مصرف الابتسامات البليدة
مصرف الابتسامات البليدة
تسحب المال من الصرّاف الآلي (إيد جونز/ فرانس برس)
كلما نظر إليّ موظف المصرف رأيتُ الابتسامة نفسها على وجهه. لا أعرف إن كان هذا الرجل صاحب وجه بشوش حقاً أم أن إدارته تجبره على هذه الابتسامة البليدة، فمعظم زملائه يتمتعون بابتسامة مماثلة. ابتسامة غريبة لأنها تكاد تصبح جزءاً من ملامح وجه هذا الموظف وجزءاً من شخصيته وشكله. تماماً مثل ربطة العنق التي يرتديها على البدلة الرسمية.
يقولون إن الابتسامة تعبّر عن السعادة. لكني لا أعتقد صراحة أنّ موظف المصرف يسعد برؤيتي، أنا الذي بالعادة يطرح كمّاً هائلاً من الأسئلة، فتأتيني إجابات لا أفهمها بسهولة، ما يجعلني أعيد طرح الأسئلة نفسها. ويقال أيضاً إن الابتسامة تبعث على الثقة وتوحي بأن صاحبها واثقٌ من نفسه. ربما لهذا يكون موظفو المصارف ملزمين بها؟
علاقة الناس العاديين مع المصرف هي علاقة غريبة وملتبسة. ربما كان المصرف هو المكان الوحيد الذي نشعر فيه بمشاعر متناقضة. نذهب إليه لنقبض المال فنشعر بالسعادة، نذهب لندفع المال فنحسّ بالضيق. وما بين سعادة قبض المال وألم دفعه هناك القروض المصرفية. وما أدراك ما القروض المصرفية. هذه التي تقيّد حياتك وتخنقها إلى زمن طويل. زمن قد يمتدّ إلى ما بعد حياتك نفسها. هذه القروض ستظهر دوماً في مناماتك على أشكال وحوشٍ مختلفة. وهي كالقيد الذي يكبّل ذراعيك في الدنيا. قيدٌ لن تتحرّر منه إلا مع آخر قسطٍ تسدّده للمصرف..
تقول النكتة المتداولة أخيراً إن رجلاً توجّه نحو آلة صرف الأموال التي تقع قرب باب المصرف، حيث سحب راتبه كلّه من الآلة ودخل به إلى المصرف. أمام الصندوق طلب من الموظف المعنيّ (الذي ربما كان صاحب الابتسامة نفسه) إيداع هذه الأموال في حسابه المصرفي الخاص. ضرب الموظف بأصابعه على لوحة الكومبيوتر أمامه ليتبيّن له فوراً أن هذا المبلغ الذي يودّ الرجل إيداعه في حسابه قد جرى سحبه توّاً من آلة الصرف المتواجدة عند الباب. وعندما استغرب الموظف هذا التصرّف وسأل الرجل عن الأمر، أكّد له هذا الأخير نتيجة جهاز الكومبيوتر. وبعدما زاد تعجّب الموظف، سألَ الرجل عن سبب قيامه بذلك، فأجابه الرجل البسيط ما معناه أن وجود المال داخل المصرف هو أكثر أماناً من وجوده خارجه.
ربما كان ما سبق نكتة، تداولها اللبنانيون وضحكوا لطرافة صاحبها ونباهته. لكنها تظلّ حقيقة مع ذلك. في كلّ مرة سنحمل نقودنا ونذهب بها إلى المصرف ونطلب منه الاهتمام بها والانتباه عليها لأنه الأقدر على ذلك.
والله أعلم.
اقــرأ أيضاً
يقولون إن الابتسامة تعبّر عن السعادة. لكني لا أعتقد صراحة أنّ موظف المصرف يسعد برؤيتي، أنا الذي بالعادة يطرح كمّاً هائلاً من الأسئلة، فتأتيني إجابات لا أفهمها بسهولة، ما يجعلني أعيد طرح الأسئلة نفسها. ويقال أيضاً إن الابتسامة تبعث على الثقة وتوحي بأن صاحبها واثقٌ من نفسه. ربما لهذا يكون موظفو المصارف ملزمين بها؟
علاقة الناس العاديين مع المصرف هي علاقة غريبة وملتبسة. ربما كان المصرف هو المكان الوحيد الذي نشعر فيه بمشاعر متناقضة. نذهب إليه لنقبض المال فنشعر بالسعادة، نذهب لندفع المال فنحسّ بالضيق. وما بين سعادة قبض المال وألم دفعه هناك القروض المصرفية. وما أدراك ما القروض المصرفية. هذه التي تقيّد حياتك وتخنقها إلى زمن طويل. زمن قد يمتدّ إلى ما بعد حياتك نفسها. هذه القروض ستظهر دوماً في مناماتك على أشكال وحوشٍ مختلفة. وهي كالقيد الذي يكبّل ذراعيك في الدنيا. قيدٌ لن تتحرّر منه إلا مع آخر قسطٍ تسدّده للمصرف..
تقول النكتة المتداولة أخيراً إن رجلاً توجّه نحو آلة صرف الأموال التي تقع قرب باب المصرف، حيث سحب راتبه كلّه من الآلة ودخل به إلى المصرف. أمام الصندوق طلب من الموظف المعنيّ (الذي ربما كان صاحب الابتسامة نفسه) إيداع هذه الأموال في حسابه المصرفي الخاص. ضرب الموظف بأصابعه على لوحة الكومبيوتر أمامه ليتبيّن له فوراً أن هذا المبلغ الذي يودّ الرجل إيداعه في حسابه قد جرى سحبه توّاً من آلة الصرف المتواجدة عند الباب. وعندما استغرب الموظف هذا التصرّف وسأل الرجل عن الأمر، أكّد له هذا الأخير نتيجة جهاز الكومبيوتر. وبعدما زاد تعجّب الموظف، سألَ الرجل عن سبب قيامه بذلك، فأجابه الرجل البسيط ما معناه أن وجود المال داخل المصرف هو أكثر أماناً من وجوده خارجه.
ربما كان ما سبق نكتة، تداولها اللبنانيون وضحكوا لطرافة صاحبها ونباهته. لكنها تظلّ حقيقة مع ذلك. في كلّ مرة سنحمل نقودنا ونذهب بها إلى المصرف ونطلب منه الاهتمام بها والانتباه عليها لأنه الأقدر على ذلك.
والله أعلم.
