الجيوش المحلية تعود إلى أفغانستان: تكرار لتجارب كارثية

21 مارس 2018
قد يؤثر القرار على عدد المتطوعين في الجيش الوطني(Getty)
+ الخط -
أثار إعلان وزارة الدفاع الأفغانية، قبل أيام، عن قرارها تشكيل جيوش محلية بموازة الجيش الأفغاني الرسمي، ضجة في الساحة الأفغانية. انقسم الخبراء العسكريون بين مؤيد ومعارض للفكرة، ولا سيما أن ما خرج إلى العلن من مشروع الحكومة الهادفة إلى فعل أي شيء لفرض سيطرتها على المناطق المترامية، والقضاء على تنظيمي "داعش" و"طالبان"، تمّ تجريبه في أفغانستان سابقاً، وفي العراق أيضاً، بموجب وصفات أميركية فشلت وأدت إلى نتائج عكسية، وكثيراً ما انتقلت المجموعات المسلحة التي نالت رعاية رسمية (مثل الصحوات)، إلى مليشيات مناهضة للحكومة، أو أنها ارتكبت جرائم حرب عجزت السلطات عن لجمها، وعززت النزعات الطائفية المناطقية الانفصالية، وعجزت عن أداء المهمة المنوطة بها عسكرياً بالقضاء على تنظيمي "القاعدة" و"داعش". 

وقد جربت أفغانستان نفسها، مشروع الجيوش المحلية، منذ تأسيسها كدولة، ولا تزال مناطق واسعة في الجنوب تشهد حتى اليوم تحركات غاضبة بسبب تحول الجيش القبلي المؤسس هناك برعاية وزارتي الداخلية والدفاع، لمحاربة "داعش" و"طالبان"، إلى قتال بعض القبائل. وتقول الوزارة إنها عملت لأشهر عدة بالتنسيق مع القوات الدولية على خطة تشكيل الجيوش المحلية قبل وصول المشروع إلى الرئيس أشرف غني الذي صادق بدوره عليه الأسبوع الماضي. والجيوش المحلية عبارة عن قوات مناطقية محلية تتشكل من سكان المنطقة، بهدف إبقاء سيطرة الحكومة على المناطق التي تقوم القوات المسلحة بتحريرها من المسلحين (داعش وطالبان).


عن هذا الموضوع، يقول الناطق باسم وزارة الدفاع الأفغاني الجنرال دولت وزيري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الجيوش القبلية لن تكون خارج منظومة الجيش ووزارة الدفاع". ويكشف وزيري أنه سيكون لهم ملابس خاصة ويتم توظيفهم بعد تدريبهم على يد القوات الأفغانية والدولية، كما أن جنود الجيوش المحلية سيتمتعون بـ75 في المائة من الحقوق التي يتمتع بها جنود الجيش الوطني". ويضيف وزيري أن "الوزارة قررت ذلك بعد مباحثات طويلة مع خبراء"، مشيراً إلى أنه "ليس هناك طريق آخر للحفاظ على المناطق التي يحررها الجيش إلا من خلال الجيوش القبلية، لأن الجيش الوطني يقوم بتحرير المناطق وليس بوسعه البقاء فيها، خاصة في موسم الحرب (الربيع). بالتالي الهدف من تشكيل الجيوش القبلية هو إبقاء سيطرة الحكومة على تلك المناطق". ويشرح المسؤول الحكومي أن "تشكيل الجيوش المحلية سيتم على ثلاث مراحل، وسيكون عديدها في المرحلة الأولى 36 ألف مقاتل".


