أبو عبدو يصنع أهلّة مآذن غزة من ربع قرن

07 مارس 2016
أبو خالد في ورشته (العربي الجديد)
+ الخط -
شارع لا تسمع فيه إلا صوت الآلات، ولا تشم سوى رائحة احتراق النحاس والفخار، هنا يقع محل محمد أبو عبدو "أبو خالد". يدلك جاره إلى محله: "على إيدك الشمال، لا يوجد غيره في المنطقة".
فوق باب خشبي قديم، في "شارع الفواخير"، وسط قطاع غزة، تعلو يافطة مغبرة بالتراب ومكتوب بخط أسود باهت "محل محمد أبو عبدو". الورشة قديمة، وفيها يمسك أبو خالد بشاكوشه، ويكمل صناعة "بكرج" للقهوة (غلّاية القهوة)، سيسلّمها لزبون قديم. هنا كل شيء غريب: أوان قديمة، فحم محترق حتى الجدران، تراب في كل مكان. المحل منخفض قليلاً عن الأرض، والآلات المستخدمة، أو الأدوات التي يتم إنتاجها لا تترك زاوية فارغة.
بصوت مرهق من التعب، يقول أبو خالد: "للتو انتهيت من صناعة 6 بكاريج بأحجام مختلفة لزبون قديم، من زمن والدي وجدي، فهو زبون من مدينة بئر السبع، كنا نصنع له هذه البكاريج، ثم انقطعنا بسبب إغلاق المعابر، وهذه فرصة جيدة لتوسيع لعملنا الآخذ في الانقراض".
تعلم أبو خالد عندما كان عمره 14 عاماً، مهنة والده وجده، حيث ورثها وأخوه، إلا أن الأخير شق طريقاً آخر، بينما بقي أبو خالد محتفظاً بمهنة العمر، محاولاً أن يعلمها لأحد أبنائه. "هذه مهنة سترتني وأسرتي، وبنيت معها علاقة حب قوية على مدار السنين"، يقول أبو خالد.
يصنع أبو خالد بيديه بكاريج ومصبات للقهوة والشاي، بالإضافة إلى أهلّة المآذن المصنوعة من النحاس الخالص، وهو الصانع الأخير لهذه المهنة في قطاع غزة. يقول:" في بدايات عملنا، كان قطاع غزة، يعتمد على الصناعات اليدوية، فكنا نصنع الأواني النحاسية، وكل ما يلزم البيت، أما اليوم اقتصرت الصناعة على البكاريج، وأهلّة المآذن، وبرغم تراجع الطلب إلا أنه لا يزال موجوداً".
ما يميز أدواته، أنها متقنة الصنع حيث يستخدم النحاس الخالص وآلات قديمة، دون أي إضافات، "فصناعتنا القديمة تختلف عن الحديثة ذات الوزن الخفيف". مشيراً إلى أنه يملك بكرج للقهوة منذ أكثر من 50 عاماً دون أن يصيبه الاهتراء. من جهة أخرى، يلفت أبو خالد إلى أنه قام بصناعة غالبية أهلة مآذن مساجد غزة، فالمئذنة الواحدة تتطلب صناعتها من 3 إلى 10 أيام بحسب ارتفاعها، الذي يتراوح بين 20 إلى أكثر من 50 متراً، كما أن تكلفتها تبدأ من 380 دولاراً وتصل إلى 1000 دولار تقريباً.

يعاني أبو خالد من إغلاق المعابر والحصار، إذ أن مستلزمات مهنته أصبحت نادرة التواجد في الأسواق، مثل الفحم الحجري وبرادة الحديد للحام. "لقد منع الاحتلال الاسرائيلي دخول هذه المواد إلى قطاع غزة، لذا اضطررت إلى البحث عنها لدى التجار القدامى في المهن المتشابهة" وفق أبو خالد . ويضيف:" منذ فترة، فرغ مخزني من الفحم الحجري، حيث كنت استخدمه على مدار 5 سنوات، فانزعجت كثيراً لأنني أعتمد عليه في عملية اللحام، غير أنني سرعان ما وجدت نحو 500 كيلو غرام من الفحم الحجري، في مخزن تاجر، فاشتريتها كلها".
فقد أبو خالد بسبب إقفال المعابر معظم زبائنه من الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948. يقول:" كنت أصنع قدر الفول لأصحاب محال الفول في الضفة الغربية، لكن بعد انتفاضة عام 2000 لم نستطع التواصل معهم".
أحمد (25 عاماً)، يقف على ماكينة لضبط غطاء بكرج انتهى والده من صناعته للتو. يقول أحمد الذي كان يرفض كغيره من الشباب أن يستمر في مهنة والده : "بعدما فشلت تجارتي، وتم إغلاق المحل التجاري الذي فتحه لي والدي، والذي استمر على مدار 8 سنوات لبيع الأراجيل في غزة، بدأت العمل هنا".
ويضيف: "صحة والدي لم تعد تساعده كثيراً، كما أن اقتصاد غزة بات سيئا جداً، لذا لا بد أن أستمر في مهنته، فهي مصدر رزقنا الوحيد، كما أنها أفضل من شكوى الحال في غزة والبقاء دون عمل".
يعبر أحمد عن تفاؤله ببقاء المهنة لسنوات، فالأدوات المنافسة التي كانت تدخل عبر الأنفاق توقفت، ما يعني ارتفاع الطلب على هذه الصناعة، إلا أنه يخشى في الوقت عينه من استمرار إغلاق المعابر كونها تؤثر سلباً على العمل. في حين يبدي أبو خالد سعادته لأنه لا يزال يتمسك بمهنة تراثية قديمة.

اقرأ أيضاً:"مطبخنا غير" مشروع منزلي يواجه البطالة
المساهمون