تواطؤ على الجولان: تمهيد إسرائيلي لتوافق مع أميركا وروسيا

تواطؤ على الجولان: تمهيد إسرائيلي لتوافق مع أميركا وروسيا

18 ابريل 2016
موقف نتنياهو جاء قبل لقائه بوتين (سيباستيان شاينر/فرانس برس)
+ الخط -
لا يمكن التقليل من أهمية الجلسة الأولى من نوعها التي عقدتها حكومة الاحتلال الإسرائيلي أمس الأحد في هضبة الجولان المحتلة، واختيار الأراضي السورية المحتلة لإعلان خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مستغلاً الثورة في سورية، لمطالبة المجتمع الدولي، بأن يعتاد على بقاء الهضبة تحت السيطرة الإسرائيلية، وتحويل الجولان إلى جزء لا يتجزأ من (إسرائيل)، وسط ما يبدو كتقديرات إسرائيلية ببقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد في الحكم في الفترة القريبة المقبلة على الأقل.
والواقع أنه على الرغم من أن إعلان نتنياهو الصريح بهذا الخصوص جاء علناً أمس فقط، إلا أن نتنياهو وحكومته بدءا قبل ذلك بوقت طويل بالإعداد لخطة استغلال الحرب في سورية، والتقارب مع روسيا، لإطلاق رسائل المطالبة بالإبقاء على الجولان تحت الاحتلال الإسرائيلي، ومنحه شرعية دولية.
وسبق لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أن رصدت أول محاولة إسرائيلية رسمية في هذا السياق صدرت عن نتنياهو خلال لقائه الرئيس الأميركي باراك أوباما، إذ نشرت الصحيفة في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أن نتنياهو عرض على أوباما "إعادة التفكير" في مكانة إسرائيل المستقبلية في الجولان، ومساهمة إسرائيل في ضمان استقرار المنطقة على ضوء انهيار سورية. وبحسب "هآرتس"، فقد اكتفى نتنياهو حينها بطرح الفكرة أمام أوباما، لكن ذلك لم يمنع ظهور بذور ترويج إسرائيلي لفكرة "سورية المفيدة"، والحديث الإسرائيلي الرسمي، كتصريحات متطايرة، لوزير الأمن الإسرائيلي موشيه يعالون، بأن سورية لن تعود موحّدة أياً كانت التسوية التي سيتم التوصل إليها لوقف الحرب الدائرة فيها اليوم.
ومن اللافت أن نتنياهو طرح الفكرة، كما كشفت عنها "هآرتس"، بالتوازي مع تعزيز التنسيق الأمني والعسكري بين إسرائيل وروسيا، وفق مذكرة التفاهم التي تم التوصل إليها في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، أثناء لقاء نتنياهو بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولم يقف الأمر عند ذلك، إذ انضم الرئيس الإسرائيلي رؤوبين ريفلين، إلى من أدلوا بدلوهم بهذا الخصوص، على الرغم من أن مكانته القانونية والدستورية لا تخوّله الخوض في مثل هذه القضايا، إلا أن ريفلين، كان بعد طرح الفكرة على أوباما في الغرف المغلقة، أول مسؤول إسرائيلي يجاهر بالأطماع الإسرائيلية بإبقاء الجولان تحت الاحتلال الإسرائيلي.


