المغرب: محنة الفلسفة المشاغبة

المغرب: محنة الفلسفة المشاغبة

20 نوفمبر 2015
أحلام لمسفر/ المغرب
+ الخط -

خلال درسٍ للفلسفة في المغرب، أخبر التلاميذ أستاذهم بأنهم لا يفهمون شيئاً ممّا يقول، فأجاب: "لا عليكم، أتركوني أتفلسف". مع الوقت أصبحت تلك العبارة مثلاً يُضرب لمن لا يناقش أي شيء، ولا يهدف سوى إلى الابتعاد عن الواقع ومشكلاته الحقيقية.

ربمّا يؤكّد ذلك، بشكل ما، أن "درس الفلسفة" في المدرسة المغربية اتّخذ توجهاً يتناقض مع غايته الفعلية، وهو أمر يدعو المهتمّين إلى الانخراط في لحظة نقدية ضرورية، لفك عقدة "أزمة درس الفلسفة".

لعلّ اليوم العالمي للفلسفة، المصادف لثالث خميس من تشرين الثاني/ نوفمبر من كلّ عام، والذي أقرّته "اليونيسكو" في 2002، بطلبٍ من المغرب، مناسبة لطرح أسئلة عن راهن الفلسفة من خلال تدريسها.

منذ استقلال المغرب، لم تكن سبل الدرس الفلسفي معبّدةً، فقد عرفت الفلسفة "محنة" ووُصفت بـ"المشاغبة". في سنوات السبعينيات، صدرت مذكّرة بإلغائها من برامج التعليم، إذ تم حذف المادة كلّياً من مقرّرات التربية الوطنية، قبل أن يستقر رأي المسؤولين على محاولة "أسلمتها" من الداخل. في مقابل ذلك، تم العمل على تقوية مكانة التربية الإسلامية في المقرّرات الدراسية.

كان مبرّر الهجوم على الدرس الفلسفي، هو انتشار الماركسية ونمو التيارات اليسارية الراديكالية في السبعينيات. وكان على الدرس الفلسفي أن يتحمّل تبعات الصراع السياسي والأيديولوجي.

اليوم، يبدو الدرس الفلسفي وكأنه يصارع من أجل العودة إلى الفلسفة، بعد أن بات قريباً من كل شيء ويشبه كل شيء إلا الفلسفة. في المقابل تعمل المؤسّسة من أجل تدجين هذا الدرس ولجمه. يتّضح ذلك أساساً في إلهاء مدرّس الفلسفة بنظريات بيداغوجية لا تأتي أكلها.

هكذا انحرف الدرس الفلسفي عن الوظيفة النقدية للفلسفة. أسئلة الدرس الفلسفي لا يمكن أن تُختزل في ما هو بيداغوجي فقط، بل يجب أن ترتبط بأسئلة الفلسفة ذاتها، بما هي نقد وخلخلة وتفكيك للبديهيات وللحقائق الثابتة، وإثارة لأسئلة المجتمع ورهاناته.

هذا الأمر لا يمكن أن يتحقّق، لكسر صورة الدرس الفلسفي الباهتة، والتي تكشف عن أن ما يُقدَّم للمتعلّم ليس سوى دروس لاجتياز الامتحانات والحصول على نقطة جيدة، بدل إشباع نهمه وتعطّشه للمعرفة.

الدرس الفلسفي، وإن في مساراته المتعثرة، مدعوّ إلى أن يدفع المتعلّم إلى التمرّس على أساليب المساءلة والتحليل النقدي والمحاججة، باعتبار هذه العمليات هي الضامنة لاستقلالية التفكير، وهي السبيل إلى إقرار فكر الإنصات والتحاور والتفاهم والتسامح، ضد كل أشكال العنف، رمزياً كان أو جسدياً.



اقرأ أيضاً: منير الكشو: فلسفة لفهم الشأن العام

دلالات

المساهمون