دمشق تفقد بهجة رمضانها

دمشق تفقد بهجة رمضانها

24 يونيو 2015
مع تدهور الأوضاع، تغيّرت معظم عادات السوريين (فرانس برس)
+ الخط -

اعتادت دمشق أن ترتدي في كل مناسبة دينية حلّة ملونة بطقوس أهلها الذين سكنوا بتنوّعهم حاراتها وتشاركوا أفراحهم وأحزانهم. في ما مضى، لم يكن أجمل من زيارة دمشق في أعياد الميلاد ورأس السنة عندما تكون مضاءة بالأبيض، إلا قضاء شهر رمضان فيها. عندها كانت تكثر الاجتماعات العائلية والسهرات الدمشقية بكل ما فيها من سكينة وسلام على وقع الآيات القرآنية المنطلقة من مآذنها.

بالرغم مما عانته سورية قبل الثورة نتيجة الحريات المسلوبة، ظلّ شعبها المسكون بالأمل والحياة والإيمان يستقبل شهر رمضان كضيف عزيز يُنتظر عاماً كاملاً. صحيح أن يوم الصيام الأول هو الأصعب عادة، إلا أن وجبة الإفطار الأولى كانت تأتي بنكهة خاصة لتفسح المجال أمام الجميع للدخول في جو الشهر الفضيل.

قبل الإفطار بساعات، كان أفراد العائلة يتعاونون على تحضير الطعام وترتيب المائدة. وغالباً ما كان يحمل الأطفال بعض الأطباق المعدّة في بيوتهم ويوزعونها على الجيران. وقبل الأذان بنحو عشر دقائق، كانت العائلة تجتمع حول المائدة ويُصار إلى تبادل الأحاديث بينما يستمتعون بسماع القرآن المنطلق من المآذن، في انتظار ضرب المدفع.

وكان السوريون قد اعتادوا تنويع إفطاراتهم التي كانت تشمل بشكل أساسي الشوربة الساخنة والفتوش أو السلطة، بينما تختلف الأطباق الرئيسية التي تحتوي في معظمها على اللحوم. أما المشروبات فكانت جزءاً أساسياً من المائدة الرمضانية السورية، من قبيل عرق السوس وقمر الدين والتمر الهندي. كذلك كانت الحلويات تتنوّع ما بين كنافة وقطايف عصافيري ومشبك وعوامة.

يُذكر أن كثيرين يفطرون على التمر والماء، قبل أن يتوجّه الرجال إلى الجامع لأداء صلاة المغرب. وكان الجميع بمن فيهم النساء، يعودون إلى الجوامع لأداء صلاة العشاء وكذلك صلاة التراويح. وفي حين كان يتجمّع الرجال أمام الجامع ويتبادلون الأحاديث، كانت النساء يقمن بزيارات قصيرة للأهل أو الجيران.

إلى ذلك، كانت السهرات العائلية التي قد تمتد حتى السحور، من أكثر طقوس رمضان المستحبّة. فيها تجتمع العائلة كاملة وسط أجواء من الفرح بعيداً عن هموم الحياة اليومية. تجدر الإشارة إلى أن لأصوات المآذن في خلال هذه الساعات وقعاً خاصاً على الساهرين، فدمشق تتميّز بتعدد جوامعها.

من جهته، كان المسحّر يُعدّ من أجمل مظاهر الرمضانية السورية وأقدمها. هو رجل بسيط في الغالب، كان يأخذ على عاتقه مهمة إيقاظ الصائمين ليتمكنوا من تناول السحور وأداء صلاة الفجر. في أثناء جولاته في الحارات الدمشقية، يرتدي الملابس الشامية التقليدية حاملاً طبلته الصغيرة. وكثيرون هم الذين كانوا يتفاءلون بصوته، ويرون أنه يحمل روح دمشق العريقة الطيبة. وفي آخر أيام رمضان، يقدّمون له "العيديّة".

وعندما يحين موعد الإفطار، كان من الممكن ملاحظة بعض الشبان في الطرقات يقدّمون المياه والحلوى للصائمين الذين اضطروا إلى التأخر عن بيوتهم. كذلك، كانت تنتشر بعض الخيم الرمضانية التي تقدّم الطعام والمياه للمحتاجين وعابري السبيل.

هذا ما كان. أما في السنوات الأخيرة المضطربة ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فقد تغيّرت معظم عادات السوريين بما فيها الطقوس الرمضانية. وبات تأمين وجبات الإفطار حملاً ثقيلاً على معظمهم، في حين أصبح التنقل في دمشق ولو على أضيق النطاقات أمراً غاية في الصعوبة بالإضافة إلى التضييق على الجوامع.

إلى ذلك، زاد الارتفاع الهائل في أسعار المواد الغذائية من معاناة السوريين، الأمر الذي أدّى إلى اختصار وجبة الإفطار إلى نوع واحد من الطعام في حين تخلو بيوت كثيرة من اللحوم الحمراء والدجاج. وقد ساهم أيضاً انقطاع الكهرباء والماء لساعات متواصلة ولأيام في بعض المناطق بالإضافة إلى عدم توفر الغاز مع ارتفاع سعره الخيالي إن توفّر، في توجّه العائلات إلى التقنين في طعامها واختيار وجبات بسيطة. من جهة أخرى، اختفت تماماً بعض العادات كالزيارات التي تتطلب اجتياز مسافات طويلة، ما بين الأهل أو السهرات العائلية، وذلك بسبب عدم القدرة على التحرك ليلاً في دمشق بالإضافة إلى ارتفاع بدلات وسائل النقل.

ويبقى أن غياب المسحّر الذي كان يضفي بعض الفرح، بات يصبغ الصباحات بالكآبة والحزن إلى جانب كل ما يعانيه السوريون من مآس.

اقرأ أيضاً: صيام على الصيام في سورية