تاريخ الجيوش القبلية
تاريخ الجيوش المحلية، أياً كان اسمها، قديم في أفغانستان. في زمن حكومة أحمد شاه أبدالي في عام 1773، تشكلت القوات المسلحة الأفغانية. لكن أبدالي كان يستعين بجيوش قبلية للحفاظ على بعض المناطق في الجنوب حيث تقطن القبائل البشتونية. ومنذ ذلك التاريخ، ظلت الجيوش القبلية تتشكل في جميع العهود. وفي حكومة نجيب الله المدعومة من قبل الاتحاد السوفياتي في ثمانينات القرن الماضي، برزت فكرة "المليشيات النظامية" والجيوش القبلية على أسس قومية وعرقية لمواجهة الأحزاب الإسلامية "الجهادية" التي كانت تقاوم القوات السوفياتية. أبرز المليشيات الموالية للحكومة كانت بقيادة عبد الرشيد دوستم، نائب الرئيس الأفغاني الذي يعيش في المنفى في تركيا منذ عام 2014 بسبب خلافاته مع الرئيس. ومع مرور الأيام، ازدادت قوة تلك المليشيات حتى أصبحت كياناً مستقلاً داخل الدولة، وانقلبت على الحكومة في عام 1992 حين انحاز دوستم، الشيوعي السابق، إلى "المجاهدين"، ما أدى إلى سقوط حكومة نجيب الله. وأدى دوستم ومليشياته دوراً سياسياً كبيراً بعد دخول "المجاهدين" إلى كابول، إذ إنه كان يؤيد في البداية حكومة برهان الدين رباني ثم انقلب عليها، وانحاز إلى معارضها قلب الدين حكمتيار، وشكل جماعة خاصة به سماها "جنبش ملي" أو "النهضة الإسلامية". ومع سقوط حكم "طالبان" واحتلال القوات الأميركية أفغانستان، وقف دوستم ومليشياته الخاصة إلى جانب مع القوات الأميركية ضد "طالبان". وحظي الرجل ومسلحيه باهتمام كبير من قِبل القوات الأميركية، حتى خرج إلى المنفى.

الشرطة المحلية أو الجيش القبلي
عام 2004، قامت القوات الأميركية في أفغانستان باستخدام بعض قبائل الأفغان للحفاظ على بعض المناطق المحررة من "طالبان". وكان عدد هؤلاء يناهز الألفي عنصر فقط. وفي عام 2007، طرحت فكرة تشكيل شرطة محلية من قبائل الجنوب ذات الغالبية البشتونية. لكن سرعان ما نقلت هذه القوات المحلية حربها من "طالبان" إلى بعض القبائل. وفي السنوات الأخيرة، ضعفت تلك القوة المحلية، بسبب الفساد الموجود في إدارتها، رغم أنها تابعة رسمياً لوزارة الداخلية. ولا تزال تلك القوة موجودة في بعض المناطق الجنوبية، ومتهمة من قبل هيئات حقوق الإنسان بارتكاب جرائم حرب.

وتتحمل الجيوش المحلية في أفغانستان، جزءاً كبيراً من مسؤولية القضاء على هيبة وسمعة الجيش الأفغاني لكونها تابعة له. كما أن المشروع الجديد القاضي بإنشاء جيوش محلية، سيؤثر بشكل مؤكد، على التجنيد في صفوف الجيش الوطني، إذ إن معظم جنوده يأتون من الأطراف ومن المناطق النائية بسبب البطالة وقلة فرص العمل. فإذا وجد هؤلاء فرصة للانضمام إلى جيش وطني في مناطقهم، فإن الجيش الوطني لن يجد عديداً كاملاً من المتطوعين أو المجندين للانخراط في صفوفه.

كذلك فإن الحساسيات القومية والعرقية والدينية في بلد مثل أفغانستان، قد تعقد عمل الجيوش المحلية. ويخشى أن تزيد هذه القوات من العداوات القبلية والإثنية والطائفية. بهذا الخصوص، يقول الجنرال عتيق الله أمرخيل لـ"العربي الجديد" إن المليشيات الخاصة، بغض النظر عن مسمياتها، لم تأت بنتائج إيجابية على أمن أفغانستان واستقرارها، "بل إنها خلقت الكثير من المشاكل وبسببها نشبت الحروب، كما أنها كانت في كل مرة تنقلب على النظام وتغير في موازين القوى، وكانت بمثابة حكومة داخل الحكومة". بناءً على ذلك، لا يتوقع أمرخيل نتائج إيجابية للمشروع الجديد القاضي بتأسيس جيوش محلية، بل على العكس، لا يستبعد "إمعاناً في الإساءة لسمعة الجيش الوطني".

