هذا العام، يتابع التلاميذ الفلسطينيون، لا سيّما في قطاع غزّة، تعليمهم وفق منهاج جديد. على الرغم من تشديد المعنيّين على أهميّته، خصوصاً في مواكبة التطوّر الحاصل في العالم، إلا أنّ ثمّة جدالاً يسجّل بين الأهالي الذين إمّا يتذمّرون منه أو يرحّبون به.
صدر قرار وزارة التربية والتعليم العالي بتغيير منهاج التدريس الفلسطيني من الصف الأول ابتدائي وحتى الرابع منه، فطُبّق وعُمل به منذ بداية العام الدراسي الجاري في كلّ المدارس الخاصة والحكومية وتلك التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وانتظم التلاميذ في صفوفهم واستلموا كتبهم الجديدة فيما انطلق المدرّسون في العملية التعليمية. منذ ذلك الحين، يشكو أهالي التلاميذ ويتحدّثون عن صعوبة المنهاج وعدم فهمهم أساليب التعليم التي استحدثها واضعو المنهاج، ويُثار الجدال بينهم وبين آخرين مرحّبين.
يوضح واضعو المنهاج الجديد أنّ التغييرات كانت ضرورة ملحة وحاجة ماسة لتطوير المنهاج، الذي مرّ على آخر تحديث له 15 عاماً. يضيفون أنّ خطوة تغيير المنهاج جاءت بعد اختبارات وطنية ودولية أظهرت ثغرات في المنهاج المعتمد منذ عام 2000، الأمر الذي أوجب إصلاحه وتطويره. وأتى التغيير بالتوافق بين خبراء تربويين وأكاديميين من قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، أخذوا بعين الاعتبار عثرات المنهاج القديم، فتجاوزوها ليحاكوا في المنهاج الجديد التطورات على الصعيد الاجتماعي وكذلك المهني والاقتصادي والمعرفي، من خلال الاعتماد على نظريات علمية حديثة في التدريس.
تقول مديرة قسم المناهج في وزارة التربية والتعليم العالي في غزة، الدكتورة سمية النخالة، إنّ "السبب الرئيسي الداعي إلى تطوير المنهاج الفلسطيني هو عدم تضمّن القديم ما يتعلّق بالتطورات الحاصلة في مختلف المجالات، خصوصاً التقنية والتكنولوجية، بالإضافة إلى النظريات الحديثة في التعليم وأهمية الوقوف عند احتياجات الفرد والمجتمع الفلسطيني من مادة تربوية وعلمية". تضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "الإطار العام للمنهاج الجديد يراعي البعد الوطني وكذلك التحرري والديني والمعرفي والثقافي، بما يتماشى مع خصوصية الحالة الفلسطينية. وقد دمجت نظريات عملية حديثة تقوم على الفهم، بعيداً عن الأساليب التقليدية في التدريس القائمة على التلقين والحفظ".
يوفّر المنهاج الجديد للتلاميذ عدداً من الفرص الجديدة من خلال توظيف التكنولوجيا، واكتشاف المعرفة العلمية والمشاركة في إنجازها، ومحاكاته عشرات من المهن الجديدة كالغذاء والموسيقى واحتراف الرياضة. مع ذلك، للأهالي وجهة نظر أخرى في التغييرات، إذ وجد عدد كبير منهم أنّها تنطوي على صعوبة شديدة بالمقارنة مع المنهاج القديم، ولم يفهموا أساليب التدريس الحديثة التي بني على أساسها المنهاج. في هذا الإطار، تقول مريم شاهين إنّ "المنهاج القديم كان أكثر وضوحاً وقوة. كان أطفالنا مع نهاية الصف الأول يعرفون القراءة والكتابة غيباً وتكوين جملة من ثلاث كلمات على أقل تقدير". تضيف أنّ "المنهاج الجديد يعتمد على الاستماع والصور وكتابة أقل. القديم أسهل لنا في تدريس أطفالنا".
