"كلّ تأخيرة وفيها خيرة"

"كلّ تأخيرة وفيها خيرة"

22 اغسطس 2018
الوقت... كثيرون لا يدركون مفهومه (بيدرو فيوزا/ Getty)
+ الخط -

"كلّ تأخيرة فيها خيرة". قول يتردّد في أكثر من موقع ومناسبة. المصريّون يكثرون من استخدامه، كذلك يفعل اللبنانيّون ومثلهم الفلسطينيّون وبعض من أهل الخليج العربيّ. ربّما يلجأ آخرون إليه، في حين أنّ كلّ واحد ينسبه إلى قومه. ويُدرَج بالتالي على قائمة "الحكم والأمثال الأصليّة" لأحد البلدان أو يتضّمنه "قاموس الأمثال المحليّة" أو نشير إليه من خلال "يقول مثلنا الشعبيّ" وغير ذلك. لسنا هنا في وارد التحقّق من أصل ذلك القول ومَن هي الشعوب الأخرى التي تعتمده، غير أنّه جاهز دائماً في ردّنا على كلّ تأخير نرتكبه.

نحن نرتكب التأخير. هذا صحيح. ليس في الأمر أيّ خطأ مطبعيّ أو لغويّ. التأخير فعل بغيض ونحن نحترفه. في بعض الأحيان، نرى أنفسنا وقد اختلقنا ألف عذر وعذر، وفي أخرى نلجأ إلى "كلّ تأخيرة فيها خيرة" وقد استنفدنا كلّ الأعذار والحجج. أيّهما الأبغض، التأخير أم الأعذار والحجج؟ المسألة ليست هنا.

لا شكّ في أنّ الواحد منّا قد يضطرّ إلى التأخّر عن موعد ما، لسبب أو لآخر، ولمرّة أو اثنتَين أو حتى ثلاث مرّات. أسباب عدّة قد تستوجب ذلك، ليس أوّلها زحمة السير ولا آخرها ظرف عائليّ طارئ، غير أنّ المسألة هنا أشبه بعدوى تنتشر بين الناس.

كثيرون هم الذين لا يدركون مفهوم الوقت. واحد من الأسباب التي يطرحها علم الاجتماع وعلم النفس في هذا السياق. وهؤلاء يعانون من "حالة مرضيّة" تجعلهم دائماً متأخّرين عن كلّ موعد. إليهم، يأتي الأشخاص القلقون. هم بدورهم، يشكون من عجز في هذا المجال يُعَد "مرضيّاً" كذلك. بعيداً عن هؤلاء، الحديث ممكن عن تهرّب من المسؤوليّة لدى آخرين. باختصار، هم غير مسؤولين على الرغم من "نضج" أو "رشد" ينسبونهما إلى أنفسهم أو يُنسبان إليهم. ثمّ يأتي الفوضويّون الذين يعجزون عن تنظيم أيّ من شؤونهم الخاصة والعامة، لا سيّما الوقت. ولا ننسى الأشخاص الكذّابين الذين لا يقصدون إلحاق الضرر غير أنّهم يفعلون، وكذلك المنافقين محترفي الخداع الذي يجعلهم يفلتون في كلّ مرّة من المواقف الحرجة. لا تنتهي قائمة الأسباب، غير أنّ المساحة لا تتيح المجال لاستعراضها كلّها.




في أحد مقالاتها التي تتناول الأشخاص الذين يتأخّرون عن موعد أو التزام، توضح مجلّة "بسيكولوجي" الفرنسيّة المتخصّصة في علم النفس أنّ "المرء ومن خلال تأخّره، يفرض نفسه سلفاً على الآخر. فمَن ينتظره لا يكفّ عن التفكير به". لا يظنّنَ أحد أنّ في الأمر إيجابيّة تخفّف من وطأة التأخير ومن شعور محتمل بالذنب. مَن ينتظرنا يعاني من دون شكّ. ويبقى الوصول إلى موعد ما في وقت محدّد تحدياً حقيقيّاً.

دلالات

المساهمون