أطفال السليمانيّة.. العمل ليس خيارهم ولن يكون

أطفال السليمانيّة.. العمل ليس خيارهم ولن يكون

29 يناير 2015
سأعود إلى بيتي ومدرستي بعد خروج "داعش" (حامت حسيّن/الأناضول)
+ الخط -

أجسادهم نحيفة ووجوههم شاحبة وعيونهم تعكس حجم ألمهم. هم أطفال ينتشرون في شوارع مدينة السليمانية (تابعة لإقليم كردستان) لبيع العلكة أو المناديل أو أكياس النايلون أو الحلوى أو صباغ الأحذية أو البالونات أو الألعاب وغيرها. هذه الأعمال هي مصدر رزقهم وإن كانت منهكة. يومياً، يتركون منازلهم في الصباح الباكر، ليجلسوا على الأرصفة أو يقفوا على مقربة من شارات المرور. أما حصيلة آخر النهار فبالكاد تكفي لسد حاجات عائلاتهم الأساسية.

كثيرون هم الأطفال الذين تركوا مقاعد الدراسة باكراً للعمل من أجل إعانة عائلاتهم، من دون أن يكون ذلك خيارهم. ريبوار محمد (عشر سنوات) هو أحد هؤلاء. عادة ما يتجول في سوق أورزدي في السليمانية. يحمل صندوقاً يحتوي المواد الخاصة بصباغة الأحذية. يتذمر أحياناً حين لا يدفع له الزبون المبلغ الذي اتفقا عليه. يحدث هذا دائماً معه. يقول إن "جني المال ليس سهلاً في هذه المدينة. يشتمني الزبائن حين أطالب بحقي. هنا، معظمهم يحتقرون مهنتي، لذلك لا يدفعون لي المبلغ الذي أطلبه، ويتحججون بأنني لا أجيدها لأنني ما زلت صغيراً". يضيف: "أعيش مع والدي المريض وشقيقيّ اللذين ما زالا في المدرسة. ولأنني الأكبر، اضطررت إلى العمل، بخاصة أن راتب الحماية الاجتماعية لا يكفي لسد كلفة علاجه".

يتابع: "لم أجد خياراً غير العمل لأوفر احتياجات المنزل ومصاريف المدرسة. أكسب حوالي 25 ألف دينار يومياً. وفي الأعياد وغيرها، أجني نحو 50 ألفاً وأحياناً أكثر. أجني أكثر من الموظف. الفارق الوحيد بيننا أنه أكمل دراسته فيما شاء القدر أن أترك المدرسة". ريبوار وأقرانه ممن اختاروا مرغمين ترك الدراسة وامتهان صباغة الأحذية، يقولون إنهم يقضون يومهم في العمل. يخرجون من بيوتهم في الصباح الباكر ولا يعودون إليها قبل الليل. أحياناً، يتوقفون قليلاً عن العمل للعب. لا يطول الأمر. يعودون إلى العمل وقد عبست وجوههم، أو ربما أكسبوها طابعاً جدياً وقاسياً بعض الشيء، حتى يتمكنوا من التعامل مع زبائنهم.

نزوح

لا يقتصر العمل في أسواق السليمانية على أطفال المدينة فحسب. بل إن نزوح الأسر العربية التي تسكن الخيم، وصعوبة الحياة، جعلاها تدفع أطفالها إلى العمل. نزح يوسف زياد مع أسرته من قضاء تلعفر. استقر بهم المطاف أخيراً في السليمانية، بعدما كانوا قد مكثوا لبعض الوقت في مخيم الخازر في أربيل. دفعته ظروف أسرته الاقتصادية السيئة إلى العمل وأخوته في أسواق السليمانية. الشقيق الأكبر محمد يبيع اللعب. أما يوسف وأخوه محمد، فيبيعان أكياس النايلون للمارة في سوق الخضر.