هل يستفيدون من التعديلات؟ (إيمان عبد الكريم) |
في هذا السياق، يستغرب رئيس قسم المناهج في جامعة الأقصى وعضو الفريق الوطني لمنهاج "اللغة العربية"، الدكتور إياد عبد الجواد، الجدال وشكاوى عائلات تلاميذ المرحلة الابتدائية. ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ "الرفض أصبح سمة لدى الأهالي. فالمنهاج القديم قوبل بالرفض لكثرة عدد المباحث، فيما يقابل المنهاج الجديد اليوم بالرفض لقلة عدد المباحث". ويشير إلى أنّ "الأهالي بمعظمهم يعبّرون عن رفض ما، من دون أدلّة أو من دون أن يعوا ماهية المنهاج الجديد". ويشدّد على أنّ "التغيير هو سنّة الكون. وبعد مرور عقد من الزمن على المنهاج القديم واستطلاع رأي شرائح المجتمع المحلي من أولياء أمور وجامعات ومؤسسات ومشرفين بالإضافة إلى قياس الاستطلاعات بأدوات علمية، كان لا بدّ من قرار جريء لنبدأ بالخطوة الأولى في تغيير المنهاج".
من جهتها، تخبر أسماء الهندي أنّها كانت في البداية سعيدة بالمنهاج الجديد، وقد أملت أن يطوّر قدرات أطفالها في مجالات مختلفة وجديدة. تقول: "ظننت أنّ المنهاج الجديد سهل وخفيف. لكنّنا وبعد البدء بالدروس، رأينا أنّه غريب. أحسست بالضياع، إذ لم أكن أعرف كيف أدرّس أطفالي".
في المقابل، ترى مرام الحداد أنّ الطريقة الصحيحة في التعليم هي في المنهاج الجديد، لا سيّما في مهارة الاستماع التي يتضمّنها، مؤكدة على أنّ "الدروس المكتوبة تعلم الطفل الحفظ من دون فهم، أمّا أسلوب الصور والاستماع فيدفع الطفل إلى تشغيل ذهنه وخياله". تضيف أنّ "منهاج اللغة العربية للصف الأول سهل، لكنّ تفكيرنا ينصبّ على كيفيّة الأسئلة والتدريبات المقبلة. أظنّ أنّ الرياضيات هي الأصعب وهي التي تحدّد مستويات التلاميذ".
عن الشكاوى التي وصلت إلى وزارة التربية والتعليم العالي حول صعوبة المنهاج الجديد، تشدّد النخالة على أنّ "الوزارة تعمل جاهدة من خلال المدارس والتواصل المستمر مع الأهالي، على تدريبهم على أساليب التدريس المستحدثة في المناهج، حتى يسهل عليهم تدريس أطفالهم". تضيف أنّ "الأهالي استعجلوا في الحكم على المنهاج في وقت وجيز. يجب عليهم الانتظار، فالتغيير دائماً يقابَل برفض من البعض وبترحيب من بعض آخر". وتطلب من "الرافضين التوجّه إلى أقرب مدرسة للحصول على المساعدة المطلوبة واللازمة حتى يتمكّنوا من تدريس أطفالهم، وتطوير مستواهم التعليمي".
وفي أحد اجتماعات التدريب التي تنظمها الوزارة لأولياء الأمور، من أجل تعليمهم طرق التدريس المستحدثة، التقت "العربي الجديد" أبو محمد سكيك. بالنسبة إليه، "المنهاج الجديد سهل وممتع، ويعتمد على تقوية الطفل ذهنياً من خلال الاستماع، من دون إرهاقه بالكتابة والنسخ". يقول: "أهمّ النقاط التي طرحت في الاجتماع أنّ الحفظ غير مطلوب كما كان سابقاً. والاعتماد في الحصص يكون على الاستماع والإصغاء من دون كتابة". ويرى سكيك ضرورة أن يشارك الأهالي في مثل هذه الاجتماعات قبل الحكم على المنهاج الجديد، وإعطاء أطفالهم الفرصة كي يستمتعوا بالتعليم واللعب بالإضافة إلى تعزيز قواهم الذهنية.