية الحاد لنهج القيادة.

وإضافة لما سبق من تشظّ داخلي، يبدو من الواضح أنّ تركيز القيادة ينصب على وضع قرارات وتعديلات لإثراء مجموعة صغيرة من كبار المسؤولين الذين يحيطون بالرئيس الفلسطيني كحال حزمة التعديلات الأخيرة المتعلقة برواتب وتقاعد الوزراء ومن هم في درجة وزير والتي عاد وألغاها عباس بعد الجدل الذي أثارته، فضلاً عن الانشغال بترتيب مرحلة ما بعد عباس، وفق ما تظهر القرارات التي يصدرها الأخير، مثيرةً ضجة في الشارع الفلسطيني.

أما على الصعيد العربي، فيرى مسؤولون في السلطة الفلسطينية أنّ البعد العربي لرفض الضم لا يعوّل عليه في ظلّ حملة التطبيع العربية التي تقودها كل من السعودية والإمارات. وفي هذا السياق، قال مسؤول فلسطيني، فضل عدم الكشف عن اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "السعودية والإمارات تقودان حملة تطبيع علنية عبر دراما تلفزيونية رمضانية تهدف للترويج للرواية الصهيونية، وغسل أدمغة الشعوب وتأليبها على الفلسطينيين". لكن المسؤولين اختاروا على ما يبدو الصمت على انتقاد السعودية، بل وخرج رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية قبل أيام، في مؤتمر صحافي عبر خلاله عن رفض انتقاد النظام السعودي من قبل نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي.

ولا تبدو الأمور على الصعيد الدولي أفضل حالاً، إذ لم تخرج المواقف الدولية عن التصريحات الإعلامية، فيما يحاول الاتحاد الأوروبي أن يلوّح بمواقف جادة، لكن عصا الإدارة الأميركية تقف له بالمرصاد.

ولاقى تشكيل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهي أعلى سلطة فلسطينية، لجنة للرد على خطة الضمّ تجاهلاً شعبياً، وانتقادات من بعض الفصائل والكتّاب الذين وجدوا في القرار تهرباً من المسؤولية، وخطوةً لا تحمل في طياتها أي قرار حقيقي، إذ قامت القيادة في السنوات القليلة الماضية بتشكيل عشرات اللجان، وتحديداً منذ عام 2015 عندما اجتمع المجلس المركزي وقرر وقف العلاقات مع الاحتلال، وهو الأمر الذي لم يحدث إلى الآن.

ويأتي قرار اللجنة التنفيذية بتشكيل لجنة لمواجهة خطة الضمّ بعد نحو ثلاثة أشهر من عدم انتظام أي اجتماع رسمي لتنفيذية المنظمة، بل إن البيان الذي خرج بعد الاجتماع ونشرته كالة "وفا" فجر الخميس الماضي، لم يذكر تشكيل اللجنة، وجاء مروّساً بشكر الرئيس وتثمين دوره ودور حكومته في مواجهة جائحة كورونا.

في السياق، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أحمد مجدلاني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ اللجنة المشكّلة "لن تنتظر الضم الفعلي، فبمجرّد الإعلان عن الخطوة ستبدأ عملها، ويمكن أن يكون بعد أيام وليس في اليوم التالي للضم، لأنه مع تشكيل الحكومة الإسرائيلية ستعلن عن برنامجها والعنصر الأول في هذا البرنامج هو الضمّ في الأول من يوليو/تموز المقبل، لذلك سنتعامل مع الموضوع بطريقة عملية".

وتابع: "اللجنة ستضع سيناريوهات لليوم التالي للضمّ وما يترتب على ذلك من مسؤوليات والتزامات على المستوى الاقتصادي والمالي والتجاري والأمن والمعابر والحدود". وحول ما إذا كانت هذه اللجنة ستبدأ عملها من الصفر أم سترتكز على استخلاصات اللجان التي سبقتها، أجاب مجدلاني: "اللجنة سوف تأخذ كل ما توصلت إليه اللجان السابقة في هذا الخصوص، وسوف تعمل على الخطوات المدروسة لتطبيقها".

