لا غنى عن لعبة "المحيبس" في رمضان

لا غنى عن لعبة "المحيبس" في رمضان

07 يوليو 2015
يبحث عن "المحيبس" (محمد الرباعي/فرانس برس)
+ الخط -

تعدّ لعبة "المحيبس" إحدى أشهر الألعاب الشعبية في العراق، ولها خصوصية كبيرة في شهر رمضان. وتعتمدُ أساساً على الحاسة السادسة أو "الفراسة"، علماً أن مفردة "محيبس" هي تصغير لكلمة محبس، والتي تعتمد اللعبة بشكل كامل عليه. ويطلق عليها الناس اسم "بات" أيضاً .
في بداية شهر رمضان، تستعدّ فرق "المحيبس" الشعبية للمباريات. يتجمّعُ شباب الحي وينقسمون إلى فريقين كبيرين، يجلس كلّ منهما في مواجهة الآخر. بعدها، تُجرى قرعة بين رئيسي الفريقين ليبدأ أحدهما اللعب، فيخفي رئيس الفريق الذي نجح في القرعة الخاتم أو "المحيبس" بيد أحد أعضاء فريقه من دون أن يراه الفريق الخصم، ويصرخ "بات وعلى النبي الصلوات"، ليبدأ الفريق الخصم البحث عن الخاتم بين أيادي عشرات اللاعبين.

ويحكي الخبير في الألعاب الشعبية ياسر الحاج علي لـ"العربي الجديد" عن لعبة "المحيبس"، موضحاً أنها إحدى أشهر الألعاب الشعبية في البلاد، ويلعبها الناس خلال شهر رمضان في المقاهي والأحياء السكنية والحارات والأزقة منذ مئات السنين. تعتمد على "الفراسة"، وينقسم شباب الحي إلى فريقين، وقد يصل أعضاء كل فريق إلى أكثر من ثلاثين شخصاً. ويشرح أن الفريق الخصم أو من ينوب عنه، ويسمّى "كشاف المحبس"؛ كونه يتمتع بخبرة عالية في قراءة الوجوه والبحث عن الخاتم، يتولى مهمة إيجاد "المحيبس". ويقول الكشاف: "ألعب وخوش ألعب" (أي أنا لاعب محترف). بعدها تكون مرحلة إسقاط أيادي اللاعبين التي يعتقد أنها فارغة، والطلب منهم فتحها، ويستمر في ذلك حتى يتمكن من تحديد مكان الخاتم.

وللعبة "المحيبس" أو "البات" قوانين خاصة متعارف عليها بين هواتها وعشاقها، وتكون ملزمة للجميع أثناء اللعب. ويقول اللاعب سمير حمادي إنه في حال انسحب عضو من أي فريق، يمكن ضم آخر لإكمال العدد. وخلال عملية فرز الأيادي، يقول الكشاف: "هالعظمين والباقي طلك"، أي يطلب من أحدهم البقاء والآخرين فتح أيديهم. بعدها، عليه تحديد إن كان الخاتم في اليد اليمنى أو اليسرى.

اقرأ أيضاً: العراقيّون يتمسّكون بالمحلبي

يضيف حمادي لـ "العربي الجديد" أن اللعبة تتألف من جولة واحدة أو أكثر، ويشترط على الفريق الفائز أن يحقق أعلى نسبة من النقاط، وهي 21 نقطة، حتى لو استمرت الجولة ساعات عدة. يتابع أن الفريق الخصم الباحث عن الخاتم يعتمد على الكشاف، فيما يعتمد الآخر على حامل الخاتم. هكذا يجهد الأول في التحديق بوجوه اللاعبين ويسعى الثاني إلى إخفاء الخاتم.
وهناكَ طقوس خاصة بلعبة "المحيبس" تتضمنها المباريات الرمضانية، وهي أن يتناول الفريقان والجمهور المشجع الحلويات العراقية في نهاية اللعبة، وغالباً ما يتحمّل الفريق الخاسر ثمنها. ويقول اللاعب عادل حسن (27 عاماً) إن أجمل ما في هذه اللعبة العريقة هو تناول الجميع الحلويات الشهيرة مثل الزلابية والبقلاوة بعد انتهاء اللعبة وفوز أحد الفريقين. وفي أكثر الأحيان يتحمل الفريق الخاسر ثمن الحلويات. لكن في المباريات الشعبية في الحارات والأحياء السكنية، يجمع أعضاء الفريقين وسكان الحي ثمن تلك الحلويات قبل موعد اللعبة، ويضعونها في أوانٍ كبيرة وتغطّى إلى حين انتهاء اللعبة.

ويقول مؤرخون ومتخصصون في الألعاب الشعبية العراقية إن لعبة "المحيبس" قديمة جداً، لكن ليس هناك فترة زمنية محددة لبداياتها، ويعرفُ العراقيون أنها لعبة تراثية قديمة. ويوضح المؤرخ طه الهاشمي أن الناس تناقلوا العديد من الألعاب الشعبية التراثية من دون معرفة تاريخها وبداياتها. ولا توجد فترة زمنية محددة تماماً لبدايات اللعبة، غير أنها أبرز لعبة شعبية على الإطلاق، خصوصاً في شهر رمضان.
ويشير الهاشمي إلى أن السياسيين العراقيين كانوا يشاركون في تلك الألعاب، على غرار الأمير عبد الإله في العهد الملكي. وفي أربعينيات القرن الماضي، شارك طلاب في اللعبة معه. وقبل وصوله، أوصى الأستاذ طلابه بالهدوء، وكان الأمير ماهراً في الكشف عن مكان الخاتم، حتى إن بعض اللاعبين كانوا يذهبون إلى خيامهم، وهم يقولون إن الأمير "ديزاغل"، أي يغشّ. يضيف أنه في ذلك الوقت، لم تكن السياسة بعيدة عن الشعب، وكان السياسيون يشاركون الناس في ألعابهم الشعبية.

من جهته، يوضح اللاعب مظفر عبد الله لـ "العربي الجديد" أن "كشّاف الخاتم" هو الشخص الذي يبحث عن الخاتم بين أيادي لاعبي الفريق الخصم، ويجب أن يكون ذا خبرة عالية جداً في قراءة وجوه اللاعبين، إلى درجة أن من لا يعرف اللعبة يتفاجأ بقدرته على تحديد مكان الخاتم بسرعة.
لا تقتصر لعبة "المحيبس" على الأحياء الشعبية فقط، بل تجرى بطولات في رمضان بين الفرق الكبيرة والمعروفة في العاصمة بغداد، ويتبارى فيها أكثر من 40 فريقاً أحياناً على مستوى العراق وبقية المحافظات. ويقول اللاعب بهاء صالح (38 عاماً) إن بطولة المحيبس الرمضانية هذا العام ليست كالأعوام الماضية، بسبب الوضع الأمني المتردي في البلاد، وإن أبرز فرق المحيبس الكبيرة والمعروفة هي فرق الأعظمية والكاظمية والفضل والشعلة وكربلاء.

اقرأ أيضاً: العراقيون يفتقدون "المحيبس" هذا العام بسبب الأحداث الأمنيّة