هل دخل النفط منعطف الصعود؟

هل دخل النفط منعطف الصعود؟

23 مايو 2016
ارتفاع أسعار النفط عالمياً (Getty)
+ الخط -
اتخذت أسواق النفط العالمية في الأيام الأخيرة منعطفاً جديداً نحو الأفضل، وفقاً لأحدث تقرير صادر عن أبرز المصارف الاستثمارية في العالم. فقد كشف التقرير الأخير لمؤسسة "غولدمان ساكس"، وهي مؤسسة خدمات مالية واستثمارية أميركية عريقة، وتعد واحدة من أكثر مؤسسات التحليل تحفظاً حيال ارتفاع أسعار النفط، أن سوق النفط العالمية قد عادت إلى تحقيق عجز في الإمدادات للمرة الأولى منذ عامين. أدت هذه النظرة الإيجابية غير المتوقعة من قبل "ساكس" إلى ارتفاع العقود الآجلة للنفط في معظم تداولات الأسبوع الماضي بعد كشفها عن دلائل جديدة تشير إلى أن السوق قد بدأت فعلياً مرحلة جديدة من تحقيق توازن "مبكر" بين العرض والطلب، ما يقدم دعماً قوياً لهذا القطاع الذي عانى من تخمة شديدة على مدى عامين تقريباً.
في الواقع، ساهمت الانقطاعات الأخيرة في الإنتاج من قبل كبار المنتجين، مثل كندا ونيجيريا، في تحويل سوق النفط من مستويات تخزينية كاملة إلى عجز مفاجئ في تلبية الطلب المتنامي. فقد بدأ المتعاملون في أسواق الطاقة يدركون أن الخط الفاصل بين وفرة المعروض والعجز في الإمدادات هو أرق بكثير مما كان يعتقد الكثيرون.
إن الانقطاع الجديد في إنتاج النفطي في نيجيريا، الناجم عن هجمات على البنية التحتية، ساهم، بشكل كبير، في دعم أسعار النفط على المدى القصير، والذي قد يستمر طيلة الشهر وربما لفترة أطول. يأتي هذا الانقطاع مع تلاشي المخاوف بشأن استمرار إغلاق حقول النفط في كندا، التي نتجت عن حرائق غابات ضخمة، حيث أعيد تشغيل هذه الحقول على نحو سريع. رغم ذلك، فكما تعمل هذه الانقطاعات في الإنتاج على سحب النفط من أسواق الطاقة، فإن ضخ المزيد من النفط الإيراني إلى هذه الأسواق قد يعيد حالة عدم التوازن من جديد بين الطلب والعرض.
ولا يمكن تجاهل استفادة أسواق الطاقة من تنامي الطلب العالمي على النفط خلال العام الحالي، لا سيما من الصين والهند، والذي ساعد على دعم أسعار النفط بالرغم من أن الشتاء المعتدل نسبياً في نصف الكرة الشمالي قد ساهم في تثبيت استهلاك الطاقة.

في هذا الصدد، أظهرت بيانات حكومية في الصين استهلاكاً قوياً للنفط في الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي ليصل إلى 7.5 ملايين برميل يومياً، بزيادة 11% عن الفترة نفسها من العام الماضي، رغم تباطؤ النمو الصيني. وكانت الصين قد بدأت العام الماضي عملية إصلاح في قطاع الطاقة سمحت بموجبها للمصافي المحلية المستقلة، المعروفة بـ"مصافي إبريق الشاي"، باستيراد النفط الخام لأول مرة.
علاوة على ذلك، يأتي ارتفاع الطلب، الذي نتج جزئياً عن انخفاض الأسعار وتراجع إنتاج النفط خارج أوبك، في الوقت الذي تراجعت فيه أعداد منصات النفط في الولايات المتحدة للأسبوع الثامن على التوالي، بالتزامن مع تلقي كل من السعودية وسلطنة عمان والبحرين تخفيضاً جديداً لتصنيفاتها الائتمانية من قبل وكالة "موديز".

وقد كشف التقرير الشهري الأخير للحكومة الأميركية عن توقعاتها بانخفاض إنتاج النفط من سبع منصات رئيسية للصخر الزيتي بواقع 110 آلاف برميل يومياً إلى 5 ملايين برميل يومياً في شهر حزيران/ يونيو المقبل. وإذا استمر الطلب متماسكاً مع عدم تعرّض الاقتصاد العالمي لأي صدمات، فإن أسواق الطاقة ستكون مقبلة على دورة صاعدة جديدة تُسهم في تقليص تدريجي لمخزونات النفط العالمية.
رغم ذلك، هناك من يتوقع أن أوقاتاً عصيبة لا تزال تنتظر قطاع الصناعات النفطية، ويعزون ذلك إلى قدرة منتجي النفط منخفض الكلفة على دفع السوق إلى تحقيق فائض في الإمدادات مطلع العام القادم، ما يجعلهم يتمسكون بنظرتهم المتحفظة، نسبياً، حيال ارتفاع الأسعار في المدى القصير. حتى "غولدمان ساكس"، رغم تقريرها المتفائل، لا ترى سعراً أكثر من 45 دولاراً للنفط بحلول الربع الأول من عام 2017، و60 دولاراً للبرميل بحلول نهاية العام.
وفي حين بدأت عملية حقيقية لإعادة التوازن إلى أسواق الطاقة، إلا أن الاختلال الهيكلي في أسواق رأس المال لا يزال كبيراً، مع إصدار سندات تجاوزت قيمتها 50 مليار دولار في الولايات المتحدة، فقط، هذا العام، ما يجعل صناعة النفط لا تزال بحاجة إلى ضبط. إن انتعاش أسعار النفط سيكون تدريجياً هذا العام نتيجة تراكم قياسي للمخزون العالمي من النفط، والشكوك العالية المتعلقة بالأرصدة الدائنة. لذلك، فإن أي موجة صعود مستقبلية لأسعار النفط ستكون مدفوعة، بشكل أساسي، من تراجع ملموس للمخزونات.
(خبير اقتصادي أردني)

المساهمون