ولا يبدو أنّ القيادة الفلسطينية تعوّل كثيراً على الموقف العربي للوقوف في وجه إسرائيل والولايات المتحدة ضدّ خطة الضم، لا سيما في ظلّ أجواء التطبيع العربية غير المسبوقة. وانتقد مجدلاني التطبيع العربي الذي تقوده دولة الإمارات قائلاً: "تعمل الإمارات على إعادة صياغة الوعي الجمعي تجاه رواية الاحتلال والحركة الصهيونية، ونعرف أنّ تبعية الكثير من الأنظمة العربية للولايات المتحدة باتت أقوى من أي وقت مضى".

وحول الموقف الدولي، قال مجدلاني: "الموقف الأوروبي إلى حدّ كبير جيد، بصرف النظر عن بعض المواقف من داخل الاتحاد الأوروبي المرتبطة بإسرائيل أو أميركا مثل المجر وهولندا وغيرها. وحالياً نبحث مع الأوروبيين الإجراءات التي من الممكن أن يتخذها الاتحاد ضد إسرائيل في حال قامت بالضم، وهي إجراءات على شاكلة التي اتخذها الأوروبيون ضدّ روسيا عقب ضمها شبه جزيرة القرم، عندما أوقف تعامل البنوك الأوروبية والتبادل التجاري مع موسكو".

أمّا الموقف الروسي، فيبدو أنه غير قادر على إحداث تغيير حقيقي، حسب ما رأى مجدلاني، الذي قال إن "الروس يقولون إنهم مع أي خيار يريده الفلسطينيون، وأخبرناهم أننا نريد مؤتمراً دولياً واجتماعاً للجنة الرباعية الدولية، لكن من الواضح أنّ الولايات المتحدة تعطل اتصالاتهم باتجاه المؤتمر الدولي ورفضت عقد اجتماع للرباعية أيضاً".

ويبدو أنّ قرب إعلان قرار الضم الإسرائيلي لم يعكر العلاقات بين القيادة الفلسطينية ودولة الاحتلال، إذ قرّرت الأخيرة، حسب الإعلام العبري، منح قرض بقيمة 800 مليون شيكل (نحو 228 مليون دولار) للسلطة الفلسطينية التي تعاني من ضائقة مالية، مبقيةً في الوقت ذاته على قرصنة عائدات الضرائب الفلسطينية. وحول هذا الأمر، أوضح مجدلاني أنّ "ما جرى هو اتفاق مع الاحتلال الإسرائيلي بأن يعطونا سلفة مقدماً من الأموال المحجوزة لديهم"، مؤكداً أنّ "ما نشر عن أن إسرائيل تساعد السلطة عبارة عن تضليل".

وبات من المؤكد أنّ القيادة الفلسطينية تنتظر اليوم التالي للإعلان عن الضم لتعرف ماذا سوف تفعل أو بماذا سوف تصرّح، على الرغم من أنّ عملية الضمّ الصامت على الأرض قائمة على قدم وساق، وتواجهها السلطة بمزيد من التصريحات الرافضة، مثل مصادرة الأراضي المحيطة بالحرم الإبراهيمي في الخليل، أو بناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة في تجمع استيطاني مقام على أراضي الخليل وبيت لحم أخيراً.

من جهته، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية، عادل شديد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، مائير بن شبات، أوصى المستشار القانوني الإسرائيلي أفيحاي مندلبليت، بالمصادقة على قرار مصادرة المنطقة المحيطة بالحرم الإبراهيمي في الخليل لإقامة مرافق للمستوطنين، مبرراً ذلك بأنّ الفلسطينيين لن يقوموا بأي فعل لأنهم لن يضحوا بمصالحهم مع الاحتلال، وذلك كله بعد مضي أكثر من أربع سنوات على قرارات المجلسين، المركزي والوطني الفلسطينيين، بخصوص وقف العلاقة مع إسرائيل وما يتعلق باتفاقيات أوسلو".

