النظام السوري يستأنف القتل والتهجير بعد الضربات الغربية

النظام السوري يستأنف القتل والتهجير بعد الضربات الغربية

17 ابريل 2018
قصف للنظام على بلدات في محيط الرستن (فرانس برس)
+ الخط -
لم تلجم الضربات الغربية فجر السبت النظام السوري وحلفاءه الروس والإيرانيين، بل زادتهم على ما يبدو تمسكاً بتحقيق حسم عسكري في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة المعارضة السورية في ريف حمص الشمالي، وفي محافظة درعا جنوب البلاد، وفي القلمون الشرقي، وتالياً محافظة إدلب شمال غربي سورية. ويدل التصعيد العسكري باتجاه هذه المناطق، على أن "الخطوط الحمراء" الغربية تقتصر على الأسلحة المحرمة دولياً، فيما أُعطي النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون الضوء الأخضر لـ"سحق" المعارضة السورية بالأسلحة التقليدية التي لا تقل فتكاً عن الكيميائية، إذ يُفرط النظام باستخدامها وهو ما يؤدي إلى مجازر.

ويبدو ريف حمص الشمالي، ومناطق في ريف حماة الجنوبي، الهدف الأقرب للنظام، إذ تعيش هذه المناطق حالة ترقب وقلق، تزامناً مع تقارير تروّجها وسائل إعلام موالية للنظام، تتحدث عن أن هذه المناطق قد تكون ميدان عمليات عسكرية واسعة النطاق في الفترة المقبلة، بعد إتمام سيطرة النظام على الغوطة الشرقية لدمشق. وجددت قوات النظام منذ صباح أمس الإثنين قصفها "مزارع الكن" في محيط مدينة الرستن، بالتزامن مع هجوم قوات النظام على المنطقة، استكمالاً لمحاولات التقدّم البرية التي بدأت الأحد. وأشار ناشطون إلى أن هجوم قوات النظام ومليشيات تساندها تركز على بلدات الحمرات سليم، والعامرية، والجومقلية، وعز الدين، وديرفول، إضافة إلى هجومٍ موازٍ على "مزارع الكن" القريبة من مدينة الرستن، شاركت فيه مقاتلات حربية تابعة للنظام، موضحين أنه لم يتم تسجيل تدخّل للمقاتلات الحربية الروسية في العمليات العسكرية حتى يوم الإثنين.

وأدى القصف الجوي والمدفعي لقوات النظام يوم الأحد، والذي استهدف مدينة الرستن، وقرى وبلدات ريف حمص الشمالي، إلى مقتل ثمانية مدنيين بينهم نساء وأطفال، فيما قالت فصائل الجيش السوري الحر، إنها دمرت خلال الهجوم أربع دبابات باستخدام صواريخ مضادة للدروع، إضافة لسيارات تحمل أسلحة وذخائر. وأشارت وسائل إعلام تابعة للنظام إلى أن قوات الأخير بدأت الأحد عملية عسكرية من أجل استعادة ريف حماة الجنوبي الشرقي وريف حمص الشمالي، في تأكيد على أن النظام ماضٍ في طريق الحسم العسكري في هذه المنطقة التي تضم نحو 300 ألف مدني محاصرين منذ سنوات، وهو ما أدى إلى كوارث إنسانية خصوصاً في الرستن أكبر وأهم مدن ريف حمص الشمالي.

وتضم هذه المناطق مدناً وبلدات هامة، منها الرستن، وتلبيسة، والدار الكبيرة، وحر بنفسه، إضافة إلى سهل الحولة الذي يضم عدة بلدات في شمال غربي حمص. وكانت مصادر إعلامية معارضة قد تناقلت السبت مبادرة قالت إن بعض أبناء مدينة الرستن في الخارج تقدّموا بها إلى الجانب الروسي تدعو إلى تشكيل مجلس مدني لإدارة شؤون المنطقة، مؤلف من ثلاثة ممثلين عن المعارضة، وثلاثة ممثلين يختارهم الجانب الروسي الذي توضع بعهدته الأسلحة الثقيلة التي بحوزة المعارضة، وتشكيل شرطة عسكرية لضبط المنطقة ترتبط مباشرة بقاعدة حميميم الروسية في الساحل السوري.


