انتشار الحروب: فتش عن النفط

09 مايو 2016
النفط يسيطر على سياسة الدول (Getty)
+ الخط -
يسود العالم صراعات عديدة، كان آخرها قتال اندلع، مطلع الشهر الماضي، بين قوات بلدين متنافسين، أذربيجان وأرمينيا، استمر أربعة أيام وقُتِل فيه العشرات. وعلى الرغم من الهدنة التي تم ترتيبها، على عجل، فإن الأجواء لا تزال مشحونة بالتوتر الشديد بين البلدين. هذا التوتر إضافة إلى الحروب الأخرى، يشير إلى أن مشكلة عالمية تلوح في الأفق، مفادها "كلما انخفضت أسعار النفط بشكل حاد فإن الدول التي تعتمد بشكل أساسي على عائداته، تقوم عادة باتخاذ تدابير يائسة في محاولة منها لمنع حدوث انهيار اقتصادي".
في هذا الصدد، تشير الدلائل الأولية إلى أن أذربيجان من أشعلت شرارة الصراع في البداية. فعلى مدى العقد الماضي فشل رئيسها الاستبدادي، إلهام علييف، في طرح أي خطط جوهرية تسهم في تنويع مصادر دخل بلاده بدلاً من الاعتماد الكبير على صادرات النفط. ومع دخول البلاد مرحلة صعبة من الركود الاقتصادي وارتفاع معدل التضخم تصاعدت الاحتجاجات المطالبة بتحسين المستوى المعيشي للأفراد ورفع نصيب الفرد من الدخل القومي الذي تراجع بمقدار النصف تقريباً.
في الأشهر الأخيرة التي سبقت اندلاع القتال، قام علييف بتصعيد حدة خطاباته حول استعادة السيطرة على إقليم "ناغورنو كاراباخ" المتنازع عليه مع أرمينا منذ أكثر من عقدين من الزمن. جاء هذا التصعيد المفاجئ في سياق تحويل الانتباه عن ارتفاع معدلات الفقر في أذربيجان حيث شعرت الحكومة بحاجة ماسة إلى إثارة الشعور القومي بين مواطنيها وحشد تأييد شعبي حول نزاعها مع أرمينيا.
بطبيعة الحال، تقتضي المغامرة الأذربيجانية الحصول على اهتمام أكبر من الاتحاد الأوروبي وروسيا وغيرها من الجهات التي حاولت التوسط لإنهاء النزاع الدائر حول إقليم "ناغورنو كاراباخ". خلال مطلع التسعينيات، خاضت أرمينيا وأذربيجان حرباً شرسة واسعة النطاق، من أجل السيطرة على الإقليم، خلفت ما لا يقل عن أربعين ألف قتيل. واليوم، فقد أصبح كلا الطرفين أفضل تسليحاً بكثير من ذي قبل، ولذلك فإن العالم لن يكون بمقدوره تحمل تبعات حرب كبرى، خاصة من طرف دولة مثل أذربيجان التي لا تزال ترتكب الكثير من الأخطاء داخل وخارج الحدود.
إذ لم يعد خفياً أنه على الدول في جميع أنحاء العالم التي تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط أن تتخذ خطوات هامة من أجل إيجاد مصادر جديدة للثروة حيث تواجه كثير من هذه الدول مشاكل متصاعدة في الداخل مع تراجع أسعار النفط إلى أدنى مستوى لها في 12 عاماً. وحتى تكون هذه الدول قادرة على جذب الاستثمار الأجنبي وإقامة صناعات تصديرية غير نفطية، فإن تدابير مثل الحد من الفساد والمحسوبية، وإقامة محاكم مستقلة لضمان سيادة القانون، ونقل منتظم للسلطة السياسية من خلال انتخابات سلمية ونزيهة أصبحت ضرورة ملحة لتفادي تدهور اقتصاداتها كلما تراجعت أسعار النفط.

في هذا الصدد، دروس كثيرة يمكن الاستفادة منها من خلال تجارب الآخرين، إذ لا تعتبر أوروبا، اليوم، ضحية للظاهرة الاقتصادية المعروفة بـ "المرض الهولندي" أو "لعنة الموارد"، في إشارة إلى اقتصادات البلدان التي تعتمد بشكل كبير على عائدات الموارد الطبيعية. فقد تم صياغة هذا المصطلح في عام 1977 من مجلة "الإيكونيميست" لوصف الأزمة التي تعرضت لها هولندا في ستينيات القرن الماضي والتي نتجت عن اكتشاف حقول نفط وغاز كبيرة في بحر الشمال. تسببت الثروة المكتشفة في ارتفاع العملة الهولندية ما جعلت الصادرات من جميع المنتجات غير النفطية أقل قدرة على المنافسة في السوق العالمية.
وفي عقد السبعينيات، وقعت حالة اقتصادية مشابهه في بريطانيا عندما ارتفع سعر النفط نحو أربعة أضعاف، حيث أصبح التنقيب عن النفط في بحر الشمال قبالة سواحل إسكتلندا مُجدياً من الناحية الاقتصادية. وبحلول أواخر السبعينيات، تحولت بريطانيا إلى دولة مصدرة للنفط بعد أن كانت مستورداً صافياً في السابق، ما تسبب ذلك في ارتفاع قيمة الجنيه الإسترليني بشكل كبير وسقوط البلاد في هوة الركود الاقتصادي، فأصبحت صادرات البلاد غير قادرة على المنافسة في السوق العالمية.
وفي حين استغلت معظم الديمقراطيات المتقدمة، مثل هولندا وبريطانيا، مخزوناتها الوفيرة وعوائدها الضخمة من النفط لإعادة هيكلة اقتصاداتها، فإن نيجيريا، التي شهدت أول انتقال سلمي للسلطة لمرشح المعارضة المنتخب، في العام الماضي، تحاول الآن أن تفعل الشيء نفسه. في الواقع، لا يمكن للسلام العالمي أن يدوم من دون مواصلة الدول جهودها لبناء اقتصادات مستدامة من خلال الابتكار والعمل الشاق، وإعادة استثمار عوائدها النفطية في صناعات إنتاجية غير نفطية. إن الانسجام السياسي بين الدول يتطلب قدراً من الانسجام والتعاون الاقتصادي فيما بينها، أيضاً.
(خبير اقتصادي أردني)

المساهمون