وأوضح شديد: "أصدرت المحكمة المركزية الإسرائيلية في القدس المحتلة أخيراً قراراً باحتجاز 128 مليون دولار من أموال الضرائب الفلسطينية لدى إسرائيل، مدعيةً أنّ القرار جاء على خلفية 15 دعوى قضائية قدمها عشرات الإسرائيليين، الذين أصيبوا أو قتل أفراد من عائلاتهم في عمليات فلسطينية مزعومة". وأضاف شديد "بعيداً عن الرأي العام الفلسطيني بأنّ هذا يندرج تحت البلطجة والقرصنة، إلا أنّ هذه القرارات تمثل جوهر فرض الضم القضائي والقانوني الإسرائيلي على السلطة الفلسطينية، بوصف هذه السلطة كياناً يفترض أن تكون له صفة قانونية خاصة به، وذلك انسجاماً مع قانون القومية اليهودية الذي تمّ تمريره في الكنيست الإسرائيلي، والذي يفرض السيادة السياسية والقانونية والقضائية على جغرافية ما تسمى أرض إسرائيل، الواقعة ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط". وتابع شديد "في خلفيات قرار المحكمة تحكّم في الدور الوظيفي للسلطة، ومنع كل ما لا يصب في مصلحة إسرائيل".

وبدوره، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، واصل أبو يوسف، في حديث لـ"العربي الجديد": "طيلة الفترة الماضية، كنّا نحذر من خطورة الضم، عربياً ودولياً، لكن بصراحة لا توجد آليات للضغط على الاحتلال، على الرغم من المواقف الإيجابية ضدّ الضم من قبل الصين والاتحاد الأوروبي ووزراء الخارجية العرب، الذين اجتمعوا في القاهرة أخيراً عبر تقنية الفيديو كونفرنس وأجمعوا على رفض الضم".

وحول لجنة اليوم التالي للضمّ وأهميتها، قال أبو يوسف: "سننطلق من قرارات اللجان السابقة، وقرارات المجلسين المركزي والوطني وليس من الصفر. هذه اللجنة ليست لاتخاذ القرار لأنّ القرار تم اتخاذه بالفعل، وهو إنهاء كل الاتفاقيات مع الاحتلال والإدارة الأميركية في حال تمّ الضم". وأوضح أنّ "هذه اللجنة سيكون عملها ما بعد اتخاذ القرار، أي في اليوم التالي لإعلانه، إذ ستنظر في كيفية التعامل مع ما سيترتب على وقف الاتفاقيات على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية وكل شيء، وربما حينها يتغير شكل السلطة الفلسطينية نفسها".

لكن الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري رأى أنّ قرار تنفيذية منظمة التحرير بتشكيل لجنة للرد على الضم يعتبر "نوعاً من التهرب من القيام بأي شيء جدي باختصار، لأننا دخلنا إلى موسوعة غينيس للأرقام القياسية في تشكيل اللجان، وهذه اللجنة التاسعة التي تشكلها القيادة للانفكاك عن الاحتلال، وهي بمثابة اعتراف بالعجز وعدم القدرة على مغادرة مربع الانتظار والأوهام".

وتساءل المصري في حديث لـ"العربي الجديد" مستنكراً: "كيف يعقل أن تطلب السلطة قرضاً من دولة الاحتلال التي ستقوم بعد أسابيع عدة بضم الأراضي الفلسطينية؟ وأضاف: "لا يوجد توقع بأن تقوم هذه الطبقة الحاكمة الفلسطينية حالياً بأي شيء، فمن يريد أن يتصدى للضم يجب أن يكون قد استعد مسبقاً، وهذا ما لم تستعد له القيادة".

المساهمون