يقول يوسف (سبع سنوات): "نزحنا من تلعفر بعد دخول تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). سكنّا مخيم الخازر المزدحم. قرر والدي القدوم إلى السليمانية لنسكن في مخيّم عربت للنازحين". على الرغم من صغر سنه، يبدو قادراً على الحديث عن معاناة الأسر العربية النازحة إلى هذه المدينة، والتي دفعت كثير من الأطفال إلى العمل. يقول: "الأعمال غير متوفرة للنازحين. تعب والدي من البحث عن فرصة عمل هنا، والمشكلة أنه لا يجيد اللغة الكردية. كما أنه غير مرحب بنا للعمل هنا. لذلك، اضطررت وإخوتي للعمل. فقد خسرنا سنتنا الدراسية لأنه لا يوجد مدارس للنازحين". يضيف: "بدأت وإخوتي العمل على تأمين مصاريف الأسرة، ووضعنا صار أفضل اليوم. حتى أن الناس يتعاطفون معنا، ومنهم من يعطينا المال من دون شراء أية شيء". يؤكد: "أنا لست بمتسوّل. بل أعمل بكد وسأعود إلى بيتي ومدرستي بعد خروج داعش".

في السياق، يقول ناشطون وباحثون اجتماعيون في إقليم كردستان إن هذه الظاهرة باتت تشكل أحد مظاهر الحياة اليومية في الإقليم. وفيما يحذرون من تزايدها، يشددون على ضرورة القضاء عليها، وإيجاد بديل اقتصادي للعائلات حتى لا يضطروا إلى إرسال أطفالهم للعمل.

إهانة وضرب

في السياق، يقول الناشط في مجال حقوق الإنسان سامان أسعد، والذي يعمل في منظمة التنمية المدنية بالسليمانية: "بدأنا نلاحظ انتشاراً كبيراً لظاهرة عمالة الأطفال في الإقليم، بخاصة بعد نزوح آلاف الأسر العربية إلى مدن الإقليم". يضيف أن "أطفالاً كثيرين يضطرون إلى العمل في مهن لا تتناسب وقدراتهم البدنية، والأخطر أولئك الذين يعملون في مجال البناء". يشير إلى أن "كثراً من الأطفال يتعرضون لحوادث خطيرة وانتهاكات صارخة لطفولتهم، كالإهانة والضرب ومطاردة الأجهزة الأمنية لهم".

يرى أسعد أن أسباب تنامي ظاهرة عمالة الأطفال في الاقليم ترتبط "بغياب تطبيق القوانين الخاصة بحقوق الطفل، أحدثها قانون مناهضة العنف الأسري الذي بدأ العمل به فعلياً في الإقليم منذ عام 2012، وينص في بعض فقراته على عدم السماح للأطفال بالعمل. ونستغرب عدم تطبيقه حتى اللحظة، ومحاسبة المسؤولين". بدوره، يقول مدير الشؤون الاجتماعية والضمان الاجتماعي في السليمانية محمد حمه صالح إنه "ليس هناك حلول جذرية لعمالة الأطفال. كل ما نستطيع توفيره هو مبلغ 150 ألف دينار (120 دولاراً) للطفل العامل، على أن يتعهد بعدم العودة إلى العمل، وفق قانون الضمان الاجتماعي ورعاية الأسرة المعمول به".

يلفت إلى أن مديرية الشؤون الاجتماعية "تعمل على محاسبة أرباب العمل المخالفين للقوانين، والذين يشغّلون الأطفال دون الـ 16 عاماً، من خلال الاستعانة بفرق التفتيش الجوالة في قطاعات العمل المختلفة". من جهتها، تقول الناشطة خرمان لطيف: "علينا التعامل بواقعية مع هذه الظاهرة. جميعنا يعلم أن رواتب الحماية الاجتماعية لا تكفي لسد مصاريف شخص واحد، فكيف بأسرة؟ كما أن انتشار الفرق الجوالة للبحث عن الأطفال العاملين قد يخيفهم، ويمكن أن يؤدي إلى انخراطهم في أعمال غير مشروعة، بخاصة أنه يتم سجن بعضهم مع المجرمين".

تؤكد أن "الحل يكمن في إيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة، وتوفير إعانة مادية للأسر الفقيرة تتناسب مع أوضاعهم الاقتصادية، بالإضافة إلى ضرورة أن تضع الحكومة المركزية خطة استراتيجية لمعالجة المشاكل الاقتصادية للنازحين العرب، وصرف رواتب تعينهم على الحياة الصعبة في اقليم كردستان".

المساهمون