الحركة الوطنية ومساءلة المأزق

25 ابريل 2015
منى حاطوم،"كوفية"(تفصيل)، شعر بشري على قطن 1993-1999
+ الخط -

منذ سنوات ليست بالقليلة لا تبدو مشكلة "الحركة الوطنية الفلسطينية" في افتقارها إلى عملية مراجعة نقدية، بقدر حاجتها المصيرية إلى تحرير إرادتها وتحرير خطابها، ضمن ما يمكن تسميته بعاطفية الفكرة. فالتاريخ يعلّمنا أن لا فعالية للأفكار حين لا تحملها عاطفة. أما كيف انفصلت الفكرة الوطنية عموماً والطبقة السياسية خصوصاً عن كل عاطفة أساسية (باستثناء المشاعر السلبية الدنيا) فهذا مما يستدعي التحليل والتأمل.

ورغم كل ما كتب وقيل حتى الآن، لا نستطيع الحديث عن نقدٍ فعلي للحركة الوطنية الفلسطينية أدى وظيفته، فالنقد بقي مساجلات خاطفة أو إسهامات نوعية نادرة لم تؤثر في بنى هذه "الحركة" ولم تغيّر جذرياً في الثقافة السياسية لمختلف تياراتها. بل إن تسمية حركة، مع كل هذا الجمود الذي طالها، لم تعد تسمية ذات صلة.

وإذا اتفقنا أن الحقل السياسي الفلسطيني كان عرضة لافتراقات مستمرة بين الأفكار والممارسة، وأن الفجوة بين ما تقوله الخطابات في هذا الحقل وبين ما تعنيه فعلاً، اتسعت أحياناً إلى درجة خلط الدلالات وتحوّل المعنى إلى رطانة لا تؤدي سوى إلى مزيد من الإحباط؛ فكيف يمكن أن نقدّم ما يسهم في تحرير الإرادة وما يعيد إلى الفكرة الوطنية التحررية بعضاً من عاطفيتها الضرورية لتستطيع الثبات من جديد واستئناف موقعها من التاريخ.

ولعل عاطفية الفكرة لا يمكنها أن تتحقق بدون استعادة المناقبية كأحد اشتراطات العمل الوطني، إذ لا شيء يعفينا من تحمّل المسؤولية الوطنية بغض النظر عن اختلال موازين العدالة أو حماقات موازين القوى.

ولعل أولى ضرورات هذا الاستئناف تحرير المعجم الاصطلاحي وتحرير الأسماء من "إرثها" الاستعماري. فحتى أكثر المصطلحات والتسميات بداهة اليوم، نجد عند مراجعتها وتفحّصها تاريخاً من الهيمنة والسلب.

ندرك أن هذا النقاش حول مأزق الحركة الوطنية الفلسطينية وحول مآلاتها وآفاقها، ليس أكثر من مقدّمة لحوار فكري سياسي ذي نفس طويل، يستطيع أن يقطع مع "حوارات" تكريس القائم. فالمأزق لا يمكن تجاوزه بدون إعادة الاعتبار إلى التحرير كقيمة مشتركة، بما يضمن تطابقه مع بنى سياسية واجتماعية يعاد إنتاجها وفق هذا المشترك، وهو ما يعيد المعنى بالضرورة إلى الدلالات الوطنية.

ونحن إذ نراجع تاريخاً من "العمل الوطني" نتلمّس نقصاً فادحاً في كفاءة الراهن ونعي أن "الحركة الوطنية" - بالشكل الذي نريده وتحتاجه قضيتنا - غير متحققة الآن، وليس أمامنا سوى تتبع إرهاصاتها وإشاراتها والعمل على تهيئة ظرف سياسي اجتماعي فكري لولادتها.

نفكّر بهذا مدركين أن اليأس من بضائع الاحتلال وأنه أول ما ينبغي مقاطعته.


الملحق بنسخته الورقية 


دلالات
المساهمون