في موازاة كل ذلك، يبدو أن قطار التهجير حط رحاله أخيراً في منطقة القلمون الشرقي شمال شرقي العاصمة دمشق، إذ تؤكد مصادر محلية أنه تم الاتفاق يوم الأحد مع الجانب الروسي على حسم مصير مدينة الضمير، كبرى مدن هذه المنطقة والواقعة شمال شرقي العاصمة دمشق بنحو 47 كيلومتراً، ليتم إفراغ المدينة من مقاتلي فصائل المعارضة السورية، ونقلهم مع من يرغب من المدنيين، إلى وجهةٍ لم يتم تحديدها، يرجح أن تكون مناطق إدلب وريف حلب، شمال سورية. وقالت اللجنة التي تفاوض عن المدينة، إن الاتفاق تمّ التوصل إليه "في سبيل تجنيب الآمنين ويلات الحرب، والحفاظ على أرواح أكثر من مائة ألف مدني داخل المدينة من أبناء مدينة الضمير، ومن الوافدين إليها من بلدات الغوطة الشرقية، ومدن وبلدات القلمون".

وتقع منطقة القلمون شرقي الطريق الدولي الذي يربط العاصمة دمشق بمدينة حمص في وسط سورية، وتضم العديد من المدن الهامة، منها الضمير، والناصرية، والرحيبة، والقطيفة، وبلدات وقرى هي أقرب إلى منطقة البادية السورية. وعلى الرغم من الاتفاق الخاص بمدينة الضمير، إلا أن الاشتباكات لا تزال محتدمة بين فصائل المعارضة وقوات النظام، إذ أعلن فصيلا " تجمّع الشهيد أحمد العبدو" و"جيش تحرير الشام"، التابعان للجيش السوري الحر، السيطرة على "عدد من المواقع الاستراتيجية في منطقة المحسا في القلمون الشرقي"، بعد معارك مع قوات النظام السوري التي أعلنت أمس الإثنين أنها دفعت بتعزيزات عسكرية نحو المنطقة. وينتشر مقاتلون من فصائل عدة في القلمون الشرقي، تتبع المعارضة السورية المسلحة، أبرزها "فيلق الرحمن"، و"جيش الإسلام"، إضافة لـ"تجمّع الشهيد أحمد العبدو" و"جيش أسود الشرقية"، و"جيش التحرير" الذي يقوده النقيب فراس بيطار، وحركة "أحرار الشام".

إلى ذلك، من المتوقع أن يقوم النظام وحلفاؤه بتصعيد الموقف العسكري في جنوب البلاد وشمالها، إذ لا تزال أجزاء واسعة من محافظة درعا، وكامل محافظة إدلب تقريباً بيد فصائل المعارضة السورية. ولكن مساعي النظام تصطدم بمعوقات إقليمية جمة، إذ تُعدّ محافظة درعا منطقة نفوذ أردنية يراقبها الاحتلال الإسرائيلي بشكل دائم، ومن المتوقع أن تمنع عمّان وتل أبيب أي وجود إيراني مباشر وغير مباشر على حدودهما وهو ما يعرقل مساعي النظام على هذا الصعيد. وكانت مصادر محلية أكدت الأسبوع الماضي أن النظام أرسل تعزيزات عسكرية من الغوطة الشرقية بعد انتهاء المعارك فيها، باتجاه محافظة السويداء وصلت إلى بلدة عريقة في ريف المحافظة المتاخم لريف درعا، ما يؤكد نيّة النظام القيام بعملية عسكرية تنهي وجود المعارضة جنوب سورية. ويسيطر تنظيم "جيش خالد"، المؤلف من عدة فصائل متشددة ومبايعة لتنظيم "داعش"، على أجزاء واسعة من منطقة حوض اليرموك في ريف درعا الغربي، وهو ما يزيد الموقف تعقيداً في محافظة درعا التي تحكمها حالياً اتفاقية خفض التصعيد التي أبرمت منتصف العام الماضي في العاصمة الأردنية عمان.

وتبدو محافظة إدلب شمال غربي سورية "الهدف المؤجل"، خصوصاً للنظام والإيرانيين، ولكنه "الهدف المستحيل" في الوقت الراهن، إذ تخضع المنطقة للنفوذ التركي المباشر، ومن ثم فإن الروس لن يسمحوا بعملية عسكرية تؤدي إلى توتير علاقتها مع أنقرة. وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان الأحد الماضي "لا يمكن من الآن فصاعداً اتخاذ أي خطوة في سورية بمعزل عن تركيا"، ما يؤكد نيّة الأتراك المحافظة على مناطق نفوذهم في شمال وشمال غربي سورية.