وأثارت فكرة الجيوش المحلية قلقاً لدى الشرطة المحلية أيضاً، والتي كانت تحت إدارة وزارة الداخلية، إذ ثمة الآلاف من القبائل تم توظيفهم في هذه الشرطة، وهؤلاء يخشون من أن إعفاءهم من العمل سيعرضهم لمخاطر كبيرة. وعن هذا الموضوع، يقول روضت الله خان أحد قادة للشرطة المحلية في منطقة خوجياني في إقليم ننجرهار، لـ"العربي الجديد": فقدتُ اثنين من إخواني وأحد أبنائي في الشرطة المحلية خلال الحرب مع "طالبان". الآن إذا أخذت الحكومة منا السلاح، واستبدلتنا بالجيش المحلي، ماذا نصنع؟". 




وتستمر منذ عشرة أيام تظاهرات واحتجاجات في إقليم غزنة الجنوبي، أغلقت الطريق الرئيسي بين العاصمة كابول وبين الأقاليم الجنوبية كقندهار وزابل وهلمند. سبب الاحتجاجات قتل جنود الجيش القبلي عدداً من المدنيين في الجنوب، مما أدى إلى دخول الرئيس أشرف غني في وساطة مع قادة القبائل، ووعدهم بالتحقيق، في مقابل موافقتهم على إعادة فتح الطريق. وللقصة جذور قومية تسببت فيها قوات الجيش المحلي في الجنوب. ويروي أحد سكان مديرية قرباغ، غلام محمد، تفاصيل الحكاية، وكيف أن "مقاتلين تابعين لقيادي في الجيش القبلي من الهزاره (قومية أفغانية فارسية تنتمي إلى الطائفة الشيعية) كانت تربطهم عداوات مع قبائل البشتون ارتكبوا جريمة قتل ثلاثة أشقاء بتهمة انتمائهم إلى حركة طالبان".

خشية الهجمات الداخلية
ويخشى كثيرون اختراق المسلحين من "داعش" أو "طالبان" لصفوف الجيوش المحلية التي تقرر تشكيلها أخيراً. و"الهجمات الداخلية" سلاح فتاك في يد "طالبان" خصوصاً، وهي تنفذها بواسطة المنتمين إليها وتزرعهم في صفوف الجيش والشرطة. وتتكرر الاعتداءات من هذا النوع بوتيرة أسبوعية في أفغانستان. ويصعب في مثل هذا البلد إرساء نظام تدقيق حقيقي لضبط انتماءات المنخرطين في صفوف القوات المسلحة.

وعن أصل فكرة الجيوش المحلية، يقول الجنرال أمرخيل لـ"العربي الجديد" إن الفكرة طبقها الأميركيون في العراق بعد احتلاله عام 2003، والآن تريد واشنطن نقلها إلى أفغانستان "ولكنها تنسى أن أفغانستان مختلفة عن العراق، إذ إن الجيوش القبلية والمليشيات الخاصة لها تاريخ أسود في بلدنا". لكن نائب الناطق باسم وزارة الدفاع الجنرال، راد منيش، ينفي، في مؤتمر صحافي قبل أيام، أن يكون مصدر المشروع أميركيا، ويجزم بأن الفكرة أفغانية "لكن أيدتها القوات الأميركية" وصادق عليها الرئيس الأفغاني، وهي جاهزة للتنفيذ. كذلك حال الجنرال عبد الجبار قهرمان، النائب في البرلمان، والمندوب السابق للرئيس الأفغاني لمراقبة الأوضاع في هلمند، الذي يُطمئن إلى أن الجيوش المحلية ستعطي نتائج إيجابية "شرط ألا ينخرها الفساد وأن تكون بعيدة عن المصالح الأجنبية".

دلالات