"شطارة" الأطباء وحدها لا تكفي

"شطارة" الأطباء وحدها لا تكفي

05 أكتوبر 2016
قلّة يسألون إذا كان الطبيب مسجّلاً بالنقابة (جو رايدل/Getty)
+ الخط -
الأفضل أن يكون قريباً من البيت، وأجره مقبولاً. عاملان قد يكونان كافيين لاختيار طبيب في لبنان. وقد تُضاف أخيراً عبارة "شاطر" (جيّد)، أي أنّه قادر على علاج المرضى. لا يهمّ هنا إن أكثر من وصف الأدوية أم لا. بالنسبة إلى البعض، فإن وصف أدوية عدّة "شطارة" بحدّ ذاتها. هذه الكلمة التي سمعوها من شخصٍ مقرّب أو أكثر ربّما تكون كافية لبناء علاقة ثقة معه، حتى قبل رؤيته، ومن دون التفكير في التأكّد ممّا إذا كان اسمه مدرجاً في جدول النقابة، أو الاكتراث للاطّلاع على تخصّصه بشكل دقيق. في حال كهذه، يعدّ البحث عن أية إنجازات طبيّة أو مشاركة في دورات في الخارج، وغيرها، ترفاً.

وفي الاستفسار عن الاختصاص ترفٌ أيضاً، إذ عادةً ما يكتفي الناس بالاختصار لدى تعريفهم عن الأطباء. هو "جرّاح" وهذه حقيقة لكنها ناقصة. ويظهر الارتباك حين يعجز الناس عن اختيار الطبيب الذي يجب أن يذهبوا إليه، في حال شعروا بألمٍ ما. في حالات كهذه، قد يلجؤون إلى طبيب "صديق" يفتح لهم الباب، وإن كان تخصّصه بعيداً كلّ البعد عن موضع الألم.
في لبنان، لا يعدّ اختيار الطبيب أمراً سهلاً. لدى كثيرين تجارب جيدة، والعكس صحيح. نادراً ما تلتقي أحداً لم يخطئ طبيب في حقّه، على الأقل كما يظنّ هو، من دون الحرص على التحقيق حتى في حال لجأ مواطنون إلى رفع شكاوى في نقابة الأطبّاء.

كيف يختار اللبناني طبيبه؟ يسأل ثمّ يجرّب. هي مسألة حظّ لدى البعض، مثل البطيخ. وفي النتيجة، تراكم ثقات. حين أرادت ندى زيارة طبيب نسائي، سألت صديقتها إذ لم تكن تعرف أحداً، فأخبرتها عن طبيبها الذي تثق فيه كثيراً، والذي يمنح مرضاه الوقت الكافي ويجيب على جميع تساؤلاتهم. لطالما أزعجها أن تكون مجرّد ملفّ في درجه. ترى أنّه يجب أن يُصادق الطبيب مريضه لكسر الحاجز بينهما، خصوصاً بالنسبة إلى المريض الذين يخشى عادة من التوجه إلى الطبيب. تجربتها كانت جيّدة. والأهمّ أن طبيبها بات يعرفها إذا ما اتّصلت به للاستفسار عن أمر ما.

قبل أن يختار أيّ طبيب، يفكّر محمد في أمورٍ عدّة. يقول إن اسم الطبيب الجيّد عادة ما يكون متداولاً بين الناس. بالتالي، هذه ليست مشكلة بالنسبة إليه. الأهم هو الأجر المقبول وقرب عيادته من مكان إقامته. لم تكن لديه تجارب سيئة بشكل عام. عادة ما لا يقصد الطبيب، ويعتمد على المسكّنات. واليوم، لا يقصد إلا طبيب الأطفال إذا ما ارتفعت حرارة أطفاله. يوضح لـ "العربي الجديد" أن أطفاله عادة ما يتحسّنون بمجرّد تناول الدواء، وهذا ما يجعله يثق بطبيبهم.

إذا ما أحسّت أمّ سامي بألمٍ ما، لا تسأل غير طبيب الصحّة العامة، الذي تعرفه منذ أكثر من عشرين عاماً. هذه المعرفة هي دليلها إلى الأطباء المتخصّصين. ليست من الذين يكترثون لآراء الناس. في النهاية، طبيبها أكثر معرفة بالأطباء الأكفاء. هم زملاءه في النهاية. تقصد هذا الطبيب مذ كانت صغيرة. تقول إن سبب ثقتها به نابعة من كونه إنسانيّاً، "وهذا ما ينقص كثيرين". بطبيعة الحال، يحق للطبيب كسب المال "من دون المتاجرة بمرضاه".



قلّة هم الناس الذين يسألون ما إذا كان الطبيب مسجّلاً حقاً في نقابة الأطباء، أو عن شهادته والجامعة التي تخرّج منها، والمستشفيات، التي عمل فيها، وتخصّصه. وغالباً ما لا يهتمّون بقراءة هذه المعلومات التي عادة ما يعلّقها على جدران عيادته. الأهم منها، هو رأي جار أو صديق بالطبيب. ولن تجد من يختار طبيباً وقد قرأ سيرته الذاتية على الموقع الإلكتروني للمستشفى التي يعمل فيها، باستثناء الحالات الطارئة.

لم تكن رلى تعرف الطبيب الذي أجرى لها عمليّتها الجراحية، بعدما ذهبت إلى قسم الطوارئ في أحد الأيام بسبب وجع في معدتها. "حين كنت بين الحياة والموت، كان علي أن أختار أي اسم". لم تقرأ سيرته الذاتية، لكن أحد أقاربها الذي اطّلع عليها طمأنها. بعدها، لم تأخذ موعداً منه لمتابعة وضعها الصحي. هي من الأشخاص الذين لا يقصدون الأطباء إلا في الحالات الطارئة. "لستُ قادرة على دفع أجرة للطبيب كلّما شعرت بألم". في عمرها، وقد تجاوزت الخمسين، يقلقها أن تزداد آلامها، وهذا ما يحدث فعلاً، وتأمينها الصحي لا يغطّي إلا تكاليف دخولها إلى المستشفى.

في الولايات المتّحدة الأميركية، تشير إحدى الدراسات إلى أن نحو 62 في المائة من الأميركيّين يختارون الطبيب بحسب مقرّ عيادته، و56 في المائة يختارونه بناء على حسن تعامل الموظفين في عيادته، و22 في المائة بحسب نجاحه. وفي دراسة أخرى، يولي مواطنون أهمية لتغطية التأمين الصحي.

وهذه عوامل مهمّة أيضاً في لبنان، وإن كان ثمّة مدرسة خاصة، وهي المعرفة والعلاقات. فإذا ما صودف أن الطبيب الذي قصده مريض يتحدر من قريته نفسها، قد يحظى بمعاملة خاصة. وربّما يصادق أطباء مرضاهم لسبب أو لآخر، ما يسهّل حياتهم على المدى البعيد، إذا ما تعرضوا لأية وعكة صحية. ويصبح هؤلاء الأطباء مقصداً من العائلة الممتدة وحتى الأصدقاء.
يولي كثيرٌ من اللبنانيّين اهتماماً للعواطف. ويحبّون أن تتجاوز العلاقة بينهم وبين الطبيب إطارها الرسمي. ذلك يريحهم أكثر."الشطارة" وحدها لا تكفي.

دلالات

المساهمون