المشروع السوريّ للأطراف الصناعيّة يُعيد الحياة إلى الآلاف

المشروع السوريّ للأطراف الصناعيّة يُعيد الحياة إلى الآلاف

13 يونيو 2014
يضم المركز عيادة للعلاج الطبيعي(من صفحة المركز على فايسبوك)
+ الخط -


دائماً ما يكون الجرحى، الحلقة الأضعف في الحروب. تحصي المنظمات الإنسانية القتلى، وتتحدث عن اللاجئين والمشردين، ولا تلتفت كثيراً إلى أولئك الذين يخسرون أطرافهم.
في سورية، خلّفت العمليات العسكرية والقصف بالصواريخ والبراميل المتفجرة، على امتداد ثلاث سنوات عشرات الآلاف من القتلى وملايين المشردين، إضافة إلى آلاف فقدوا أطرافهم. صحيح إنه لا توجد إحصائيات دقيقة، لكن بعض المنظمات والهيئات الطبية الدولية تقدر أن عدد هؤلاء تجاوز الـ25 ألف شخص منذ عام 2011.

أمرٌ دفع مجموعة من الأطباء السوريين والمتدربين إلى منح هؤلاء فرصة أخرى، من خلال إنشاء المركز الوطني السوري للأطراف الصناعية، بمساعدة بعض المغتربين على الحدود السورية التركية، وفي منطقة الريحانية تحديداً. يقول مدير المركز رائد المصري لـ"لعربي الجديد" إن: "فكرة المشروع بدأت منذ سنتين، مع تزايد عدد مبتوري الأطراف في سورية"، لافتاً إلى أن الفكرة "تبلورت بمساهمة مجموعة من الأطباء السوريين المقيمين في الخارج، وبعض العاملين في الاختصاصات الطبية المختلفة، ليتم افتتاح المشروع في الأول من فبراير/شباط العام الماضي". ويضيف: "ساهمت جمعيات سيريا ريليف، وسيما، وكل سوري بدعم المشروع مؤخراً".

ويتابع المصري: "المركز يقدم خدماته للمرضى مجاناً، علماً أن كلفة تركيب الطرف الواحد تتراوح بين 500 و1200 دولار". أما عن التقنيات المستخدمة، فيشير إلى أن: "المشروع بدأ بتقنية بسيطة تسمّى جيبور فوت، وهي تقنية هندية تستخدم في شرق آسيا. وتم التعاقد مع فريق من الخبراء الباكستانيين لمدة شهر لتدريب الفريق السوري. وبعد فترة بسيطة، قمنا بتطوير هذه التقنية من خلال إدخال بعض التعديلات الحديثة، كالركبة الميكانيكية ومفصل الكاحل، ليتم بذلك صناعة أطراف فريدة من نوعها جمعت بين التقنيتين الهندية والأوروبية".

ويلفت المصري إلى أن:" البروفيسور البريطاني غيلن هيلث والطبيب الفلسطيني ــ البريطاني جمال قاسم، وهما خبيران في اللجنة العلمية للمركز، عملا بعد فترة على تطوير التقنية لتصبح أوروبية فقط"، مضيفاً: "نعمل حالياً على استقطاب الخبرات التركية العاملة في الشركات العريقة لتدريب العاملين بشكل دوري".

ويقوم المركز بتصنيع الأطراف في ورشات المراكز التابعة للمشروع الأساسي في الريحانية، علماً أنه تم افتتاح فرع آخر في ريف ادلب الشمالي أخيراً. وفي السياق، يلفت مدير المركز إلى أن: "معظم المستفيدين من الفرع الموجود في ريف ادلب إناث، وتبلغ نسبتهن حوالي 40 في المئة، بينما يستفيد الأطفال بنسبة 25 في المائة"، ويعود السبب إلى صعوبة إقامة النساء في تركيا، ريثما يتم تركيب الطرف الصناعي لهن، بعكس الذكور الذين يلجؤون إلى أصدقائهم. ويضيف المصري: "وجدنا في الداخل الكثير من المصابات اللواتي لا يفكرن أبداً بالسفر إلى تركيا لتركيب طرف صناعي، لصعوبة الأمر. وأجبرن أنفسهن على الاقتناع بالواقع الجديد والتأقلم على الحياة من دون ساق أو يد".

أما في مركز الريحانية، فبلغت نسبة مبتوري الأطراف نتيجة الأحداث حوالي 98 في المئة، في مقابل 2 في المئة أجبروا على بتر أطرافهم نتيجة إصابتهم بأمراض معينة. ويلفت إلى أن: "معظم المصابين هم من فئة الشباب، وتتراوح أعمارهم بين 16 و45 عاماً".

العودة 

إسراء (24 عاماً)، بترت ساقها اليمنى جراء إصابتها بقصف صاروخي استهدف حيّهم في منطقة جبل بدرو في حلب. تقول إن "فقدان ساقي سلبني الحياة، وليس الحركة فقط. شعرت أنني مثل أي شيء جامد أو قطعة أثاث. لم أستطع التكيف مع حالتي مطلقاً، وكنت دوماً أخشى نظرة الآخرين إلي".


وتتابع إسراء: "أخبرني أحد الأصدقاء عن المركز الوطني السوري للأطراف الصناعية. بحثت عن وسيلة للتواصل معهم. وبعد فترة، استطعت الاستفادة من خدمات المركز وتركيب ساق اصطناعية. صحيح أنني في البداية لم أعتد على المشي بسهولة، لكنني تأقلمت في النهاية، وأصبحت قادرة على النهوض والسير بمفردي، واستعدت حياتي مرة أخرى".

الوضع نفسه كان يعيشه مصطفى (29 عاماً) بعدما فقد ساقه أيضاً بقذيفة هاون سقطت أمام منزله في حلب. كان يستخدم العكازات لمساعدته على المشي والحركة. يقول: "كنت أجد صعوبة في استخدامها، لكنها كانت وسيلتي الوحيدة للتحرك ومزاولة عملي كبائع على إحدى (البسطات) لتأمين تكاليف العيش لأسرتي. وبعدما قمت بتركيب ساق اصطناعية، اختلف الوضع كثيراً، وأصبحت قادراً على المشي بسهولة، والعمل كأي شخص عادي". ويضيف: "أكثر ما أسعدني أنني أصبحت قادراً على حمل طفلي واللعب معه، كما كنا نفعل في السابق".

وتجدر الإشارة إلى أن مركز الريحانية يضم عيادة للعلاج الطبيعي، لتدريب المرضى على التكيف مع أطرافهم الاصطناعية، وتستغرق رحلة العلاج عدة أشهر.