تاريخ الصدفة

تاريخ الصدفة

05 ديسمبر 2015
التاريخ الأميركي قام على إبادة الهنود الحمر(Getty)
+ الخط -
على مسافة نصف ساعة من بوسطن جنوبا، توجد مدينة اسمها بلايموث، يعود تاريخها إلى العام 1620 حين رست سفينة مايفلاور خطأ شمال خليج كيب كود وكانت تحمل مائة واثنين من الرجال والنساء، قادمة من إنجلترا، بعد رحلة شاقة دامت أسابيع في عرض المحيط.
ومن صدف التاريخ أنها رست بمحاذاة قبيلة من قبائل وامبانواغ. فاستقبلهم السكان الأصليون وعلموهم كل تقنيات الحياة في العالم الجديد، وكيفية التعامل مع صعوبة الطقس في الشتاء. لذلك كان أول حصاد لدى المهاجرين بمثابة عيد فاحتفلوا مع الهنود الحمر ورسخوا وجودهم على الأرض، وبنوا مساكنهم ثم معسكراتهم، ثم توالت الهجرات... ومنها خرجت كبرى "خرائط التاريخ" الأميركي المعاصر.
في تلك المحمية، التي تسمى اليوم "مزرعة بلايموث"، وحين تدخلها، كأنك تدخل القرن السابع عشر، ما شدني أكثر هو عيون امرأة وابنتها من الهنود الحمر. كنت أرى الدمع والألم وآثار الموت والتشريد.
لا يمكنك أن تنظر إلى عيون الهنود الحمر، في كل أميركا، شمالها وجنوبها، في كندا أو أميركا اللاتينية، إلا وتدرك عمق التاريخ الدموي.. تاريخ "طريق الدموع" حين هُجرت قبائل التشيروكي أو شردت قبائل الأباش...
سألتُ السيدة وابنتها فلم تردّا!
طلبت منهما أن ألتقط لهما صورة فوافقتا برأسيهما دون أن تنطقا بحرف...
دخلت كوخا وارتديت لباسا من جلد الحيوانات كان في متناول الزائرين، واستلقيت قليلا على دكة من أعواد الشجر وجلد الثعالب، وأغمضت عينيّ لأتذكر ما دار بيني وبين أم صديقة ذات عام...
في‮ ‬12‮ ‬أكتوبر/تشرين الأول من العام‮ ‬1492‮ ‬وصل كريستوف كولومبوس إلى جزر الباهاماس،‮ ‬ظانا أنه وصل بلاد الهند عن طريق الغرب‮. ‬
لقد عرف أن الأرض كروية،‮ ‬ولكنه لم‮ ‬يكن‮ ‬يعلم أن المحيط‮ ‬يسترخي‮ ‬على شواطئ تهدهده وتجلب إليه السكينة والسحر‮..‬وحين عاد بالذهب لم‮ ‬يكن‮ ‬يدري‮ ‬درجة العماء‭ ‬التي‮ ‬كان‮ ‬يدفع بها أولئك الأبرياء، الذين استقبلوه وعاهدوه على السلام‮.

‬تحدثت كتب التاريخ عن بحار عربي‮ ‬اسمه خشخاش البحري، ‬ركب بحر الظلمات منطلقا من مدينة لشبونة سنة‮ ‬850م وأنه اكتشف بعد أيام من الإبحار ومصارعة الرياح والموج،‮ ‬جزيرة مأهولة بالناس‮.. ‬وقد استقبلوه وقدموا له الهدايا،‮ ‬فعاد إلى حاكم الأندلس، عبدالرحمن الثاني،‮ ‬الذي‮ ‬كافأه بتعيينه أميرا للبحرية‮. ‬وبعد استشهاده في‮ ‬إحدى المعارك البحرية على‮ ‬يد قرصان من الفيكينغ لم‮ ‬يتوقف الإبحار‮. ‬فأبحرت جماعة من بلاد المغرب،‮ ‬في‮ ‬القرن العاشر الميلادي،‮ ‬لكن لم‮ ‬يظهر لها أثر ولم‮ ‬يسمع بخبرها قَطّ. ‬وتلت ذلك مغامرة ثمانية من العرب خرجوا من لشبونة باحثين عن الجزر، التي‮ ‬كانت السبب في‮ ‬هلاك من سبقوهم،‮ ‬عرفوا بالفتية المغررين،‮ ‬وتحدث عنهم الإدريسي‮ ‬في‮ ‬نزهة المشتاق قائلا‮: "‬وصلوا من لشبونة بعد اثني‮ ‬عشر‮ ‬يوما إلى بحر‮ ‬غليظ الموج كدر الروائح كثير القروش قليل الضوء فأيقنوا بالتلف‮. ‬ثم فردوا قلاعهم في‮ ‬ناحية الجنوب اثني‮ ‬عشر‮ ‬يوما أخرى، فخرجوا إلى جزيرة الغنم وفيها من الغنم ما لايأخذه عد ولا تحصيل وهي‮ ‬سارحة لا راعي‮ ‬لها ولا ناظر إليها‮. ‬فقصدوا الجزيرة فنزلوا بها،‮ ‬فوجدوا عين ماء جارية وعليها شجرة تين بري،‮ ‬فأخذوا من تلك الغنم فذبحوها،‮ ‬فوجدوا لحومها مرة لا يقدر أحد على أكلها‮" .. ‬ويمضي‮ ‬الإدريسي‮ ‬في‮ ‬حكاية قصة الفتية،‮ ‬ذاكرا أن ما اندهش له هؤلاء هو حين جاء سكان هذه البلاد برجل‮ ‬يعرف اللسان العربي،‮ ‬وحكى لهم قصة نجاته بعدما هلك رفاقه أجمعين‮...‬
عاد الفتية إلى لشبونة سالمين،‮ ‬واستقبلهم السكان بحفاوة تليق بأبطال ذلك الزمان‮. ‬وذاع صيتهم،‮ ‬وظلوا حكاية‮ ‬يتداولها الناس لسنوات طوال.

المساهمون