وزاد نتنياهو أمس، في تصريحاته بعدم نية تل أبيب الانسحاب من الجولان، بالمطالبة بأن "يعتاد المجتمع الدولي على بقاء الجولان تحت السيطرة الإسرائيلية"، مضيفاً أنه أبلغ وزير الخارجية الأميركي جون كيري، خلال الاتصال الهاتفي الأخير بينهما أمس الأول، "أننا لا نعارض التسوية السياسية في سورية بشرط ألا تأتي على حساب الأمن الإسرائيلي، بمعنى أنه في نهاية المطاف سيتم طرد القوات الإيرانية وحزب الله وداعش من الأراضي السورية، وقد آن الأوان للمجتمع الدولي أن يعترف بالواقع، خصوصاً بحقيقتين: الأولى أنه بغض النظر عما يحدث في الطرف الآخر من الحدود فإن الخط الحدودي لن يتغير، والثانية أنه حان للمجتمع الدولي بعد 50 عاماً أن يعترف أخيراً بأن الجولان سيبقى تحت السيادة الإسرائيلية إلى أبد الآبدين"، بحسب ما جاء في بيان صدر عن ديوان نتنياهو.
ومن اللافت أن نتنياهو اختار إعلان هذا الموقف، قبل أيام من لقائه المرتقب مع بوتين، المقرر يوم الخميس المقبل. كما أنه لا يمكن تجاهل التصريح الذي أدلت به وزيرة العدل الإسرائيلية، أيليت شاكيد، في جلسة الحكومة الإسرائيلية أمس، عندما قالت إن هذا الإعلان يأتي الآن لأن هذا هو الوقت المناسب لإعلانه. وقد سبق لسكرتير الحكومة السابق تسفي هاوزر أن دعا في مقال نشره في "هآرتس" قبل شهر تقريباً، إلى استغلال الظروف الإقليمية والدولية للمطالبة بضم هضبة الجولان رسمياً إلى إسرائيل (إذ إن إسرائيل قامت عام 1981 بسنّ قانون يفرض القانون الإسرائيلي على الجولان، من دون أن تعلن ضمه رسمياً إليها).
وفي هذا السياق، أشار موقع "معاريف" إلى أن مراقبين ومحللين في إسرائيل، يعتبرون أن تصريح نتنياهو يعبّر عن تقديرات إسرائيلية بأن نظام الأسد سيبقى في سورية على الأقل في الفترة القريبة، وبالتالي، فإن هذه التصريحات موجّهة أيضا كرسائل إسرائيلية للنظام السوري، وكشرط ربما لقبول إسرائيل بمخطط "سورية الفيدرالية"، وبقاء الأسد في الحكم مقابل استصدار موافقة أو تفاهم ضمني، سواء مباشر أم عبر حلفاء النظام، إيران وروسيا، بعدم طرح موضوع الانسحاب الإسرائيلي من الجولان. علماً أن الموقف الدولي العام ووثائق المحادثات السورية في جنيف، وما تم الاتفاق عليه حالياً بين وفود المعارضة والنظام ينطلق من واجب الاحتفاظ بكامل الأرض السورية، واستعادة هضبة الجولان المحتلة وإعادتها للسيادة السورية.
في خضم ذلك، فإن العبارة التي ذكرتها الصحف الإسرائيلية، نقلاً عن نتنياهو بأنه أبلغ وزير الخارجية الأميركي جون كيري بأن احتمال التنازل عن الجولان والانسحاب من أراضيه، الذي كان وراداً في ما مضى، لم يعد مطروحاً بعد اليوم كخيار للمناقشة، تصبح أكثر وضوحا مع ما كشف عنه أمس، البروفيسور الإسرائيلي إيتمار رابينوفيتش، في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية، بأن نتنياهو أجرى حتى وقت قريب من اندلاع الثورة السورية، مفاوضات غير مباشرة مع نظام بشار الأسد عبر الإدارة الأميركية. وامتنع رابينوفيتش، الذي كان رئيس الوفد الإسرائيلي للمفاوضات مع سورية خلال حكومة إسحاق رابين عام 1993، عن الإدلاء بتفاصيل إضافية حول هذه المفاوضات.
ويبدو أن نتنياهو، وعلى ضوء فشل محاولاته في إحباط الاتفاق النووي مع إيران، بفعل اتخاذه موقفاً معارضاً للغاية تخلله سعي لإرباك أوباما، واستصدار قرار من الكونغرس الأميركي ضد الاتفاق، قرر مستفيداً من التنسيق الأمني مع روسيا، وحرج موقف إدارة أوباما، بفعل المعركة الانتخابية في الولايات المتحدة، انتهاج سياسة مغايرة تقوم على محاولة الزج بإسرائيل كطرف أساسي في مخططات التسوية المقبلة للنزاع السوري.